يونس ليس اسمه الحقيقي. وفي كل الاحوال، لا أهمية لاسمه. فهو بمثابة شبح أو طيف يافع في اليونان، ولا أثر له في السجلات الرسمية: فالوثيقة التي كانت تجيز إقامته في اليونان طوال 30 يوماً انتهت صلاحيتها وصارت متقادمة. وعلى رغم ملامحه الفتيه وقامته الصغيرة، لم يعد يونس طفلاً. فهو بلغ الثامنة عشرة في كانون الثاني (يناير) المنصرم، بعد ثلاثة اشهر على بلوغه اليونان في الشهر العاشر على نحو ما يقول ويقول مغاربة كثر في الاشارة الى الاشهر وفق ترتيبها في الرزنامة.
يونس اليوم راشد، ولم يعد في امكانه انتظار عملية لم شمل بأقارب مقيمين في أوروبا، شأن غيره من القاصرين. وهو يشعر بالقلق. فهو مغربي عالق في اثينا، اثر اغلاق دول الجوار اليوناني حدودها، وهو ليس من المهاجرين «المناسبين»، اي الذين تستقبلهم اوروبا وتدرس طلباتهم وتقيس «مستوى» يأسهم فتقبل منحهم اللجوء او ترفضه. ولم يستطع 10 آلاف شخص عبور الحدود مع مقدونيا هذا الاسبوع.
«أوروبا هي حلم الجميع»، يقول يونس متنهداً. فهو يرغب في التوجه الى شمال أوروبا والالتحاق بخالته المقيمة منذ زمن طويل في بلجيكا. و»إثر وفاة والدي، تعيش امي وشقيقتي المصابة بإعاقة في فقر مدقع. ولا أستطيع مساعدتهما في المغرب حيث كل الابواب توصد في وجه الفقير. فرحلتُ لأجرب حظي في مكان آخر»، يروي يونس.
ذات صباح في تشرين الاول (أكتوبر)، اتجه يونس الى اسطنبول من الدار البيضاء في رحلة يسيرة مقابل 500 يورو ثمن تذكرة السفر ومن دون الحاجة الى تأشيرة. وكان في انتظاره في مطار اسطنبول ثلاثة رجال أرسلهم وسيط سفره في الدار البيضاء. وقاده هؤلاء الى منزل خافت الاضواء في المدينة. فوجد نفسه في صالون مع اشخاص يتعاطون المخدرات. «شعرت بالخوف. فهم يشبهون الاموات الاحياء. وركضت الى غرفة وأوصدت الباب ورائي. دقوا الباب طوال الليل، ولكنني لم أخرج وكنت متأهباً ولم أغمض عينيّ». وصبيحة اليوم التالي، أقله احد الرجال بعيداً من اسطنبول. وبعد رحلة دامت يوماً، وصلت الى شاطئ عند المساء. فطالبه الرجل بـ 800 يورو، وبعد أن استلم المبلغ أمره بركوب طوف مطاطي مليء بالناس. «اعترضتُ، فعلى متن المركب نحو 60 شخصاً! وكنت الوحيد الذي لا يرتدي سترة نجاة. فاستل الرجل مسدساً ووجهه الى جبيني. صعدت الى المركب»، يقول الشاب الفتي إذ يروي الذكريات المرعبة لعبور البحر الى اليونان. «تشعر بالخوف، الظلام يحيط بك. والناس يبكون ويصرخون كلما تلاطمت الامواج المرتفعة. وتوقف المحرق 4 مرات، لم نعرف ماذا يحصل وكان الظلام دامساً». وبعد ساعات، بلغ يونس والركاب جزيرة ليسبوس اليونانية. فجمع القاصرون الذين يسافرون بمفردهم، ومنهم أفغان وسوريون وعراقيون، في مجمع يشبه السجن. ثم نقل الى أثينا، شأن غيره من القاصرين، ومنها الى مأوى، وارتاد المدرسة. ولكن «بعد المدرسة، لا أحد يسعه ابقاء اليافعين في غرفهم وراء ابواب موصدة»، تقول ديميترا، مديرة شؤون مأوى القاصرين. وتوجه يونس مثل غيره من المهاجرين الشباب الى ساحة أومونيا وساحة فيكتوريا. و»قفتُ وانتظرتُ ان يعرض عليّ احدهم صفقة». ويرى المهربون ان الاطفال المنفصلين عن اقاربهم هم صيد ثمين. فهم يستعجلون الالتحاق بأسرهم في الجانب الآخر من الستار الحديدي الجديد. وعملية لم شملهم تطول وتستغرق 6 أشهر الى 8 أشهر، وفي الاثناء، ينفد صبر الاطفال وأقاربهم ويحاولون العبور غير الشرعي. وتشعر لورا باباس، مسؤولة في منظمة «ميتادراسي»، بالقلق من فقدان أثر 10 آلاف طفل مهاجر. «والطريق الاكثر خطورة هي طريق ألبانيا. والقصص كثيرة بين المهاجرين عن العثور على اجساد مشنوقة على الشجر بعد استئصال تجار الاعضاء البشرية ما يشاؤون منها. وفي ارض مقطوعة، كنا نمشي بين الاعشاب العالية حيث تتناثر جثث نهشتها الكلاب. لم أجرؤ على سؤال المهرب عن هوية هؤلاء أو عما جرى. وهو ما لبث ان تركني. فقبضت عليّ الشرطة المقدونية وأوسعتني ضرباً قبل ان ترحلني الى اليونان. ثم حاولت مرة ثانية مغادرة اليونان والتوجه الى بلجيكا، وفي صربيا سلمت نفسي الى رجال الشرطة الذين لم يعنفوني»، يقول يونس. وعاد الى اليونان حيث يمكث في المأوى نفسه ويحادث والدته على «سكايب». وهذه نصحته بالبقاء في مكانه، وهو بدأ يتعلم اليونانية. ويقول أنه سينتحر لا محالة إذا رحلته السلطات الى بلده الأم.
* مراسلة، عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 4/3/2016، إعداد منال نحاس