ما السبيل لمنع تنظيم «القاعدة» من الاستيلاء على منطقة آمنة في شمال غرب سوريا؟

ما السبيل لمنع تنظيم «القاعدة» من الاستيلاء على منطقة آمنة في شمال غرب سوريا؟

SyriaJabhatNusraStrongholdsIdlib-639x405

من الناحية النظرية، يمكن أن تشكل محافظة إدلب والجزء الشرقي من محافظة حلب في سوريا منطقتان آمنتان تحظيان بحماية دولية، لأنهما مفتوحتين أمام تركيا ويمكنهما بسهولة تلقّي المعونة الإنسانية من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة (انظر المرصد السياسي 2570، “منطقتان آمنتان محتملتان شمال سوريا”). إلا أن أحد أبرز العوائق المتعلقة بخيار إدلب يتمثل بوجود تنظيمات جهادية متطرفة فيها، لا سيما جماعة «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة». ففي غرب حلب وإدلب الخاضعتين لسيطرة الثوار، ستواجه فصائل الثوار “المعتدلة” تحدّياً خطيراً في صدّ قوات «جبهة النصرة».

احتلال «جبهة النصرة» لمحافظة إدلب

حدد “معهد دراسة الحرب” وجود أكثر من 60 جماعة ثوار في المنطقة الغربية من حلب، تضم ما بين 60 ألف و90 ألف مقاتل بشكل إجمالي. ولا تُعتبر «جبهة النصرة» أكبر هذه الفصائل، إذ أن مقاتليها الذين يبلغ عددهم 10 آلاف عنصر لا يمثلون سوى نصف مقاتلي جماعة «أحرار الشام» على سبيل المثال. بيد، تتحالف حالياً «أحرار الشام» وعدة ميليشيات أخرى مع تنظيم «جبهة النصرة»؛ وفي حين قد يمثل المقاتلون التابعون لتنظيمات إسلامية علمانية و”معتدلة” حوالي ثلث قوات الثوار في المنطقة، إلا أنهم ينشطون بشكل أساسي ضمن وحدات صغيرة مجندة محلياً تضم بضع مئات من المقاتلين أو أقل من ذلك.

وتُعد “الفرقة 13” التابعة لائتلاف «فتح حلب» أهم الوحدات “المعتدلة”. وتزعم الفرقة، التي تدعمها الولايات المتحدة وتركيا، أنها تضم في صفوفها 2000 مقاتل وأنها تحارب الجيش السوري في حلب و «وحدات حماية الشعب» الكردية في ممر أعزاز. ومنذ بداية التدخل الروسي في العام الماضي، وضعت عدة تنظيمات صغيرة غير تابعة لـ «جبهة النصرة» راياتها الإسلامية وغيرها من الشعارات جانباً، وانضمت إلى تحالفات ذات تسميات قومية على غرار «جيش النصر» و «الجبهة الشامية». ولم تقم بذلك للحصول على المعونة العسكرية الأمريكية فحسب، بل لمقاومة ضغوط الهيمنة التي تمارسها «جبهة النصرة» أيضاً.

انقر على الخريطة لعرض نسخة عالية الدقة.

خلال شتاء 2013-2014، أخرجت «جبهة النصرة» وجماعات ثوار أخرى متنوعة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») من المنطقة الغربية من حلب، في حين كانت قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» تخرجها بدورها من شرق حلب ووادي الفرات. وقد اعتُبرت هذه الحرب ضد تنظيم «داعش» بغير حق ثورة ثانية بالنسبة إلى عدة محللين، تكلموا عن فورة “القوات الديمقراطية” ضد الجهاديين. وفي الواقع، كانت هذه الحرب مجرد نزاع داخلي بين الجهاديين المتخاصمين. فقد أرادت «جبهة النصرة» وحلفاؤها المحليون القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» قبل أن يعمد هذا الأخير إلى القضاء عليها بدوره. وبعد التخلص من تنظيم «داعش» – منافسها الأساسي في شمال غرب سوريا – سعت هذه الجماعات إلى توحيد مختلف تنظيمات الثوار في المنطقة بالقوة. أما بالنسبة إلى التنظيمات التي رفضت ذلك، فقد طُردت (“الفرقة 13″، كمثال) أو تم القضاء عليها («جبهة الحمزة»، مثلاً).

وفيما أصبحت هيمنة «جبهة النصرة» حتمية، سيطرت الجماعة على «جيش الفتح»، وهو تحالف مدعوم من قبل تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية. وفي ربيع عام 2015، هزّ تقدم «جيش الفتح» في إدلب وجسر الشغور وأريحا نظام الأسد. وكانت مساهمة الجهاديين أساسية في تحقيق هذه الانتصارات. على سبيل المثال، لعب الانتحاريون المنتسبون لـ «جند الأقصى»، وهي جماعة زميلة لـ «جبهة النصرة» تابعة لتنظيم «القاعدة»، دوراً أساسياً في إتاحة النفاذ إلى مدينة إدلب – مركز محافظة إدلب.

