ديناميات الأزمة السياسية بكردستان العراق

ديناميات الأزمة السياسية بكردستان العراق

ديناميات الأزمة الكردستانية
تُعتبر الأزمة السياسية في كردستان العراق الأزمة الأبرز التي يعيشها منذ عام 2005 حين تولَّى السيد مسعود البارزاني زمام الرئاسة لأربعة أعوام، ثم تجديد رئاسته في عام 2009 لأربعة أعوام أخرى، والنهاية القانونية لولايته في 19 أغسطس/آب عام 2015، ثم إدارته للمنصب مؤقتًا لحين التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب الكردية، علمًا بأن القوانين المعمول بها في الإقليم حاليًّا، لا تسمح بإعادة انتخابه لولاية ثالثة إلا بعد تعديل القانون.

تُحكم كردستان العراق اليوم من قبل خمسة أحزاب رئيسية في البرلمان، وبالرغم من توحد مطالبها في مواجهة الحكومة المركزية ببغداد إلا أنها لم تستطع التغلب على خلافاتها الداخلية وبالأخص مسألة توزيع المناصب والسلطات. ومن هنا ظهرت جليًّا مسألة الأزمة السياسية المتجسدة في الأزمة الرئاسية التي سنناقشها في هذه الورقة.

فمع الانقسامات الحزبية، والتململ الجماهيري من الأوضاع الاقتصادية، والفساد الإداري والمحسوبيات، وغياب المؤسسات القانونية الفاعلة، والتجاذبات الإقليمية والدولية للأحزاب، طفت المسألة الرئاسية في كردستان العراق على السطح، وفتحت آفاقًا جديدة لمستقبل السلطة السياسية فيها.

مقدمة

تولَّى السيد مسعود البارزاني رئاسة الإقليم عام 2005 باختيار برلمان الإقليم، وتم تجديد ولايته بانتخابات مباشرة عام 2009. وفي وقتٍ لاحق من شهر سبتمبر/أيلول عام 2013 تم تجديد ولايته لمدة عامين بموجب قانون صادَقَ عليه برلمان الإقليم. وفي 18 أغسطس/آب عام 2015 وقبل انتهاء المدة الرئاسية لمسعود البارزاني قرر مجلس شورى الإقليم بقاءه في السلطة إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة “تفاديًا لدخول الإقليم في فراغ قانوني، جرَّاء عدم وصول الأطراف السياسية إلى توافق بشأن قضية قانون الرئاسة” حسب ما صرَّح به المتحدث باسم مجلس الشورى القضائي نارمان طالِب (1).

ومع نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، تفاقمت هذه الأزمة الرئاسية وطفت على السطح السياسي الكردستاني، عندما تم عزل أربعة وزراء من حركة التغيير (كوران) من مناصبهم الحكومية، بسبب ما قيل آنذاك عن اتهام الحزب الديمقراطي الكردستاني للحركة بالتحريض على العنف بدفع الحشود الغاضبة للتظاهر أمام مكاتب الحزب الديمقراطي الكردستاني في عدة مدن، احتجاجًا على تمسك السيد مسعود البارزاني بالسلطة؛ حتى إنه تم منع الناطق باسم حركة التغيير (كوران) في البرلمان من دخول أربيل (2).

ديناميات الأزمة

نتجت ديناميات الأزمة الرئاسية في كردستان العراق عن تضافر مجموعة من العوامل، نذكر منها:

