غريب أمر سياسات النظام الرسمي العربي التي لم تنتبه إلا متأخرة للغاية لفعل السكين الإيرانية المسمومة في لحم الخريطة العربية وبلدانها، ولحم الجسم الاجتماعي العربي الذي عملت فيه تفريقاً وتمزيقاً منذ الثمانينات من القرن الماضي، كما في العراق، لتنتهي الأمور إلى الحروب المذهبية الحالية.
شرط نجاح السياسة الجهنمية الإيرانية في منطقتنا العربية كان التمويه والتضليل والتداخل العضوي الخفي مع السياسة الأمريكية تارة، واللعب على التحالفات الإقليمية، وفيما بينها تارة أخرى. وكل ذلك كي لا تتم رؤية إيران كخطر حقيقي وجودي، ولكي لا يتم إدراك مدى أهدافها ومراميها، وليسهل في النهاية تغلغلها داخلياً في كيانات الدول العربية ومفاصلها المهمة.
لكن هذه التكتيكات والأفعال المنهجية في التضليل والإيهام كانت تصلح لأن تمر على الجمهور العام، أو على أولئك الذين لا يحترفون السياسة، أو هم خارج السياسة الرسمية (والذين طالما تم تصنيفهم بأنهم من أصحاب وهم نظرية المؤامرة)، لا على راسمي السياسات، وبالتالي متخذي القرار. السؤال المشروع اليوم هو: لماذا لم ير النظام العربي أن طهران كانت طوال السنين الماضية تحفر تحت أقدامه، وأن بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء ليست هي العواصم التي ستتوقف عندها أصلاً، بل هي تسعى إلى إخضاع الجميع تحت سيطرتها، كما هو الإدراك الآن؟
السؤال الآخر المشروع في هذه الفجوة في الفهم وعدم الإدراك لنوايا الآخر وتخطيطاته والتي هي في الحقيقة غير مسبوقة تاريخياً، حيث نجحت إيران في التمدد الواسع في الخريطة العربية في غفلة شبه كاملة عربياً، بحيث أخذ هذا التمدد يبدو كأنما هو نجاح «طبيعي»، أو «محصلة تاريخية»، أو نتيجة لإيديولوجية النظام «الثورية»، وصداها في محيطها الإقليمي، وبالتالي أمراً واقعاً حتمياً. وهذا السؤال الشرعي هو: هل قام الحليف الأمريكي «بتحييد» الدور الرسمي العربي بإزاء تغلغل إيران ووكلائها في المنطقة؟ وقبل هذا السؤال، هنالك الفرضية التي لا بد منها، وهي: هل كانت عملية التضليل السياسي والمعلوماتي حول حقيقة التمدد الإيراني عربياً، جزءاً من تقاسم الأدوار ومن التوافق الأمريكي الإيراني؟
يفتح أول توثيق أمريكي معتمد للعلاقة السرية الأمريكية الإيرانية في كتاب «المبتعث»، لمؤلفه زلماي خليل زادة السفير الأمريكي في بغداد، آفاقاً جديدة لفهم الطبيعة الحقيقية لهذه العلاقة التي نفهم أنها كانت فعالة ومثمرة فيما قبل غزو العراق، حيث تم الغزو أساساً وفقا لتنسيق معين بين الطرفين. وبعيداً عن تضليلات الإعلام الأمريكي والإيراني معا، والتي كانت توحي بعلاقة أخرى مختلفة، فإن قاسم سليماني قائد فيلق القدس و«بطل» فتوحات إيران في العراق وسوريا في قيادته للميليشيات وحروبها الطائفية في البلدين، هو من كان رسولاً ووسيطاً من إيران بطلب أمريكي، حين تستعصي الأمور ويعجز الأمريكان عن فرض خيار سياسي معين في عراق ما بعد الاحتلال (رواية خليل زادة عن الرغبة الأمريكية في إزاحة إبراهيم الجعفري عن رئاسة الوزراء).
بعدما حصل ما حصل. وتبدى الشرق الأوسط الجديد عن شرق أوسط بقيادة إيران، بدلاً من أن يكون بقيادة مباشرة أمريكية كما توقعنا جميعاً، يصدر هذا الكتاب ليقول إن العلاقة السرية هي أكثر من وثيقة، وإن أحد أبطالها في الظل هو جواد ظريف الذي واصل دوره في الضوء كرئيس لفريق المفاوضات النووية من الجانب الإيراني، وبعدها وزيراً للخارجية.
يصب الضغط الأمريكي بواسطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على منظومة دول الخليج، بحسب ال”وول ستريت جورنال” الأمريكية للتراجع عن مواجهة التمدد الإيراني عبر الإجراءات الاقتصادية في الخلاصة نفسها، وهي تحييد الفعل العربي وشلّ قدرته على إيذاء إيران وأذرعها في المنطقة، تماماً كما تم تحييد الوعي والإدراك حول تغلغلها في المنطقة.