انقر على المخطط لعرض لعرض نسخة عالية الدقة.

منذ تنفيذ هذا الهجوم الناجح، تشاركت الجماعات الفرعية الست التابعة لـ «جيش الفتح» السيطرة على قرى المحافظة. وقد قُسمت إدلب إلى عدة قطاعات، ولكن يبدو أن «جبهة النصرة» وأتباعها المقربين فرضوا سيطرتهم الكاملة على المدينة. ففي مقابلة مع قناة “الجزيرة” في حزيران/يونيو الماضي، أعلن قائد «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني بوضوح عن نيته إنشاء إمارة إسلامية في شمال غرب سوريا. وسعياً لتحقيق هذا الهدف، استخدمت الجماعة طرقاً عنيفة مشابهة لتلك التي يعتمدها تنظيم «الدولة الإسلامية»، والاختلاف الوحيد هو أنه لا يتم الإعلان عن عمليات الإعدام في إدلب بانفتاح مشابه لذلك الذي يحصل في الرقة، عاصمة تنظيم «داعش». وتجدر الإشارة إلى أن معظم السكان غير السنة قد فروا من المنطقة، مع أن بعضهم قد أُرغم على تغيير دينه، على غرار دروز “جبل السماق” (وحتى تغيير الدين لم يمنع ارتكاب مجزرة بحق 20 درزياً في قرية “قلب لوزة” في حزيران/يونيو). ويعتقل مقاتلو «جبهة النصرة» بشكل منتظم ناشطين محليين في المجتمع المدني، ليختفي بعدها العديد منهم.

من منظور عسكري، تستطيع اليوم «جبهة النصرة» وأتباعها التدخل في أي مكان تقريباً من محافظة إدلب، من دون أن تلقى معارضة كبيرة من أي جماعات قد تكون مسيطرة رسمياً على قرية أو مدينة معينة. وفي معظم الخرائط التي تحاول إظهار توزع فصائل الثوار، نجد أن «جبهة النصرة» محصورة عموماً في منطقتين من المحافظة، وهما معقلي “حارم” و”جبل الزاوية”، إلا أن  الجماعة متواجدة بالفعل في جميع أنحاء شمال غرب سوريا.

فابريس بالونش

معهد واشنطن

«جبهة النصرة» و «أحرار الشام» يكمل أحدهما الآخر

تملك «جبهة النصرة» أيديولوجيا منسجمة ومشروعاً سياسياً واضحاً لسوريا. فعموماً يتبع سكان الأراضي الخاضعة لسيطرة «جبهة النصرة» الأحكام الصادرة عن محاكمها ويقدّرون نزاهة مقاتليها وشجاعتهم، الأمر الذي لا ينطبق على جماعات الثوار الأخرى (انظر أدناه للحصول على مزيد من المعلومات حول الهيمنة الإيديولوجية للجماعة). وحتى الآن، تسامحت «جبهة النصرة» مع أعمال المنظمات غير الحكومية الأجنبية و”مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية” التابع للأمم المتحدة بالعمل على أراضيها، لأنها بحاجة إلى خدماتها الاجتماعية لفرض سلطتها السياسية. ويتم حالياً تمرير المساعدات الإنسانية عبر معبر “باب الهوى” الحدودي الخاضع لسيطرة «أحرار الشام» – جماعة حليفة لـ «جبهة النصرة» – فيما تسيطر قوات «جبهة النصرة» مباشرةً على الطرق المتفرعة من المعبر.

انقر على المخطط لعرض لعرض نسخة عالية الدقة.