1- انقسامات حزبية ومناطقية

يوجد في كردستان العراق الكثير من الأحزاب السياسية؛ إذ يبلغ عدد المجازة رسميًّا حوالي 36 حزبًا، تعتمد ميزانياتها على عدد مقاعدها في البرلمان، وعدد أصواتها في الانتخابات، وتُصنَّف هذه الأحزاب إلى أحزاب صغيرة ومتوسطة وكبيرة (3). وما يهمنا هنا هو الأحزاب الكبيرة؛ حيثُ إن هناك أهم خمسة أحزاب سياسية مشاركة في البرلمان، ذات ثقل سياسي على الساحة الكردستانية والذين هم أطراف الأزمة الرئاسية القائمة الآن (الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير (كوران)، والجماعة الإسلامية، والاتحاد الإسلامي الكردستاني). فالكثير من تلك الأحزاب انشق عن أحزاب أخرى في السابق نتيجة لاختلاف الرؤى والتوجهات السياسية، فحزب الاتحاد الوطني الكردستاني انشق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1975، وحزب التغيير انشق من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2009. كما أن هناك تحالفات سياسية بين تلك الأحزاب، فمثلًا الآن هناك تحالف سياسي بين كلٍّ من الأحزاب الأربعة الأخيرة في مواجهة الحزب الأول (الحزب الديمقراطي الكردستاني) من أجل إنهاء إدارة رئاسة الإقليم من قبل السيد (مسعود البارزاني).
بالإضافة إلى ذلك كله، فهناك تقسيم مناطقي في كردستان العراق بمثابة مناطق نفوذ عائدة لأكبر حزبين حاكمين في كردستان العراق (الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني)؛ فالتقسيم قائم على أرض الواقع بين الحزبين الحاكمين: الديمقراطي الكردستاني بزعامة “السيد مسعود البارزاني” والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة “السيد جلال طالباني” منذ التسعينات من القرن الماضي وفق تفاهمات واتفاقات استراتيجية، تقضي بإدارة كل حزب لمنطقته دون تدخل أحدهما في الشؤون الإدارية والسياسية للآخر بشكلٍ مباشر، وبموجب الاتفاقية الاستراتيجية المبرمة بين الطرفين، فلا يحق للبارزاني، وهو رئيس إقليم كردستان، أن يبسط سلطته على منطقة حزب طالباني إلا بصورة شكلية وعلى نطاق ضيق وظلت رئاسته محصورة في منطقته فقط (يرأس ولا يحكم)، فالتقسيم كان وما زال قائمًا (4)؛ إذ يحكم الاتحاد الوطني الكردستاني جنوب كردستان تقريبًا، حول منطقة السليمانية، في حين يحكم الحزب الديمقراطي الكردستاني الشمال، في جميع أنحاء أربيل ودهوك.

2- تململ شعبي من الأوضاع الاقتصادية

تعاني كردستان العراق من مشكلات اقتصادية كبيرة منذ بدايات عام 2014 حيثُ تزامن كل من التهديد الأمني لتنظيم الدولة الإسلامية، ورفض الحكومة المركزية دفع عائدات النفط لإقليم كردستان، وأزمة اللاجئين السوريين وأزمة النازحين العراقيين مع بعضها البعض مما خلق سخطًا جماهيريًّا وسط المواطنين في كردستان العراق أخذ هيئة الاحتجاجات من أجل دفع الرواتب والحد من الفساد وإجراء الإصلاحات. فقد رفضت الحكومة المركزية في بغداد دفع 17% من عائدات النفط لإقليم كردستان التي تحق لها بموجب الدستور. وقد حاولت كردستان بيع النفط بشكلٍ مستقلٍّ عن بغداد، ونجحت في ذلك بشكلٍ جزئي، ولكن عندما بدأ سعر النفط يتراجع إلى أقل من 45 دولارًا للبرميل الواحد، كما هي الحال في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، لم يبقَ ما يُذكر لإنقاذ الاقتصاد.
فبينما كان سعر برميل النفط لا يزال 100 دولار وبغداد مستمرة في دفع حصة الإقليم، بلغ العجز في موازنة الإقليم 1.5 بليون دولار، وكنتيجة مباشرة لوقف التمويل من بغداد سجَّلت موازنة الإقليم لعام 2014 عجزًا مقداره 6.5 بلايين دولار (5).

كما أن كردستان العراق تواجه مشكلة حوالي 250.000 لاجئ سوري وحوالي مليون ونصف مليون شخص من النازحين داخليًّا، معظمهم من مدينة الموصل ومحافظة الأنبار التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، فيضع تدفق الأشخاص من خارج المنطقة المزيد من الضغوط على ميزانية إقليم كردستان (6).

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة المركزية ببغداد تعتزم اقتراض 5 مليارات دولار أميركي من البنك الدولي هذا العام، وأن وفد إقليم كردستان برئاسة رئيس حكومة الإقليم، السيد نيجيرفان البارزاني، زار بغداد وقد طالب تخصيص 17% من مبلغ القرض إلى إقليم كردستان، وتنفيذ مشاريع البنى التحتية الاقتصادية، هذا إلى جانب الملف الأمني، وموضوع النازحين (7). إلى جانب ذلك فقد أقرَّت حكومة إقليم كردستان 7 إجراءات جديدة لمعالجة أزمتها المالية (8).

