ارتفع سعر برميل نفط «برنت» في بداية الأسبوع إلى أربعين دولاراً، أي بنسبة حوالى خمسين في المئة مقارنة مع شهر كانون الثاني (يناير) الماضي. ولكن ذلك لا يعني أن ارتفاع أسعار النفط سيبقى مستمراً، وأننا سنرى مجدداً سعر برميل النفط يصل إلى مئة دولار. إن السعودية وهي أكبر منتج للنفط في منظمة «أوبك»، أدركت إساءة مستوى سعر المئة دولار للأسواق العالمية التي أُغرقت بالنفط الصخري الأميركي.
صحيح أن أسعار النفط لا تحددها المملكة إذ تحدد مستواها عوامل السوق من عرض وطلب وغيرها من عوامل نفسية. ولكن توقعات السعودية بانخفاض إنتاج النفط الصخري نتيجة انخفاض سعر النفط بدأت تظهر بوضوح مع انخفاض فعلي في إنتاج شركات أميركية عديدة لا يمكن أن تستمر في العمل إذا بقي سعر النفط عند مستوى متدن جداً. والسعودية حسب أكثر من مراقب كيفت برامجها الاقتصادية على أساس أسعار منخفضة في ٢٠١٦ تبقى بحدود ٤٠ دولاراً ثم تعاود الارتفاع في السنوات المقبلة في ٢٠١٨ و2019 لتصل الى ما بين ٦٠ الى ٧٠ دولاراً للبرميل. وبدأت السعودية بالتكيف مع المرحلة الجديدة مع رفع الدعم على البنزين، علماً أنها ينبغي أن تسرع في تطوير النقل العام، لأن كثيرين من المواطنين السعوديين كتبوا في تعليقاتهم حول رفع الدعم عن البنزين أنهم بحاجة الى شبكة نقل عام. إلا أن من يتجول في شوارع الرياض ويشهد زحمة السير الخانقة بسبب بناء شبكة مترو الرياض وبنيته التحتية يرى أن السلطات السعودية في قيد التعويض عن هذا النقص، ولو أن بعض مشاريع المترو في مدن سعودية أخرى تم تأخيرها بسبب انخفاض العائدات ولكن المشاريع الكبرى الأساسية ما زالت قيد التنفيذ. فالسعودية بعكس الدول النفطية الأخرى، مثل فنزويلا وإيران وروسيا، تتكيف مع المستوى الحالي من أسعار النفط. وهي ستعلن عن خطتها الاقتصادية الجديدة الكاملة في الشهر المقبل بناء على توقعاتها بأسعار نفط تبقى منخفضة في ٢٠١٦ ولكنها قد ترتفع في السنوات المقبلة، ولكن لن تعود الى مستوى مئة دولار كما أنها لن تهبط إلى ١٠ دولارات كما تكهن البعض، لأن الإفلاسات في الولايات المتحدة وغيرها من الدول النفطية قد تؤثر على العالم بأسره.
فهناك اجتماع في سان بطرسبورغ في روسيا في ٢٠ آذار (مارس) الحالي لعدد من المنتجين، من بينهم السعودية مع روسيا والذين قرروا في قطر تجميد الإنتاج في شهر كانون الثاني الماضي للنظر في التزام الدول بهذا التجميد. ولكن هذا الاجتماع لا يمثل مرحلة مهمة من إدارة الإنتاج لأن الجميع يعرف أن السعودية ملتزمة إنتاج ١٠ ملايين برميل في اليوم، وهي لن تقلص مستواها لحساب آخرين، مثل إيران، أعلنوا أنهم غير عازمين على الالتزام بتخفيض الإنتاج. ولكن إيران لا تستطيع حالياً رفع إنتاجها بشكل كبير، لأنها تحتاج إلى استثمارات كبرى ليست متوافرة بعد لزيادة إنتاجها بمليون أو مليوني برميل إضافي في اليوم كما يزعم الجانب الإيراني. وهناك تساؤلات عن حقيقة التزام روسيا تجميد مستواها على ضوء تاريخ تنقصه صدقية في الالتزام بالقرارات بإدارة الإنتاج، فاجتماع سان بطرسبورغ لن يغير شيئاً، كما أن اجتماع «أوبك» في حزيران (يونيو) لن يغير شيئاً طالما أن هناك دولاً لا تريد التعاون في إدارة الإنتاج.
لقد ولت الأيام التي كانت السعودية تقوم وحدها بإدارة الإنتاج لأنها لم تعد مستعدة لخفض حصتها الإنتاجية لحساب آخرين. ولكن التطورات في السوق العالمية من انخفاض في النفط الأميركي وتحسن في الطلب على النفط قد يرفع الأسعار قليلاً مثلما شهدنا في بداية الأسبوع. ولكن من الصعب التكهن حول ما إذا كان هذا الاتجاه سيستمر أم لا، لأن الأوضاع العالمية والسوق تشهد تقلبات وتطورات لا أحد يستطيع أن يتوقعها بدقة.