شرط نجاح السياسة الجهنمية الإيرانية في منطقتنا العربية كان التمويه والتضليل والتداخل العضوي الخفي مع السياسة الأمريكية تارة، واللعب على التحالفات الإقليمية، وفيما بينها تارة أخرى. وكل ذلك كي لا تتم رؤية إيران كخطر حقيقي وجودي، ولكي لا يتم إدراك مدى أهدافها ومراميها، وليسهل في النهاية تغلغلها داخلياً في كيانات الدول العربية ومفاصلها المهمة.
لكن هذه التكتيكات والأفعال المنهجية في التضليل والإيهام كانت تصلح لأن تمر على الجمهور العام، أو على أولئك الذين لا يحترفون السياسة، أو هم خارج السياسة الرسمية (والذين طالما تم تصنيفهم بأنهم من أصحاب وهم نظرية المؤامرة)، لا على راسمي السياسات، وبالتالي متخذي القرار. السؤال المشروع اليوم هو: لماذا لم ير النظام العربي أن طهران كانت طوال السنين الماضية تحفر تحت أقدامه، وأن بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء ليست هي العواصم التي ستتوقف عندها أصلاً، بل هي تسعى إلى إخضاع الجميع تحت سيطرتها، كما هو الإدراك الآن؟
السؤال الآخر المشروع في هذه الفجوة في الفهم وعدم الإدراك لنوايا الآخر وتخطيطاته والتي هي في الحقيقة غير مسبوقة تاريخياً، حيث نجحت إيران في التمدد الواسع في الخريطة العربية في غفلة شبه كاملة عربياً، بحيث أخذ هذا التمدد يبدو كأنما هو نجاح «طبيعي»، أو «محصلة تاريخية»، أو نتيجة لإيديولوجية النظام «الثورية»، وصداها في محيطها الإقليمي، وبالتالي أمراً واقعاً حتمياً. وهذا السؤال الشرعي هو: هل قام الحليف الأمريكي «بتحييد» الدور الرسمي العربي بإزاء تغلغل إيران ووكلائها في المنطقة؟ وقبل هذا السؤال، هنالك الفرضية التي لا بد منها، وهي: هل كانت عملية التضليل السياسي والمعلوماتي حول حقيقة التمدد الإيراني عربياً، جزءاً من تقاسم الأدوار ومن التوافق الأمريكي الإيراني؟
يفتح أول توثيق أمريكي معتمد للعلاقة السرية الأمريكية الإيرانية في كتاب «المبتعث»، لمؤلفه زلماي خليل زادة السفير الأمريكي في بغداد، آفاقاً جديدة لفهم الطبيعة الحقيقية لهذه العلاقة التي نفهم أنها كانت فعالة ومثمرة فيما قبل غزو العراق، حيث تم الغزو أساساً وفقا لتنسيق معين بين الطرفين. وبعيداً عن تضليلات الإعلام الأمريكي والإيراني معا، والتي كانت توحي بعلاقة أخرى مختلفة، فإن قاسم سليماني قائد فيلق القدس و«بطل» فتوحات إيران في العراق وسوريا في قيادته للميليشيات وحروبها الطائفية في البلدين، هو من كان رسولاً ووسيطاً من إيران بطلب أمريكي، حين تستعصي الأمور ويعجز الأمريكان عن فرض خيار سياسي معين في عراق ما بعد الاحتلال (رواية خليل زادة عن الرغبة الأمريكية في إزاحة إبراهيم الجعفري عن رئاسة الوزراء).
بعدما حصل ما حصل. وتبدى الشرق الأوسط الجديد عن شرق أوسط بقيادة إيران، بدلاً من أن يكون بقيادة مباشرة أمريكية كما توقعنا جميعاً، يصدر هذا الكتاب ليقول إن العلاقة السرية هي أكثر من وثيقة، وإن أحد أبطالها في الظل هو جواد ظريف الذي واصل دوره في الضوء كرئيس لفريق المفاوضات النووية من الجانب الإيراني، وبعدها وزيراً للخارجية.
يصب الضغط الأمريكي بواسطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على منظومة دول الخليج، بحسب ال”وول ستريت جورنال” الأمريكية للتراجع عن مواجهة التمدد الإيراني عبر الإجراءات الاقتصادية في الخلاصة نفسها، وهي تحييد الفعل العربي وشلّ قدرته على إيذاء إيران وأذرعها في المنطقة، تماماً كما تم تحييد الوعي والإدراك حول تغلغلها في المنطقة.
د.أمينة أبو شهاب
صحيفة الخليج