3- مؤسسات قانونية غائبة

لا يوجد لحدِّ الآن في كردستان العراق مؤسسات قانونية قوية، مستقلة عن سلطة الأحزاب السياسية، لحماية الشرعية بالإقليم، فكردستان العراق يُدار من قِبل الأحزاب، لهذا فإن الصراعات الحزبية تؤثِّر على الوضع، مع أن هذه الأحزاب دخلت في حكومة مؤتلفة، ولكن كانت هناك خلافات فيما بينها ولم تنجح في إدارة الإقليم.
إذ إن إصدار البارزاني قرارًا بإقالة رئيس برلمان الإقليم، يوسف محمد، المنتمي لتيار التغيير ومنعه من دخول أربيل عاصمة الإقليم وطرد وزراء حركة التغيير من الحكومة، وإلغاء الاتفاقات السياسية مع الحركة من جانب واحد يُعتبر خرقًا قانونيًّا. فبحسب النظام الداخلي للبرلمان، فإن إقالة أو تغيير رئيس البرلمان وطرد وزراء من الحكومة المحلية يجب أن يتم عبر آليات قانونية، منها تصويت البرلمان على إقالة رئيسه بالإضافة إلى استقالة الحكومة وبعدها يختار البرلمان رئيسًا جديدًا، كما تُكلَّف الكتلة الكبرى باختيار مرشح لتشكيل حكومة جديدة، إلا أن أيًّا من هذه الخطوات لم يتم اتخاذها من قِبل البارزاني. وهذا يوضح جليًّا مدى غياب المؤسسات القانونية الفاعلة على الساحة الكردستانية (9).

يعد برلمان كردستان الهيئة التشريعية المنتخبة ديمقراطيًّا في إقليم كردستان. ويتكون البرلمان من غرفة منتخبة واحدة، ووظائفه الرئيسية الثلاث، هي: (النظر في المقترحات الخاصة بالقوانين الجديدة، والتدقيق في سياسات الحكومة وإدارتها، والتداول في القضايا اليومية الرئيسية) (10).

4- الخلاف حول النظام السياسي

يتمحور جوهر الخلاف السياسي في كردستان العراق حول شكل أو صيغة الحكم الرئاسي الذي يجب أن يتضمنه قانون انتخاب الرئيس، والذي ينطوي على وجهتي نظر أساسيتين، هما:
 

• أطراف مطالِبة بصيغة النظام السياسي الرئاسي:

تتمثل هذه الأطراف بكلٍّ من (الحزب الديمقراطي الكردستاني، ونصف عدد البرلمانيين في الاتحاد الإسلامي الكردستاني) (11). وتطالب هذه الأطراف بأن يبقى النظام السياسي رئاسيًّا يتم من خلاله انتخاب الرئيس من قِبل الشعب مباشرة دون البرلمان. وكما يظهر فإن السيد مسعود البارزاني يحظى بأكبر قاعدة شعبية في كردستان ويمثِّل الزعيم الرُّوحي للأمة الكردية خلفًا لوالده (الملا مصطفى البارزاني) فقد حصل في انتخابات 2009 على نسبة 70% من أصوات الناخبين، بالتالي فبقاء النظام السياسي في كردستان رئاسيًّا مع تعديل القانون بشكل يسمح بترشح مسعود البارزاني لولاية ثالثة سيدفع به للفوز المؤكد.
ومن ناحية أخرى، فإن (الحزب الديمقراطي الكردستاني، ونصف عدد البرلمانيين في الاتحاد الإسلامي الكردستاني) يرفضان النظام البرلماني لأن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يمتلك الأغلبية البرلمانية التي تمنحه القدرة على التمديد؛ وهذا يجعله بحاجة الى تأييد الكتل الأخرى التي بدورها لا تقبل النظام الرئاسي وتطالب بالنظام البرلماني.

• أطراف مطالِبة بصيغة النظام السياسي البرلماني:

تتمثل هذه الأطراف بكلٍّ من (حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير (كوران)، والجماعة الإسلامية، ونصف عدد البرلمانيين في الاتحاد الإسلامي الكردستاني) الذين يطالبون بإنهاء إدارة رئاسة الإقليم من قِبل السيد (مسعود البارزاني)، وتحويل نظام الحكم من رئاسي إلى برلماني لكي يتم انتخاب رئيس الإقليم من داخل قبة البرلمان مع منحه صلاحيات شرفية أو بروتوكولية كتلك التي يتمتع بها الرئيس في النظام البرلماني. وأن يكون الرئيس مسؤولًا أمام البرلمان، وأن تتم مساءلته، كما هي الحال بالنسبة إلى رئيس جمهورية العراق الآن. ويتمسكون بهذا الرأي انطلاقًا من مبدأ أن يكون النظام السياسي رادعًا لبروز السلطة الاستبدادية (12).
أي إنهم يسعون إلى تغيير النظام السياسي في الإقليم وتعديل قانون الرئاسة وسحب سلطات الرئيس وإقصاء البارزاني من الرئاسة وسحب حق الترشح منه في أي انتخابات مقبلة، كونه أمضى دورتين ونصفًا في الرئاسة (13). فأي انتخاب لمسعود البارزاني سيعني لهم الحرمان من صناعة أو التأثير على القرار السياسي والاقتصادي والعسكري.

5- تجاذبات مصالح إقليمية ودولية

الخارطة السياسية لكردستان العراق مثلها مثل خارطة الكثير من الدول في بيئة الشرق الأوسط لها أبعادها الإقليمية والدولية، فعند تناول الخلافات بين أربيل والسليمانية والتي تتعلق بانفصال السليمانية عن إقليم كردستان سرعان ما تتجه الأنظار إلى إيران من خلال دعمها لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني وحزب حركة التغيير بزعامة نوشيراون مصطفى في مواجهة البارزاني وحزبه، فإيران تجمعها علاقات تاريخية بمنطقة السليمانية لأسباب جغرافية وتاريخية وثقافية. وذلك خلافًا لأربيل التي لها علاقات قوية مع تركيا. وعلى المستوى السياسي ثمة أسباب سياسية كثيرة تجعل علاقة إيران بالسليمانية أفضل من علاقتها بأربيل، ولعل من أبرز هذه الأسباب توجه البارزاني لإقامة شراكة سياسية واقتصادية وأمنية مع تركيا الدولة الإقليمية المنافسة لإيران، ولاسيما بعد إقامة خط أنابيب لتصدير النفط من إقليم كردستان عبر تركيا بشكل مباشر ومن دون موافقة بغداد، وعلاقات البارازاني الوثيقة مع الدول الغربية ودول الخليج العربي وسماحه بفتح ثلاث قواعد عسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا (14).
ومن اللافت للنظر أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يُبدي سياسة متشددة تجاه الحكومة المركزية في بغداد وخاصة بعد استعادة كركوك والسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي كانت في قبضة تنظيم الدولة، في حين أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني يُبدي سياسة مرنة تجاه الحكومة المركزية، وبالتالي فإن تعارض الموقفين يُظهر مدى هشاشة الوضع السياسي في كردستان العراق.

سيناريوهات مستقبلية

مما لا شك فيه أن الأزمة السياسية التي عصفت بكردستان العراق تضعنا أمام ثلاثة سيناريوهات مستقبلية، وهي:

• سيناريو الحل الديمقراطي

وهي رؤية تتوافق مع الحل الأول الذي طرحه السيد مسعود البارزاني في مبادرته (أن تتفق الأحزاب فيما بينها لاختيار أي مرشح كرئيس للإقليم مع استعداده الكامل لتقديم كل التأييد والمعونة لمن يتم اختياره). فالرئيس البارزاني قد صرَّح قبل الآن “أنا مستعد لأُسلِّم منصب رئاسة الإقليم لمن لديه الاستعداد لذلك، وأنا سأخرج وسألتحق بقوات البشمركة لمحاربة تنظيم داعش، وَلْيَتَوَلَّ شخص آخر رئاسة الإقليم” (15).
يشير هذا المشهد إلى قبول الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه السيد البارزاني بقواعد اللعبة الديمقراطية والعمل بالنظام البرلماني المزمع إقراره في الدستور والاحتكام لقواعده؛ مما يعني بشكل أو بآخر كسر احتكار البارزاني بل وحزبه –ربما- لمنصب رئاسة الإقليم، كون الأحزاب المعارِضة مجتمعة ترفض التجديد له وتعتبره مخالفة دستورية (16).

وعلى الصعيد الشخصي، يمكن أن يُنظر لهذه الخطوة محليًّا ودوليًّا بعين التقدير وتُكسب الرئيس البارزاني مزيدًا من الاحترام.

