بعد أكثر من عام ونصف العام على أزمة انخفاض أسعار النفط العالمية و الازمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالعراق الذي مازال يدفع فاتورة الحرب ضد داعش واستمرار انخفاض اسعار النفط الى مستوياتها القياسية هذا العام.
ولاتزال إيرادات العراق تتراجع بشكل كبير على خلفية الفساد والأزمات السياسية والحرب على الإرهاب و تراجع أسعار النفط التي تعتبر المشكلة الاكبر التي تهدد بأزمة اقتصادية وتنذر بانهيار مالي في وقت يشهد ارتفاع الانفاق الحكومي وارتفاع الدين العام.
قبل أيام أعلنت شركة “ستاندرد اند بورز” للتصنيف الائتماني في تقريرا لها ان ديون العراق تقدر بــ “30 مليار دولار”.
وحديثا اعلنت كالة التصنيف الائتماني “فيتش” تصنيفها الائتماني للعراق ،حيث كشفت عن تعديل تصنيف الاقتصاد العراقي من “مستقر إلى سلبي”، وفي حين عزت ذلك إلى تراجع أسعار النفط وسوء الوضع السياسي والأمني والتوترات “العرقية والطائفية”، توقعت تحسن وضع العراق أكثر خلال عام 2017 .
ومن الاسباب التي اوردتها الوكالة الدولية ؛زيادة العجز في الناتج المحلي GDP من 8.2 بالمئة خلال العام 2015 المنصرم، إلى 15 بالمئة خلال العام 2016 الحالي
وفقاً للتوقعات”، مرجحة إمكانية تحسن الاقتصاد العراقي أكثر خلال العام 2017 المقبل ليهبط معدل العجز إلى 7.6 بالمئة من مجموع الناتج المحلي الاجمالي”.
وأضافت المؤسسة، أن “التصنيف اعتمد على مؤشرات رئيسة منها انخفاض أسعار النفط التي أدت إلى تدهور الوضع المالي للعراق، الذي يعتمد أكثر من 90 بالمئة من اقتصاده على واردات النفط، الذي يشكل 50 بالمئة من ناتجه المحلي الاجمالي”.
وأوضحت فيتش، أن “توقع بقاء معدلات سعر خام برنت خلال العام 2016 الحالي، عند 35 دولاراً للبرميل، سيزيد من عجز معدل نمو الاقتصاد العراقي، إلى 15 بالمئة خلال العام الحالي مقارنة بالعام 2015 المنصرم”.
وذكرت المؤسسة، أن “العراق أحرز بعض التقدم ضد داعش، لكن تهديد التنظيم يتوقع أن يتواصل خلال العام 2016 الحالي على الأقل”، وتابع أن “التوترات العرقية والطائفية أدت هي الأخرى إلى زعزعة الاستقرار السياسي في العراق”.
وتوقعت فيتش، أيضاً “ضعف نمو الاستثمار في العراق خلال العام 2016 الحالي بسبب انخفاض أسعار النفط مع عدم قدرة الحكومة على تسديد المبالغ التي تنفقها الشركات العالمية في مشاريعها داخل البلد”.
لقد ربط التقرير تحسن الوضع الاقتصادي في العراق العام المقبل بتحسن اسعار النفط في حال حيث حدد سعر برميل النفط بــ 45 دولاراً، مع توقع بقاء معدلات التصدير عند ثلاثة ملايين و300 ألف برميل يومياً، للعامين 2016- 2017، فضلاً عن انتعاش القطاعات غير النفطية التي ستتزامن مع تحسن الوضع الأمني المتوقع”.
اذن الوضع الاقتصادي في العراق يزداد سوءا يوم بعد يوم بفضل التخبط والفشل الذي رافق الحكومات المتعاقبة على العراق ، ناهيك ان التقرير لا يمكنه الولوج الى شبكة الفساد الداخلية التي تطبق على جميع مفاصل وقطاعات الدولة ،وهو ما يجعل من التقرير غير شامل وغير دقيق.
مؤخرا اعلنت وزارة النفط إن العراق سيسدد لشركات النفط الأجنبية المستحقات المتأخرة المتبقية عن عام 2015 ، وقدرها نحو ملياري دولار في أبريل نيسان المقبل وتتوقع التوصل لاتفاق بخصوص العقود بحلول منتصف هذا العام.
هذه الاموال الضخمة المترتبة للشركات النفطية في العراق تثير خفيضة المراقبين حول موضوع عوائد النفط ،وهل ستدفع الحكومة هذه الاموال من جيب المواطن ،ونحن نعلم ان الحكومة تعاني من ازمة رواتب منذ شهور وقد تستفحل مستقبلا ، وهنا ترجع بنا الذاكرة الى موضوع جولات التراخيص التي تعد الخطيئة الاكبر في تاريخ صناعة النفط العراقية ،وكيف استطاعت هذه الشركات بمساعدة متنفذين في الدولة العراقية من الاستيلاء على الحصة الاكبر من عائدات النفط.
لم يأت هذا التصنيف الدولي من فراغ، بالرغم من فقدانه للشمولية في التحليل ،وسؤثر هذا التصنيف على اقتصاد العراق سلبا بلا شك ، فقد ادت مجموعة من العوامل وعلى رأسها الفساد الاداريوالمالي ،وفشل التخطيط الاقتصادي ، وريعية الدولة على واردات النفط بنسبة 95% ، هذه العوامل وغيرها كانت سببا في فشل الاقتصاد العراقي وتراجعه حتى بات اليوم شبه منهار، قد يبدو التقرير في شقه الاخير يدعو الى التفاؤل، لكن الحقيقة المرة انها مجرد توقعات مبنية على افتراض تحسن اسعار النفط التي بدورها مرهونة بالكثير من العوامل ، وهو واضح ،وهنا نقول ما خفي اعظم، فالاقتصاد العراقي يتعرض لنزيف هائل من الصعب على اي جهة دولية ان تحصره بالكامل، وهنا لابد من الاشارة الى ان الحكومة العراقية مطالبة اليوم بالعمل الجاد الحثيث لعل الاقتصاد يخرج من عنق الزجاجة ، وحتى الاصلاح المنشود لن يكون بهذه السرعة فكما هو معروف فإن طريق الاصلاح طويل جدا ،لكن على الاقل انقاذ ما بقي لانقاذه.
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية