بعد أن صنّفت دول مجلس التعاون الخليجي «حزب الله» كمنظمة إرهابية، تصبح دول المجلس معرضة لأعمال إرهابية سواء من الحزب أو من إيران. قبل تصنيفه إرهابياً، كانت بعض دولنا الخليجية على علم بأن للحزب واجهات تجارية كبيرة وثرية، وكان هناك تردد في دخول مواجهة حاسمة ضد الحزب، بخلاف الإمارات العربية المتحدة التي أخذت على عاتقها منذ سنوات تصفية تلك الواجهات ودون ضجيج إعلامي، فالمواجهة تحتاج إلى توحيد السياسات الخليجية، لأننا ندرك قوة هذه الواجهات الثرية ومن ثم فإن تصفيتها تأتي لمصلحة دول الخليج.
لا أعتقد أن أبواب السياسة أغلقت، فمازالت هناك مساحة من قنوات التفاهم إذا ما كانت إيران جادة في رسم سياسة جديدة تتسم بالعقلانية مع جيرانها في الخليج. التدخل المستمر في الشأن الخليجي بات أمراً واضحاً. وعلى إيران احترام السيادة الخليجية، والعمل سوياً للحفاظ على أمن المنطقة. أما سياسة التملص، فلم تعد نافعة. ولم تعد لدول الخليج القدرة على تحمل المزيد من التدخل في أوضاعها الداخلية. وبالأخص فيما يتعلق بأهلنا ومواطني دولنا من المذهب الشيعي الذين يدرك معظمهم أن لإيران سياسة لا تخدم المذهب الشيعي، بل تجلب مزيداً من التباعد بين أبناء الوطن الواحد.
وعلى دولنا الخليجية معالجة أي ثغرة تنفذ منها إيران أو «حزب الله». فالمصالحة الداخلية نعتبرها أولوية لحماية أمننا الوطني طالما وضعنا أسس العدالة، وهي المبدأ العام الذي ننطلق منه.
نحن على يقين بأن ما قامت به إيران منذ عقود لن يجعلنا نتراجع عن التصدي لسياساتها العدوانية. فالدخول في اليمن وبث الفتنة بالبحرين والكويت والسعودية، كلها أعمال عدوانية تستوجب سياسة حاسمة منا جميعاً. ربما ما يأخذ على بعض من دولنا عدم وضع المواطن كشريك في قرارات المستقبل وعزله عن ما يحاك من سياسات عدائية ضد استقرار المنطقة، فنحن مطالبون بمزيد من الانفتاح والعمل على تدعيم قاعدة المواطنة.
كما نعتبر الفساد ظاهرة خطيرة، تتطلب مواقف صلبة من دولنا، خصوصاً أن ثمة مؤشرات كثيرة تدعم تورط البعض في تفشي الظاهرة. دولة الإمارات والسعودية على سبيل المثال تعملان على الحد من تفشي الظاهرة وتحاسب أي متورط، وربما دول أخرى عليها أن تقف بشدة حيال اختراق الفساد لمؤسسات الدولة. بعض من الإصلاحات الداخلية غير مكلفة بقدر ما هي استحقاق تفرضه المرحلة لتضييع الفرصة على البعض من التدخل في الشأن الخليجي. فدول التعاون تمر بمرحلة استثنائية. وهناك توجهات دولية جديدة تفرضها المصالح.
إن طريقة وضع الاستراتيجيات يجب أن توحد البيت الخليجي، وأن نسعى لمعالجة بعض من الصراعات الدخلية بين صفوة الساسة، فالصراع أصبح واضحاً للعيان واستفحاله يشكل ثغرة تجب معالجتها بحكمة تتطلبها طبيعة المرحلة.
نحن نعي خطورة التملق والنفاق السياسي، فهو أسلوب أدى إلى تضليل صانعي القرار، ونقل صور مخالفة للواقع المعاش. فهؤلاء لا يعنيهم مصلحة الوطن بقدر ما تعنيهم مصالحهم الخاصة، والكويت على سبيل المثال من الدول التي تعاني من هذا الخطر، على الرغم من محاولات جادة من القيادة السياسية وعلى رأسها صاحب السمو أمير البلاد في التصدي لمثل هذه السلوكيات. فاليوم أمامنا أزمات قادمة بحاجة إلى صدق النصيحة لأجل تحقيق رؤية جادة حيال تعقد الوضع الإقليمي. وفي ظل تذبذب الأسواق العالمية وانعكاساتها المحلية التي تتطلب سياسات جادة في تقليص الإنفاق العام ومشاركة فعالة لمواطني دولنا، ومثل هذه السياسات بحاجة إلى مبادرات شجاعة للتصدي لشبكات الفساد والمنتفعين وذوي النفوذ الذين يلوثون الجهود المخلصة التي تحرص على مقومات دولة المؤسسات.
علي الطراح
صحيفة الاتحاد