ازداد التدخل العسكري الإيراني في العراق بشكل كبير خلال العام الماضي، مع تقديم طهران المساعدات التي تحتاجها بغداد في حربها ضد المتشددين من الدولة الإسلامية. ومن وجهة نظر المسؤولين في إدارة أوباما، الذين يشعرون بالقلق أيضًا إزاء صعود هذه الجماعة الإسلامية المتوحشة، هذا الدور الإيراني مقبول في الوقت الراهن.
إلا أنه، ومع عودة القوات الأمريكية لتأدية مهمة محدودة النطاق في العراق، يتخوف المسؤولون الأميركيون من احتمال تجدد الاحتكاك بين هذه القوات وإيران، إما مباشرةً، أو عن طريق الميليشيات المدعومة من طهران، التي هاجمت ذات مرة موظفي الولايات المتحدة في العراق بشكل منتظم.
وقال رجل دين إيراني بارز وعلى صلة وثيقة مع القيادة في طهران: “إنه، ومنذ سيطرة الدولة الإسلامية على قسم كبير من شمال العراق في شهر يونيو، أرسلت إيران أكثر من ألف مستشار عسكري إلى العراق، بالإضافة إلى وحدات من قوات النخبة، وأجرت إيران ضربات جوية أيضًا، وأنفقت أكثر من مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية”. وأضاف رجل الدين: “الفضل في تحرير بعض المناطق من سيطرة داعش يعود إلى مشورة إيران، وقيادتها، ودعمها“.
وفي الوقت نفسه، تعتمد الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة بشكل متزايد على الميليشيات الشيعية القوية، والتي يعادل حجمها الآن حجم قوات الأمن العراقية. وعلى الرغم من أن إدارة أوباما تقول إنها لا تنسق مباشرةً مع إيران، مازال تحالف أسلحة الدولتين ضد الدولة الإسلامية يشكل واقعًا غير مريح.
وهذا ليس فقط لأن بعض قوات الميليشيات التي أثبتت فعاليتها في محاربة الدولة الإسلامية اشتبكت مع القوات الأمريكية خلال حرب 2003-2011، ولكن أيضًا لأنه، وفي سوريا، تواصل إيران دعم الرئيس بشار الأسد، الذي ترغب معظم دول الائتلاف رؤيته يسقط. وفي غضون كل هذا، يواصل الدبلوماسيون الأمريكيون قدمًا المفاوضات للتوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، ومنع طهران من تطوير سلاح نووي.
وقال علي خضيري، الذي عمل مستشارًا لعدة سفراء للولايات المتحدة في العراق،: “إن التوترات التي أشعلت نتيجة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في العراق بعد عام 2003 تم تمويهها الآن بالرغبة المشتركة لهزيمة الدولة الإسلامية، التي تعرف أيضًا باسم داعش”.
وأضاف الخضيري الذي يدير شركة استشارات استراتيجية في دبي الآن: “داعش ستهزم. لكن المشكلة هي أنه بعد ذلك، سوف يكون لا يزال هناك عشرات الميليشيات، المحصنة من قبل عقود من الخبرة في ساحة المعركة، والممولة من النفط العراقي“.
وبعد أن وفر رحيل القوات الأمريكية في عام 2011 الفضاء لإيران لتوسيع نفوذها في العراق، كثفت طهران دعمها للجماعات شبه العسكرية التابعة لها بعد ظهور الجماعة السنية المتشددة، التي يعتبرها قادة إيران الشيعية تهديدًا خطيرًا لمصالحهم.
وقال رجل الدين الإيراني البارز إن القوات القتالية من قوة القدس، وهي وحدة تابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني، “تسافر إلى العراق الآن من وقت لآخر، لإجراء عمليات محددة بالتنسيق مع الحكومات الكردية والعراقية”. كما أن قاسم سليماني، وهو قائد فيلق القدس، أصبح واجهة عمليات إيران في العراق، وصوره في الخطوط الأمامية للمعركة منتشرة بشكل كبير على وسائل الإعلام الاجتماعية.
وقال هادي العامري، الذي يرأس لواء بدر، الميليشيا الشيعية: “إنه صديقنا، ونحن فخورون جدًا بصداقته“. وأضاف: “أي شخص يأتي الآن ليساعدنا على محاربة داعش، هو شخص نرحب به. من غير الممكن تحرير البلاد من قبل القوات العراقية وحدها“.
وبدوره، قال جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق في العراق، إن إدارة أوباما قد ارتكبت خطأ بعدم إجراء غارات جوية محدودة بعد التقدم الأولى للدولة الإسلامية. حيث كان مسؤلو البيت الأبيض يشعرون بخيبة أمل بسبب ما اعتبروه سياسات طائفية من قبل رئيس الوزراء آنذاك، نوري المالكي، وأصروا في البداية على إجراء الإصلاحات السياسية. وأضاف جيفري: “كان العراقيون في وضع حرج، وإيران هي الوحيدة التي جاءت لنجدتهم“.
وخلال ذلك الوقت أيضًا، قبل أكراد العراق، وهم حليف الولايات المتحدة المفضل في العراق، بالحصول على الأسلحة من إيران. وقال مسؤول كردي، تحدث مثل غيره من المسؤولين بشرط عدم الكشف عن هويته: “كنا في حاجة لمنع أربيل من الوقوع في أيدي داعش“.
ووفر انهيار جزء كبير من الجيش العراقي في يونيو/حزيران، الفرصة أيضًا لزيادة الزخم والدعم الشعبي لعمليات الميليشيات المدعومة من إيران، مثل لواء بدر، كتائب حزب الله، عصائب أهل الحق، وعدد آخر من الجماعات الصغيرة.
وقال الشيخ جاسم السعيدي، وهو قائد في كتائب حزب الله، إن جماعته تضم الآن ما هو أكثر من ثلاثة أضعاف عدد مقاتليها في يونيو، وبات لديها أكثر من 30 ألف مقاتل.
وقال السعيدي: إن “إيران لم تترك العراق أبدًا“. وأضاف أن كتائب حزب الله، والمصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، تلقت إمدادات جديدة من صواريخ عشتار وكرار من إيران في الأشهر الأخيرة. وأكد على أن كرار استخدم من قبل المجموعة مرة واحدة فقط، ضد قاعدة أمريكية في عام 2011، وقال إنه “سقط عليها مثل صاعقة من السماء“.
وبينما نشر أوباما قوة من ثلاثة آلاف مقاتل لإعادة تدريب القوات العراقية، فإن إمكانية المواجهة هي “شيء نحن قلقون حياله باستمرار”، وفقًا لمسؤول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية.
وقد تواردت تقارير كثيرة عن الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات الشيعية في الأشهر الأخيرة، مما أثار مخاوف من أن فرق الموت التابعة لهذه الميليشيات، والتي ساعدت على إشعال العنف الطائفي في الماضي، مازالت مستمرة. وقال مسؤول أمريكي آخر: “لقد اتبعت الميليشيات الشيعية مختلف تكتيكات الأرض المحروقة، مما أدى إلى تشريد الآلاف من المدنيين السنة“.
نقلا عن التقرير