وتجدر الإشارة إلى أنه من أحد مقررات البيان الختامي لاجتماع الأحزاب السياسية في إقليم كردستان، في 26 يناير/كانون الثاني 2016، ما يلي: “تفعيل العمل البرلماني بأسرع وقت وأخذ العبرة من التجارب التي مرَّ بها الإقليم وتوفير الأرضية الملائمة للمصالحة بين الأطراف السياسية؛ حيث قرر الحاضرون تشكيل لجنة خاصة تتولى هذه المسألة بتوفير هذه الأرضية لإعادة تفعيل البرلمان والحكومة وحلِّ مشكلة رئاسة إقليم كردستان وإنجاح عملية الاستفتاء” (17).

• سيناريو التمديد حتى عام 2017

وهي رؤية تتوافق مع الحل الثالث الذي طرحه السيد مسعود البارزاني في مبادرته (أو إبقاء الحال على ما هي عليه لحين إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة عام 2017( (18).
فإذا لم يحصل توافق في التعديل المرتقب لمشروع الدستور ولم يتم تعديل القانون رقم 1 لسنة 2005 الذي يحدِّد ولاية رئيس الإقليم بدورتين، فإن العودة إلى سيناريو التمديد مثلما حدث في عام 2013 يصبح مطروحًا لكن خيار التمديد لا يشكِّل خيارًا ديمقراطيًّا وهو يعبث بقيم تداول السلطة ويزدري مفهوم الشرعية بمعناها العام، ويمكن أن يترك آثارًا سيئة جدًّا على الديمقراطية القائمة في الإقليم ويلطِّخ سمعة النظام السياسي (19).

وبالنسبة لسيناريو انقسام الإقليم إلى إدارتين والعودة للعمل بنظام الإدارتين، كما كان منذ تسعينات القرن الماضي حتى عام 2005، فهو سيناريو مستبعَد إذ إنه ليس واردًا أن يخطو كردستان العراق خطوة إلى الوراء إلى سابق عهده، فالإقليم الآن يتجه نحو الاستفتاء على الانفصال عن العراق خاصة بعد تسلُّح البشمركة بشكل مناسب وبعد سيطرتهم على الكثير من المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية كانت في قبضة تنظيم الدولة، وبعد نجاحهم في تصدير وبيع النفط بشكلٍ مستقل. ومن ناحية أخرى فالولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية لن تسمح بإفشال التجربة الكردية في المنطقة بعد أن ساعدت في نجاحها؛ إذ يُلاحَظ في هذا الصدد توافق أميركي-إيراني بهذا الخصوص؛ فقاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، في زيارته للإقليم مؤخرًا، أكَّد من جانبه على ضرورة التوافق حول منصب الرئيس، وتجديد ولاية البارزاني مع ضرورة تحديد الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها، وإنَّ من أولويات الأمور اليوم عدم إفساح المجال أمام الانقسام الكردي ليعرقل العمليات العسكرية ضد داعش (20).

تحدي التوافق

الأزمة السياسية في كردستان العراق اليوم هي رهن الثقة بين الأطراف السياسية التي لا تزال تعاني من صراعات داخلية، ورهن تضامن أهالي الإقليم، ورهن تفعيل برلمان كردستان. كما أنه لا حَلَّ لهذه المشكلة أمام الأحزاب السياسية سوى الحوار، وعليهم ألا ينتظروا الجهات الخارجية لتجد لهم حلولًا للوضع، أي إن كل الأطراف في كردستان العراق مجبر على التعاون للخروج من الأزمة ولن تنجح إلا إذا كثَّفت اللقاءات ودعمت الحوار الداخلي وغلَّبت مصلحة الإقليم للحفاظ على المكتسبات الديمقراطية، وَحَمَت الاستقرار والأمن في كردستان العراق.

يحتاج كردستان العراق اليوم رئيسًا (سواء أكان السيد مسعود البارزاني أو غيره) له سلطات قوية وخبرة واسعة في إدارة الإقليم، خاصة في ظل المشكلات والتحديات التي تواجهها، وفي ظل الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وصراعها المالي والسياسي مع الحكومة المركزية في بغداد.
___________________________
* خورشيد عليكا، باحث متخصص في الشؤون الاقتصادية والكردية، حاصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد بسوريا، وعضو جمعية الاقتصاديين الكُرد-سوريا، مقيم في ألمانيا، له العديد من الأبحاث والمقالات الأكاديمية.

