رغم السمة الداخلية للحملة الانتخابية الأميركية، حتى الآن، يتعين الانتباه إلى أن غياب مسائل السياسة الخارجية التقليدية عن مواقف المرشحين من الحزبين، يشير إلى استمرار السياسة الحالية التي أرساها الرئيس باراك أوباما.
في المواجهة التي جرت أول من أمس بين المرشحين الساعيين إلى الفوز بتسمية الحزب الديموقراطي لهما، هيلاري كلينتون وبارني سندرز (وخصصت تقريباً للجمهور المتحدر من أصول أميركية لاتينية)، اتفق الاثنان على الإشادة بسياسات أوباما في المجالات الداخلية وفي انفتاحه على أميركا الجنوبية والتسوية مع كوبا.
أما المنافس على ترشيح الحزب الجمهوري دونالد ترامب فتبدو مقاربته للسياسة الخارجية أقرب إلى مناخات الانعزالية الأميركية السابقة للحرب العالمية الثانية. المواقف من المسلمين والمكسيكيين ودعوته إلى «بناء جدار عال وجميل» عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لوقف هجرة اللاتينيين، لا تتعارض مع استمرار إدارة أوباما في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الآتين من الجنوب بالقوة.
بهذا المعنى، يقتصر حضور السياسة الخارجية في الحملات الانتخابية التمهيدية على مسألتي الهجرة والإرهاب، من دون أن يلغي ذلك إمكان بروز القضايا الخارجية بعد اختيار الحزبين الديموقراطي والجمهوري مرشحيهما في المؤتمرين الحزبيين مطلع الصيف المقبل. بيد أن الاعتقاد بإمكان صوغ سياسة خارجية أميركية على النحو الذي كانت عليه في عهدي جورج دبليو بوش أو رونالد ريغان، لن يكون في محله.
لقد ولّت أيام التدخل الأميركي المباشر والكثيف في السياسات العالمية إلى غير رجعة. وبدأت مرحلة السياسة الجديدة التي أعادت تعريف المصالح الأميركية التي تتركز حالياً «في أميركا الجنوبية وآسيا» على ما أعلن أوباما في مقابلة طويلة نشرتها مجلة «ذي أتلانتيك» أمس. المقابلة يصح اعتبارها «التأصيل النظري» لآراء أوباما في السياسة الخارجية والأرجح أن خليفته في البيت الأبيض، بغض النظر عن اسمه أو حزبه، سيتبناها أو سيعمل على الأقل بموجب خطوطها العريضة.
قد تكون هذه واحدة من أكثر مقابلات أوباما الصحافية صراحة ووضوحاً في ما يتعلق بالشرق الأوسط والصراعات الدائرة فيه والتي يعبّر الرئيس الأميركي عن يأسه من الوصول إلى حلول أو تسويات لها واعتباره دول المنطقة محكومة بأيديولوجيات عنيفة وفاشلة سياسياً واجتماعياً ما يجعل الاهتمام بها مجرد إضاعة للوقت على حساب الاستثمار في مناطق واعدة في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية حيث لا يشغل بال الشبان هناك «كيف يقتلون الأميركيين بل كيف يحسنون أوضاع التربية والصحة وكيف ينتجون شيئاً ذا قيمة». وأشار إلى أن عدم الاهتمام بهؤلاء الشباب ناجم عن انشغال الولايات المتحدة «بتدمير وتطويق والسيطرة على الأجزاء المؤذية والعدمية والعنيفة من الإنسانية» في إشارة إلى منطقة الشرق الأوسط.
أما رؤيته لتسوية الصراع العربي – الإيراني فتكمن في «تعلم دول الخليج الشراكة مع إيران» في حكم المنطقة من دون أن يوضح مضمون هذا «الحكم» والأسس التي سيقوم عليها.
الأرجح أن التشخيص هذا لأمراض المنطقة ووضعها سيرافق الإدارة المقبلة التي ستولي اهتمامها الرئيس لمسائل التفاوت الاجتماعي المتفاقم بين الأغنياء والفقراء (وموقف ترامب من هذه المسألة يبدو على يسار موقف كلينتون التي تبدو على أتمّ استعداد للتغاضي عن تغول الشركات الكبرى) والهجرة بصفتها قضية قائمة بذاتها وليست نتيجة انهيار المجتمعات والدول في الأنحاء المنكوبة من العالم. هكذا تبدو العنصرية المتهم ترامب بها، على سبيل المثال، أكثر تعبيراً عن هموم المواطن الأميركي العادية، من مقولات حقوق الإنسان ونشر الديموقراطية والدفاع عن قيم عالمية تضمحل وتختفي.