لقد دخلت اسواق النفط في مرحلة جديدة نتيجة العديد من العوامل التي اسهمت في عودة التفاؤل الى الاسواق بعد غياب طويل ؛ بسبب انهيار اسعار النفط الى مستويات قياسية منذ 12 عاما في شهر كانون الثاني/ يناير من العام الحالي .
انها مرحلة المرونة التي عزوها التفاؤل في التعاطي مع قضايا السوق النفطية ،وتأتي بعد فترة من الجمود عاشها العالم عام ونصف العام من التوتر والترقب بسبب الانهيار المرعب الذي ضرب اسواق النفط العالمية بسبب ضخامة المعروض وبالتالي تراجع الطلب على النفط.
في الواقع لقد تأثر السوق بزيادة المعروض العالمي وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي، ولكن احتمال تراجع حجم الإنتاج وفر بعض الدعم لأسعار الخام.
لقد سجلت أسعار خام برنت صعودا خلال الايام الماضية فقد ارتفعت اسعار النفط من 27 دولار للبرميل لتستقر عند 40.40 دولار للبرميل، فيما وصلت أسعار تعاقدات الخام الأمريكي إلى 38.31 دولار للبرميل متراجعة 0.5%.
لقد جاءت الفترة الحالية نتيجة العديد من المؤشرات التي اسهمت في بث روح التفاؤل بأن تكون أسعار النفط قد تجاوزت الأسوأ، لكن الخبراء من جهة اخرى مازالوا يحذرون في الوقت نفسه من أن تباطؤ الاقتصاد وزيادة الإنتاج قد يحول دون حدوث زيادات كبيرة في الأسعار.
لقد جاء أُبرِم اتفاق الدوحة النفطي بين المنتجين الأربعة (السعودية ،روسيا ،فنزويلا ،قطر)الشهر الماضي لتجميد إنتاج النفط عند مستويات كانون الثاني يناير 2016، شريطة أن ينضم المنتجون الآخرون، البلدان النفطية من داخل وخارج اوبك، إلى الاتفاق.
مؤخرا أعلنت مؤسسة مورغان ستانلي أن من المحتمل أن تكون أسعار النفط قد تجاوزت الأسوأ، فقد حذرت من أن تباطؤ الاقتصاد وزيادة الإنتاج قد يحول دون حدوث زيادات كبيرة في الأسعار.
و يتسق التحليل السابق مع الوضع الراهن ففي حين نرى بأن الاسعار قد صعدت بشكل طفيف لتلامس سقف الـ40 دولارا للبرميل ،نرى بإن المؤشرات لا تشير الى نمو اقتصادي ،وقد حذر خبراء في صندوق النقد الدولي من احتمالية تعرض الاقتصاد العالمي لانهيار اقتصادي في حال عدم تعاون الاقتصادات الكبرى ،وتصحيح السياسات النقدية ، والاختلالات التي شوهت الاقتصاد العالمي ،ناهيك عن انقاذ الاقتصادات الناشئة من شبح هروب رؤوس الاموال والاستثمارات .
اما المشكلة الحقيقية التي مازالت تشكل عقبة في وجه اي اتفاق نفطي حقيقي هي سعي بعض الدول الى رفع حجم انتاجها وهو ما نراه في كل من العراق وايران ، حيث تصر طهران على عدم تقييد الانتاج الى حين بلوغ سقف انتاجها الذي سبق اعلان العقوبات الدولية عليها ، لذلك قد نشهد في الفترة المقبلة مطالبات من دول اوبك في حال التعاون الطلب من طهران وبغداد عدم زيادة حجم المعروض النفطي حيث يقدر مجموع الزيادة من كلاهما بـ800 الف برميل يوميا ،وهنا سنكون امام تخمة كبيرة في الاسواق ،بالتالي عرقلة اي انتعاش لأسعار النفط .
من جهة اخرى نرى بأن النفط الصخري المنافس الشرس يعود من جديد بقوة الى الاسواق فقد أفاد تقرير نفطي صادر عن شركة نفط الهلال الإماراتية وهي شركة غير حكومية، بأن النفط الصخري الأميركي عاد إلى الواجهة مرة أخرى مع حدوث تغيرات جوهرية، وكان الحد الأدنى الذي يسمح له بالإنتاج هو سعر 70 دولارا للبرميل، في حين أصبح الحديث حاليا عن 40 دولارا للبرميل.
وذكر التقرير ، أن التغيرات الجديدة في إنتاج النفط الصخري تنطوي على مؤشرات قوية تنذر بارتفاع مستوى المنافسة بين المنتجين، لا سيما أن كفاءة الإنتاج بإدخال المزيد من التقنيات المتطورة، ستصب في صالح ضبط التكلفة إلى ما دون 40 دولارا للبرميل.
اذن كما اشرنا سابقا اسواق النفط تعيش حالة من الحراك لكنه على ما يبدو تحت ضغط كبير من قبل مؤشرات الاسواق العالمية ،وعدم تعاون بعض المنتجين في تجميد الانتاج النفطي ،ناهيك عن المنافس الشرس(النفط الصخري) والذي يظهر من جديد كلما ارتفعت الاسعار ،ولا نغفل التباطؤ الاقتصادي الذي تقوده عملاق الاقتصاد العالمي (الصين) بالإضافة الى الى بيانات الاسواق الاوروبية واحتمال انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو ما يعد كارثي للأخير .
اخيرا لابد من الاشارة بإن هناك تحسن طفيف في اسواق النفط لكنه لا يزال غير كافيا ،ولكن من جهة اخرى مازالت السوق النفطية معرضة لاهتزازات جديدة في حال عدم تعاون المنتجين بشكل حقيقي داخل منظمة اوبك وخارجها ، لكن قد تكون الدعوة لتجميد الانتاج مقدمة جيدة نحو اعادة التوازن والسعر العادل للنفط .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية