أكثر من مجرد حرب باردة جديدة؟

أكثر من مجرد حرب باردة جديدة؟

635855303656481850_809.jpg_q_1

لا يمكن حل مشكلات تهديدات الإرهاب، والدول الفاشلة، والحروب الأهلية، من دون تعاون قائم على الاحترام بين الولايات المتحدة وروسيا، كما يقول الرئيس التنفيذي السابق لشركة “بروكتر أند غامبل”. وقد ألقى بيبر الكلمة التالية في ندوة تحت عنوان “أكثر من مجرد حرب باردة جديدة” يوم 17 شباط (فبراير) في مدينة نيويورك، تحت رعاية مجلس كارنيغي للأخلاق في الشؤون الدولية.
*   *   *
إنني أتواجد هنا بصفتي رجل أعمال متقاعدا. لكن الأمر الأكثر أهمية هو أنني لم كنت لأتواجد هنا لولا عامل آخر. إنني قلق جداً، وأنا متأكد من أن العديد منكم يشعرون بالقلق كذلك من التهديدات التي تواجهها هذه الأمة وهذا العالم في الوقت الحالي؛ تهديدات، كما أعتقد، كنا نسمع أصلاً، هي الأكبر من بين التي واجهناها في حياتي كراشد. وهي تهديدات متصلة جداً ببعضها البعض: الإرهاب؛ والدول الفاشلة؛ والحروب الأهلية الخارجة على نطاق السيطرة؛ والانتشار النووي.
وقد أتيت إلى هنا وأنا مقتنع بعمق بأنه لا يمكن حل هذه التهديدات -ولن يكون بالإمكان حلها مستقبلاً- إذا لم يكن هناك تعاون موسع؛ تعاون محترم، بين روسيا والولايات المتحدة، والذي يجلب معه العديد من البلدان الأخرى التي تتطلع إلى هاتين الدولتين من أجل القيادة.
وسأقول كلمة على جبهة التجارة والأعمال، إذا سمحتم لي. فقد أمضيت نحو ربع قرن، بدءا من العام 1990، وأنا أعمل بطريقة أو أخرى في روسيا، بما في ذلك كرئيس تنفيذي لشركة “بروكتر أند غامبل”، وسبعة أعوام كعضو في مجلس إدارة شركة وولت ديزني عندما شقت طريقها إلى داخل روسيا. وكانت أول رحلة لي كجزء من شركة “بروكتر أند غامبل” في شهر شباط (فبراير) من العام 1990، بعد وقت قصير من سقوط جدار برلين. وكنا في زيارة لخمس عواصم في شرقي ووسط أوروبا -في غضون أسبوع. وقد تلقينا الكثير من النصائح حول الوجهات التي يجب أن نقصدها. قيل لنا، اذهبوا بسرعة إلى ما كانت تشيكوسلوفاكيا في ذلك الحين، كما يجب أن نذهب بسرعة إلى هنغاريا والدخول إلى ألمانيا الشرقية عندما تتوحد مع ألمانيا الغربية، ويجب أن ندخل ببطء إلى بولندا، وإنما يجب أن لا نكلف أنفسنا عناء إلى موسكو.
حسناً، ذهبنا إلى موسكو. وقررنا في تلك الزيارة، على الرغم من بعض الاجتماعات المجنونة، أننا نرغب في خلق نشاط تجاري ما هناك. وقد فعلنا ذلك عن طريق الشراكة، وهي المرة الوحيدة التي قمنا بها بتلك الخطوة كشركة مع جامعة سانت بطرسبيرغ، التي أصبحت بعد ذلك حليفاً وثيقاً لنا.
