القرار الذي أعلن عنه مساء أمس الاثنين بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الأسد، كان محل ترحيب من عدة أطراف، لكن الفرضيات والتفسيرات بشأنه بدت متباينة.
ففي تفسيره لهذه الخطوة، شدد بوتين على أنها تأتي في سياق تكثيف الدور الروسي في العملية السياسية لإنهاء الصراع في سوريا.
ومن جهتها، اعتبرت دمشق أن هذا القرار يأتي اتساقا مع “استمرار وقف الأعمال القتالية، وبما يتوافق مع المرحلة الميدانية الحالية”، مقرّة بمساعدة التدخل الروسي لقوات النظام على تحقيق مكاسب عسكرية.
اتساق وترحيب
هذا الاتساق كان واضحا أيضا في ردود الفعل الدولية، فقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي باراك أوباما رحّب -في اتصال هاتفي مع بوتين- بالقرار الروسي، وبتراجع العنف منذ بدء تنفيذ اتفاق الهدنة في سوريا.
ولم يقتصر الاتصال على ذلك، بل أكد الرئيسان على دعمهما تفعيل عملية التسوية السياسية للأزمة السورية.
هذه اللهجة اتسمت بها تصريحات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، الذي أكد أن الانسحاب الروسي خطوة إيجابية من أجل وقف إطلاق النار، اتخذها الروس لأنهم لا يرون حاجة وشيكة للجوء إلى القوة.
أما المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط، فقد طالب بوتين بخطوة إيجابية أخرى تتمثل في الوقوف إلى جانب الشعب السوري لا إلى جانب دكتاتور سوريا، على حد تعبيره.
فرضيات وأسباب
وخلف قرار موسكو المتزامن مع الذكرى الخامسة للثورة السورية، تلوح عدة فرضيات عن الدوافع التي جعلت روسيا تنسحب “سريعا” بعد أن وضعت سقفا زمينا مفتوحا لتدخلها العسكري، يتراوح بين 12 و18 شهرا.
ومن الفرضيات التي يرى خبراء ومتابعون أنها دفعت روسيا للإقدام على هذه الخطوة: الوضع الاقتصادي، وهي فرضية يرجحها مدير مكتب الجزيرة في موسكو زاور شوج الذي أشار إلى أن بوتين ربما يريد الخروج من التدخل بأقل الخسائر.
في حين يذهب آخرون إلى فرضية أخرى تقر بوجود اتفاق روسي أميركي، وهو ما يراه الكاتب والباحث السياسي محمد زاهد غل، الذي رجّح أن تسهم الخطوة أيضا في خلق توازنات جديدة في المنطقة قد تقود إلى حل سياسي للأزمة السورية.
ومن الفرضيات الأخرى، سعي روسيا للضغط على الأسد من أجل تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.
وهذا ما يراه الخبير في الشؤون السورية بمركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أندرو تابلر، في تصريحاته لمجلة فورين بوليسي الأميركية التي قال فيها “يبدو أن روسيا قد تراجع دعمها للأسد بغية الضغط عليه، ليقدِّم تنازلات في طاولة المفاوضات”.
أما صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، فاعتبرت أن انسحاب روسيا جاء بعد أن مكَّنت للأسد ورسَّخت أقدامه بما يجعله في وضع أفضل لاستغلال المفاوضات التي تنعقد بوساطة أميركية روسية.
تأثير ومآلات
وأيا كانت الفرضيات فإن الانسحاب الروسي من سوريا سيكون له تأثير كبير على مسار الأحداث السياسية والميدانية على حد السواء.
وبحسب الصحافة الروسية، فإن ما عدته “نصرا سياسيا لموسكو” من شأنه إعطاء أولوية للتسوية السياسية بدل الغرق في النزاع.
وطغت في معظم الصحف لغة حل الأزمة السورية سياسيا، والدفع قدما بعملية السلام والمساهمة في إنجاحها، مما مثّل -بحسب كثيرين- تمهيدا للتخلي عن الرئيس الأسد، وهو تفسير دعمه الخبير في العلاقات الدولية جوشوا واكر الذي أكد أن روسيا تدرك أن الأسد انتهى، وهو ما أكدته مجلة فورين بوليسي حينما اعتبرت أن الانسحاب قد يعني نهاية الدعم الروسي غير المشروط للأسد ويشيع فسحة من التفاؤل بحل دبلوماسي.
لكن حسابات أخرى ربما كانت وراء قرار التدخل والانسحاب من روسيا، حسابات خدمت روسيا وحدها وساهمت في كسر العزلة الدولية التي فرضت عليها بسبب النزاع في أوكرانيا، بحسب تعليق صحيفة “كومرسانت” الروسية.
وفي السياق ذاته، يعلّق المحلل الروسي غيورغي بوفت بأن “موسكو منذ البداية لم تكن تسعى إلى إنقاذ نظام الأسد بأي ثمن، بل هدفها الرئيسي كان الخروج من العزلة الدولية وهذا ما تمكنت من تحقيقه”. وهذا ما يضيف أسئلة جديدة عن أهداف الدور الروسي في سوريا، بينما يبقى الغموض يلف مصير الأسد بعد انسحاب القوات الروسية.
إيمان مهذب
الجزيرة نت