ثلاثة أيام فصلت ما بين تصريحات للأسد في لقاء مع مجلس نقابة المحامين بتاريخ 15 فبراير الماضي، ورد روسيا على ما جاء فيها من “تخريب” لتفاهمات روسيا مع الدول الفاعلة في العالم.
وهو الرد والموقف الأكثر صلابةً وانتقاداً لسياسة رئيس النظام السوري بشار الأسد، من قِبل حليفه الروسي، في الثامن عشر من شهر فبراير الماضي، عندما توجّه فيتالي تشوركين بـ”نصيحة” حادة المذاق يخيّر فيها الأسد ما بين الخروج بكرامة من الأزمة، أو أن الوضع سيكون صعباً للغاية.
استعادة الأراضي ومواصلة القتال
كان هذا اليوم “مشهوداً” برأي كل المحللين السياسيين والمراقبين الذين التقطوا الإشارات الواردة في تحذير تشوركين عالي اللهجة. واتفقت أغلب التحليلات حينها، أن القادة الروس منزعجون من تصريح الأسد حول “استعادة كامل الأراضي” عبر مواصلة القتال، وكذلك تفسيره للمرحلة الانتقالية، حسب وجهة نظره التي أطارت صواب الروس، بأنها انتقال من الفوضى إلى الاستقرار.
وعلى الرغم من أن تشوركين قد أردف تصريحاته المحذرة للأسد بأنها “مجرد تقييم شخصي” إلا أن قوله عن تصريحات الأسد إنها “لا تنسجم مع الجهود الدبلوماسية لروسيا” أعطت تحذيره صبغة رسمية واضحة، بكل المقاييس.
فقد نقلت جريدة “الحياة” اللندنية بعددها الصادر بتاريخ 19 فبراير الماضي، تصريحاً لديمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين، يتحدث فيه عن أن “وسائل إعلام روسية تعتبر تصريحات الأسد خلال لقاء مع مجلس نقابة المحامين لا تتوافق مع مضمون الاتفاقات الأخيرة التي توصلت إليها مجموعة دعم سوريا”، ونقلت عن ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي أن “بشار الأسد وأطرافاً أخرى في الصراع يجب أن يستمعوا لنصيحة موسكو”.
من جهة أخرى، ذكرت الأنباء التي تناقلتها عدة وسائل إعلامية في اليوم التالي لتصريحات تشوركين، أن وزير الخارجية الروسي لافروف تقدّم باستقالته. ليتبين في ما بعد أنها إما مجرد شائعة، أو أنها كانت تعكس توتراً في دائرة صناعة القرار الروسي من “تصرفات” الأسد التي تصب مباشرة في إحباط تفاهمات لافروف مع شركائه الأميركيين والأوروبيين والعرب بطبيعة الحال.
الدعوة لانتخابات برلمانية تتناقض مع القرار 2254 الخاص بسوريا
إلا أن فيتالي تشوركين حاول “تطويق” ذيول تصريحات الأسد القائلة باستمرار الحرب واستعادة كل الأراضي، من خلال قوله: “لا ينبغي التركيز على ما يقوله الأسد، بل على ما سيفعله”. وتؤكد كل الأنباء التي صدرت من العاصمة الروسية موسكو أن تصريحات الأسد انتهت عند هذا “التطويق” ثم توقفت ردود الأفعال، كلياً، ريثما تأتي الخطوة الثانية من الأسد، بإصدار مرسوم جمهوري يحدد فيه موعداً لانتخابات مجلس الشعب.
فقد قالت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم الخارجية الروسية، في تعليق منها على إعلان الأسد إجراء انتخابات نيابية في ابريل القادم، إن هذه الانتخابات يجب أن “تجري على أساس اتفاقات بين الحكومة السورية والمعارضة”. ثم شدّدت على موقف بلادها المتمسّك “بكل الاتفاقيات الخاصة بمضمون ومراحل عملية التسوية السياسية للأزمة السورية”.
وقام الأسد بإيفاد المستشارة في القصر الجمهوري بثينة شعبان في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، إلى موسكو لتشرح موقفه للسياسيين الروس، حيث قالت شعبان حينها وفي لهجة اعتبرها مراقبون “تخلو” من الدبلوماسية ولياقات التخاطب، إن “المنطق الذي ينتقد الإجراءات الدستورية في سوريا يهدف إلى التغطية على تقصير الآخرين” على حد قولها الذي صب ضدّ الروس مباشرة، لأنهم أول طرف دولي انتقد تحديد موعد للانتخابات البرلمانية في سوريا!
في المقابل، وبذات الطريقة التي “طوّق” بها الروس ذيول تصريحات الأسد في مجلس نقابة المحامين، تم “تطويق” ذيول إعلان إجراء انتخابات برلمانية، فصرّح الروس رسمياً بأن إجراء الانتخابات “لن يعرقل عملية السلام” في سوريا. تبعاً لما نقل عن الكرملين في الرابع من الجاري، حيث أكد أن بوتين أجرى اتصالات هاتفية بعدد من القادة الأوروبيين أخبرهم فيها أن إعلان الأسد عن انتخابات برلمانية في ابريل القادم “لن يعرقل عملية السلام”.
قنبلة “الخط الأحمر” التي فجّرها المعلّم
ثالثة الأثافي، كانت بالمؤتمر الصحافي الذي عقده وزير خارجية الأسد، قبيل توجه وفد النظام إلى جنيف لعقد مباحثات مع المعارضة السورية يفترض أنها ستتناول قضية هيئة الحكم الانتقالي وإجراء انتخابات رئاسية.
فقد أطلق المعلم عدة تصريحات لم يقو معها الروس على “التطويق” كما سبق ونجحوا في تصريحات الأسد مع مجلس نقابة المحامين، وفي “تطويق” ذيول قراره بالانتخابات النيابية مع ما تحمله من تعارض مع الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها القرار 2254.
قال المعلم إن البحث بمصير الأسد غير مطروح في جنيف، ونفى أن يكون هناك “وثائق” دولية تتحدث عن ذلك، ثم قطع بأن رئيسه “خط أحمر” وأن وفده لن يناقش هذه المسألة مع المعارضة، لأن “مقام الرئاسة مِلك للشعب السوري” على حد زعمه الذي “أطار” صواب الروس، لما يحمله من نسف لكل التفاهمات التي أجرتها روسيا مع الأميركيين والأوروبيين والعرب.
هنا، أُسقِط في يد الروس، خصوصا بعد قول وزير الخارجية الأميركي: “إذا اعتقد النظام وحلفاؤه أنهم قادرون على اختبار صبرنا أو التصرف بطريقة تطرح تساؤلات حول تعهداته، من دون أن يترك ذلك عواقب وخيمة، فإنهم واهِمون”.
على الفور، وبعد ساعات قليلة جدا من “تهديد” كيري. أعلن بوتين عن سحب قوات أساسية من سوريا. في إشارة قاطعة للأسد، إذا لم تلتزم التعهدات الدولية بهيئة الحكم الانتقالي والانتخابات الرئاسية، فأنتَ وحدك في معركة لا أمل لك فيها بـ”الخروج بكرامة” لو لم تحذُ حذو روسيا، كما قال فيتالي تشوركين حرفياً، الأمر الذي دفع بالصحافة الروسية، أمس الاثنين واليوم الثلاثاء، إلى التركيز على تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير والتي قال فيها إن الأسد لن يرحل “إنما سيُقتَل”.
عهد فاضل
العربية نت