بفضل موظفينا الروس وبعض الموظفين غير الروس، استطعنا بناء نشاط تجاري كبير. وأصبح ذلك النشاط هو الخامس من حيث الحجم في إجمالي عالم شركة “بروكتر أند غامبل”. وقد تغيرت تلك المعايير تغيرت عندما هبط سعر الروبل الروسي من 35 إلى 80 روبلا (في مقابل الدولار). لكنه بقي مع ذلك نشاطاً تجارياً ناجحاً جداً وكان يضم ما بين 3000 و4000 موظف. ولم نواجه أي صعوبات ونحن نقاتل الفساد في هذا النشاط التجاري. وبينما يعرض كل بلد تحدياته الخاصة، كان القيام بنشاط تجاري في روسيا بالنسبة لنا قابلاً للإدارة بشكل سلس جداً.
إننا نواجه أزمة مالية كبيرة، كما نعرف جميعاً: إن أزمة العام 1998 تتكرر الآن. وهي تبدو ببعض الطرق أقسى على الشعب الروسي هذه المرة، لأن العديدين اعتادوا على العيش بمعدل دخل متوسط ولم يتوقع أحد قدوم هذه الأزمة.
أعتقد بأن رد فعل الحكومة الروسية كان متساوقاً بشكل مطلق مع تعزيز أهمية الاستثمار الدولي. وبينما هبط الاستثمار الأجنبي المباشر بواقع الثلثين في العام الماضي، في حين أن الأسواق التي نعمل فيها تراجعت ما بين 10 و15 في المائة، وأصبح معدل البطالة يتكون من رقمين، وهو أمر قاسٍ جداً بالنسبة للروس وسيبقى كذلك، فإن شركات مثل شركتنا -وهي تمثل القسم الأكبر من الشركات- ما تزال موجودة في روسيا للسبب نفسه الذي دفعنا إلى الذهاب أولا، بسبب الناس، وبسبب التعليم الذي يتمتع به الناس وبسب أهمية روسيا، وبسبب كل مجال يمكن أن يجعل أي بلد مهماً.
إننا نعتقد بأن التواجد هناك كان مفيداً. ويقال لنا دائماً إنه كان كذلك. لقد سمح لنا بالتأكيد، مثلما سمح لي، وقد حظينا ببركة معرفة الشعب الروسي، بمعرفة أن رغبات الرجال والنساء الروس هي نفس رغبات الرجال والنساء الأميركيين. إنهم يريدون السلام ويريدون السلامة لعائلاتهم ويريدون أسلوب حياة اقتصادي يسمح لهم بالنمو. وربما يكون أكبر خطر الآن بالنسبة لروسيا، كما أعتقد، هو نزوح رأس المال الفكري الإنساني، كما سبق وحدث في أماكن مثل البرتغال. لكنني لست متشائماً كثيراً حول ذلك، على ضوء الاعتقاد في روسيا بأن ذلك سينطوي على مخاطرة. لكننا سنمضي قدماً. وهناك بعض الشركات التي تستثمر أكثر، وليست هناك ولا واحدة من الشركات الكبيرة تدرس المغادرة، ولن تغادر. وأعتقد بأن ضبط أسواق رأس المال الذي يتيح المجال أمام العملة للصعود كما فعلت، قد أظهر تنظيماً كبيراً غير ظاهر في العديد من البلدان الأخرى التي سبق وأن تواجدت فيها، والتي مرت بتحديات اقتصادية.
أما على الجبهة الجيوسياسية، فإنني أحيل الأمر إلى الناس الموجودين هنا. وأقول ببساطة شيئين اثنين. واحد، من الواضح تماما أننا نواجه تحديات متجانسة اليوم، من الإرهاب في الدول الفاشلة. وكما تعرفون “هامبي بامبي سقط عن الجدار”. وتشكل إعادة تجميع سورية مرة أخرى وتجميع شتات أوكرانيا ثانية، وما سنفعله في ليبيا، تحديات هائلة. وكل من يعتقد بأن ذلك سيتم من دون روسيا والولايات المتحدة، وبأن روسيا تقوم بجلب إيران وسورية إلى جانبها هو من دون عقل.