مراجع

1 “تمديد رئاسة البارزاني لكردستان العراق”، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016):
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/8/17/%D8%AA%D9%85%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%B2%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A8%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84-%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%87
2 “أزمة رئاسية مُقبلة في كردستان العراق”، موقع Fanack، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016):
https://chronicle.fanack.com/ar/specials/kurds/presidency-crisis-foretold-kurdistan-region-iraq/
3 عبد الله، دلشاد، كردستان العراق بين ناري الانتخابات والتجاذبات مع بغداد، جريدة الشرق الأوسط، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016):
http://aawsat.com/home/article/438161/%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%86%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B0%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF
4 “واني، محمود، “تقسيم إقليم كردستان خيانة أم حل؟”، موقع إيلاف، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016):
http://elaph.com/Web/opinion/2015/9/1037394.html
5 قرداغي، كامران، “ليس كل شيء على ما يرام في إقليم كردستان”، صحيفة الحياة، العدد 6309، الإنصات المركزي، المرصد اليومي لقضايا كردستان والعراق والمنطقة والعالم.
6 “أزمة رئاسية مُقبلة في كردستان العراق”، موقع Fanack، مرجع سبق ذكرُه.
7 “الكشف عن أجندة النقاش بين أربيل وبغداد”، روداو نت، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016):
http://rudaw.net/mobile/arabic/kurdistan/310120162
8 يمكن الاطلاع على الإجراءات من المصدر: الحيدري، زياد، “حكومة إقليم كردستان تقر 7 إجراءات جديدة لمعالجة الأزمة المالية”، روداو نت، (تاريخ الدخول 4 فبراير/شباط 2016):
http://rudaw.net/arabic/kurdistan/0302201611
9 زيباري، عبد الحميد، “أزمة رئاسة كردستان العراق تتفاقم ولا تسوية بالأفق”، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016):
http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/10/26/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%B2%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%AA%D8%B9%D9%85%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82
10 دائرة العلاقات الخارجية-حكومة إقليم كردستان، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016):
http://dfr.gov.krd/p/p.aspx?p=97&l=14&s=020200&r=414
11 تجدر الإشارة إلى أن نصف عدد البرلمانيين من حزب “الاتحاد الإسلامي يضعون قدمًا مع الجبهة الأولى والآخرين مع الجبهة الثانية؛ ذلك عندما أبدى خمسة من نوابه العشرة في البرلمان تأييدهم للفريق الأول وذهب النصف الآخر مع الفريق المنافس. نقلًا عن: “أزمة رئاسة إقليم كردستان العراق… نحو انتخابات برلمانية مبكرة”، العربي الجديد، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016):
http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/9/2/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%A8%D9%83%D8%B1%D8%A9
12 الراشد، سعد، “الأزمة السياسية في إقليم كردستان العراق: تصدٍّ لـ «الديكتاتورية».. أم بداية تفكك؟”، السفير، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016): http://assafir.com/Article/450176/MostRead
13 “أزمة رئاسة إقليم كردستان العراق… نحو انتخابات برلمانية مبكرة”، العربي الجديد، مرجع سبق ذكرُه.
14 خولي، معمر فيصل، “إقليم كردستان العراق: إلى أين؟”، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016): http://rawabetcenter.com/archives/15068
15 “البارزاني: سأخرج وألتحق بقوات البشمركة وَلْيَتَوَلَّ شخص آخر رئاسة الإقليم”، روداو نت، (تاريخ الدخول 4 فبراير/شباط 2016): http://rudaw.net/arabic/kurdistan/2701201612
16 الشلاه، أحمد الغلب، “أزمة الرئاسة في إقليم كردستان العراق (قراءة في المشاهد المحتملة)”، مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016): http://mcsr.net/news75
17 أحمد، هيفيدار، “البيان الختامي لاجتماع الأحزاب السياسية في إقليم كردستان”، روداو نت، (تاريخ الدخول 4 فبراير/شباط 2016): http://rudaw.net/arabic/kurdistan/260120166
http://rudaw.net/arabic/kurdistan/260120166
18 تم ذكر الرؤية الأولى والثالثة التي طرحها السيد مسعود البارزاني في مبادرته لحل الأزمة الرئاسية، وفيما يتعلق برؤيته الثانية فهي اللجوء للانتخابات المبكرة وانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة وفق ما هو متبع دستوريًّا وقانونيًّا لحدِّ الآن.
19 “تقرير “خلية الأزمة” حول موضوع انتهاء مدة تمديد ولاية رئيس الإقليم”، خندان، (تاريخ الدخول 1 فبراير/شباط 2016):
http://www.xendan.org/arabic/drejaa.aspx?Jmara=10005
20 خولي، معمر فيصل، “إقليم كردستان العراق إلى أين؟”، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، مرجع سبق ذكرُه.
خورشيد عليكا
مركز الجزيرة