لا ينظر الغرب إلى «أحرار الشام» كتنظيم إرهابي على الرغم من أنه يعتنق الأيديولوجيا ذاتها تقريباً مثل «جبهة النصرة»، التي تم تصنيفها رسمياً كتنظيم إرهابي من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى. أما نقاط الاختلاف الحقيقية الوحيدة مع «جبهة النصرة» فهي أن جماعة «أحرار الشام» تتمتع بإدارة أقل مركزية ولم تعبّر عن ولائها المباشر لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري. ويتوقع بعض المحللين حصول انشقاق بين الجماعتين في المستقبل القريب، معتبرين أنه على «أحرار الشام» الابتعاد عن تنظيم «القاعدة» إذا ما أرادت أن تصبح بديلاً مقبولاً لنظام الأسد. غير أنه بنفس القدر الذي يتعذر فيه على «جبهة النصرة» الانفصال عن تنظيم «القاعدة»، يتعذر على «أحرار الشام» على الأرجح الانفصال عن «جبهة النصرة»، إذ أن قيامها بذلك قد يُفقدها شرعيتها المحلية ودعمها الخاص من قبل مؤيدي تنظيم «القاعدة» في الخليج العربي. كما أنها ستخسر هويتها، فتصبح جماعة ثوار “عادية” أسوةً بالجماعات الأخرى. فضلاً عن ذلك، إن ضباط الجماعتين كانوا سابقاً جنوداً زملاء تابعين لأسامة بن لادن، بمن فيهم الجولاني وعادل راضي صقر الوهابي الحربي في «جبهة النصرة» ومحمد بهايا (المعروف بـ “أبو خالد السوري”) وهاشم الشيخ (المعروف بـ  “أبو جابر”) في «أحرار الشام». باختصار، تكمّل الجماعتان بعضهما البعض على أكمل وجه، وبالتالي، من غير الواقعي الاعتقاد بأنهما ستصبحان خصمين متنافسين سياسياً في زمن الحرب.

أرض خصبة للسلفية

تكمن قوة «جبهة النصرة» في التنوع الجغرافي لعمليات التجنيد التي تقوم بها، بخلاف الجماعات المعتدلة وعمليات التجنيد الخاصة بها ذات الطابع المحلي للغاية. وقد ساعدت هذه المقاربة «جبهة النصرة» إلى حد كبير على تجنب النزاعات القبلية التي غالباً ما تقوّض الثورة.

وتتمتع «جبهة النصرة» بنقطة حصينة أخرى هي سلطتها الأيديولوجية، التي تساعدها على الحفاظ على شرعيتها في عدة أجزاء من شمال غرب سوريا، بالرغم من العنف المتكرر الذي تمارسه بحق السكان المحليين. فالتيار السلفي للفكر الإسلامي الذي تعتنقه «جبهة النصرة» بدأ ينتشر في ريف إدلب وحلب منذ عدة عقود، من خلال كتائب من الأئمة الشباب المدرَبين في المملكة العربية السعودية. وهذا التيار السلفي يناسب السكان الريفيين الذين يعيشون في حالات تخلف في شمال سوريا أكثر من أيديولوجية جماعة «الإخوان المسلمين»، التي هي أكثر تناسباً مع الطبقة الوسطى الحضرية.

وهناك بعض الاستثناءات. غالباً ما تُذكر مدينة “كفرنبل” كمثال على الديمقراطية والعلمانية المحليتين، ويتم تسليط الضوء عليها على نطاق واسع من قبل الصحفيين الذين يزورون [المناطق] الشمالية، في حين لطالما اعتُبرت منطقة “جبل الزاوية” التي تجسد “موسكو الصغيرة” معقلاً يسارياً. إلا أن هذه الاستثناءات غير مُدرجة على مستوى المحافظات، كما أن الفُسحة في “كفرنبل” تتقلص باستمرار. ففي كانون الثاني/يناير، على سبيل المثال، كادت «جبهة النصرة» أن تغتال رائد فارس، الناشط المشهور في المجتمع المدني ومدير إذاعة “كفرنبل”. وقد أُرغم على الإقرار بذنبه علناً على خلفية بثه موسيقى عبر أثير إذاعته، فيما لم تعترض أي من جماعات الثوار المحلية على اعتقاله.

ما من منطقة آمنة من دون قوات برية خارجية

ينبغي على الحكومات والمحللين الأجانب التنبه للوضع الفعلي في شمال غرب سوريا ووقف التكهنات بشأن مواجهة الثوار “المعتدلين” للجهاديين بالاعتماد على أنفسهم. فاليوم، لا يُعتبر الغرب لاعباً قوياً في تلك المنطقة، إذ لا يأخذه المقاتلون المحليون على محمل الجد ولا تتمتع الميليشيات المدعومة من الغرب بالقوة الكافية لتغيير ميزان القوى ضمن جماعات الثوار. وإذا ما قررت الجهات الفاعلة الدولية إنشاء منطقة آمنة في شمال غرب سوريا، فلن يكن من المستطاع منع «جبهة النصرة» من زيادة تعزيز موقعها في المنطقة إلا من قبل قوة حفظ سلام خارجية كبيرة. وهذه القوة ليست واردة على أجندة الغرب في الوقت الحاضر، إلا أن ذلك قد يتغير. وفي هذه الحالة، قد تكون تركيا أكثر احتمالاً للتعاون مع زملائها في منظمة “حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”) لكبح عناصر تنظيم «القاعدة» من تعاونها مع روسيا. ويتمثل أمل آخر بأن يؤدي بروز جماعات على غرار «جند الأقصى» و«حركة تركستان الشرقية الإسلامية» إلى اندلاع حرب جديدة بين الجهاديين.