عندما أستمع إلى شيء مثل الذي سمعته في مناظرات الحزب الجمهوري، والتي تقول بأن علينا مهاجمة كل من الأسد و”داعش” في نفس الوقت، فإنن أهز رأسي وآمل أن يتعلم ذلك الشخص شيئاً أو أن لا يصبح رئيساً للولايات المتحدة. إن ذلك بلا معنى فحسب. ينبغي أن نكون قادرين على القيام بذلك معاً.. وسوف أدلي ببعض التعليقات القليلة الأخرى فقط على ما شاهدته.
لقد شاهدنا كلنا شيئاً مثل هذا في حياتنا؛ خطر النبوءات المرضية للذات التي تُبنى، كما قال السفير جاك ماتلوك، على روايات زائفة. ثمة خطر حقيقي في هذا النوع من النبوءات إذا لم تصحح. وقد أصبحت لدينا الكثير من النبوءات السيئة التي تتفشى في الوقت الراهن، إلى لا نستطيع معها السماح لها بأن تكون قابلة للتحقق. وإذا كنا في مكان الناس الآخرين -فإننا سنواجه أوقاتاً صعبة في محاولة ذلك كبشر، وحتى مع عائلاتنا الخاصة في بعض الأحيان. إننا نقوم بوظيفة سيئة حقيقة بوضع أنفسنا في مكان دول أخرى عندما يتعلق الأمر بروسيا والولايات المتحدة.
كما أن بوتين منخرط في عمل نفس الشيء. وقد حدث الكثير مما يمكن أن يغضبه فعلاً، تماما مثلما غضب غورباتشيف عندما صنعنا مبادرة الدفاع الاستراتيجية. وقال في إحدى النقاط: “هل تعتقدون بأننا حمقى؟”، لكن لك يمكن أن يتحول، كما تعرفون، إلى رهاب شك وجنون عظمة.
من جهة أخرى، ثمة أولئك الذين يرون أن روسيا وبوتين يعيدان تأسيس النفوذ السوفياتي من خلال الذهاب إلى البلطيق والاستيلاء على أوكرانيا. ويقول قائل: أتعرف؟ سيكون ذلك ضرباً من الجنون ولن يفعلها. وسيكون محقاً، إن ذلك سيكون جنوناً، وهو يعرف أنه سيكون جنوناً، وهو لن يفعلها. ويفشل الناس الذين يعتقدون بأن سيفعلها بعمل الشيء الذي سيفعله أي رجل أعمال يترتب عليه تقييم منافس، وهي أن قصده الاستراتيجي الحقيقي قائم على مصالحه الخاصة.
حسب رأيي، فإن القصد الاستراتيجي لبوتين، هو أن تتوافرالفيدرالية الروسية على بلد منتعش اقتصادياً، وأن تضطلع بالدور الذي يجب أن تلعبه في العالم، وأن تكو لها علاقات جيدة مع البلدان المجاورة، مثل أوكرانيا، تماماً مثلما تلك التي نصر نحن على وجودها مع المكسيك وكندا. هذا كل ما أود قوله. شكراً لكم.

*عضو في المجلس التأسيسي للجنة الأميركية للاتفاق بين الشرق والغرب، وهي منظمة غير حزبية لمواطنين أميركيين من عدة مهن -رجال أعمال وأكاديميون وخدمات حكومية وعلوم وقانون وآخرون- والذين يظهرون قلقاً عميقا من احتمال تفجر حرب باردة جديدة أكثر خطورة بين الولايات المتحدة/ وأوروبا وروسيا. وتقول القاعدة الأساسية للمجموعة إنه من غير الممكن التوصل إلى أمن أميركي وأوروبي أو دولي من دون أنواع ضرورية من التعاون المستقر مع روسيا. وبيبر أيضا هو رئيس سابق ورئيس تنفيذي لشركة “بركتر أند غامبل”.

ترجمة : عبدالرحمن الحسيني

صحيفة الغد الأردنية