من يقف وراء حرائق الأسواق التاريخية في كردستان

من يقف وراء حرائق الأسواق التاريخية في كردستان

أربيل (إقليم كردستان العراق) – لا تزال أسباب سلسلة الحرائق التي دمرت المئات من المتاجر في أسواق إقليم كردستان العراق التاريخية غامضة. لكن تأثير هذه الكارثة على الناس العاديين كان عميقا وواضحا جدا بالتزامن مع التساؤل عمن يقف وراءها، فيما اكتفت حكومة الإقليم بالتعهد بإجراء تحقيقات دقيقة، دون الإعلان عن أي نتيجة.

واندلعت ستة حرائق في الأسواق التقليدية في إقليم كردستان العراق منذ أواخر فبراير الماضي. وهذه الأسواق ذات رمزية تاريخية وثقافية كبيرة.

واندلع الحريق الأول في 27 فبراير 2024، وكان في سوق الملابس المستعملة “اللنكة” بمدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان. وتقع هذه النقطة الحيوية جنوب شرق المدينة، وتشتهر بمتاجرها المزدحمة بالزبائن، وجلهم من الطبقات الوسطى والعاملة في العاصمة. وسبق أن دمرها حريق كبير سنة 2018. وأعادت الحكومة المحلية بناءها وزودتها بمرشات مائية وعملت على تحسين الآليات التي تهدف إلى إخماد الحرائق. لكن حريق فبراير انتشر، ودمر 185 متجرا من أصل 2400.

100 متجر حرقوا بالكامل ونُقل على الأقل ستة أشخاص مصابين إلى المستشفى

واشتعلت النيران في الأول من أبريل في سوق جلي بمدينة دهوك. واحترق أكثر من 100 متجر ونُقل على الأقل ستة أشخاص مصابين إلى المستشفى. وبعد أسبوع -في 8 أبريل- انتشرت أنباء تعرض سوق اللنكة مرة أخرى لحريق دمّر أكثر من 150 متجرا. وقال محافظ أربيل أوميد خوشناو في بيان إن المسؤولين يعتقدون أن الحريق الثاني متعمد. وألقي القبض على ثلاثة أشخاص. وقبيْل موفّى الشهر ذاته -في 27 أبريل- اشتعلت النيران في سوق نشتيمان الأصغر في أربيل.

وفي الخامس من مايو الجاري تعرض سوق قيصري بأربيل لحريق كبير دمر 227 متجرا وسبعة مستودعات، وأصيب خلاله 132 شخصا. ويقع السوق أسفل قلعة أربيل مباشرة، وهو من المناطق السياحية الرئيسية في المدينة. وأثّر الحريق أولا على بائعي الملابس، وأضر بالعديد من متاجر المجوهرات.

كما اندلع في التاسع عشر من مايو حريق في أحد الخانات الأثرية في سوق كركوك الكبير ملتهما أكثر من 100 متجر. ولم يُنشر أي تقرير يفصّل الأسباب لكن أصحاب المتاجر أخبروا وسائل الإعلام الكردية بأن الحرائق اندلعت في عدة أماكن في الوقت نفسه، وهو ما يؤجج شكوكهم. ويبقى كل حريق فردي مدمِّرا بطبعه، لكن انتظام الحرائق ونشوبها في العديد من المدن المختلفة يثيران المزيد من القلق، خاصة مع الغموض المحيط بأسبابها.

وخلّفت حرائق الأسواق مجتمعة أضرارا تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات لأصحاب المتاجر الذين تأثروا بشكل مباشر. كما غيّرت الطرق التي كانت تؤدي إلى المتاجر الأخرى مقوّضة أرباحها أيضا. وأكد أصحاب المتاجر لوسائل الإعلام أنهم خسروا بصورة فردية ما يتراوح بين عشرات ومئات الآلاف من الدولارات. وتختلف الحقيقة عن الصورة النمطية التي تدفع الكثيرين إلى الظن بأن الذين يعملون في الأسواق التقليدية هم تجار خردة لا يجنون الكثير من الأرباح.

ولاقت الحرائق تغطية إعلامية محلية مكثفة. وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي مظاهر الحزن والغضب. وقال وينثروب رودجرز، الصحافي المقيم في السليمانية، إن إقليم كردستان يحيا على الاقتصاد النقدي ويعتمد جزء كبير من المواطنين الذين لا يعملون في القطاع العام على الأجور اليومية. وأضاف رودجرز، في تقرير لموقع عرب دايجست، أن حكومة الإقليم تكافح لدفع رواتب الموظفين العموميين منذ 2014 بسبب خلافات الميزانية مع الحكومة الفيدرالية العراقية في بغداد.

ودفعت الحكومة 67 في المئة فقط من الرواتب الشهرية بالكامل منذ أن عُيّن مسرور بارزاني رئيسًا لمجلس الوزراء في حكومة إقليم كردستان في يوليو 2019. وتتأخر الكثير من هذه المدفوعات لأشهر، حتى أن الحكومة تخلفت عن دفع الرواتب لمدة ثلاثة أشهر خلال 2023.

ويبقى القطاع العام موفّر الوظائف الأكثر أهمية. ويعني تخلفه عن دفع الرواتب تقلّص الأموال التي يكون المستهلكون على استعداد لإنفاقها أو قادرين عليه. وتضررت الأسواق من هذه الديناميكية بشدة. ويصعب على التاجر كسب رزقه حين تكون جيوب زبائنه فارغة. وتبدو الأسواق للناظرين مكتظة بالزبائن في دلالة على مكانتها الاجتماعية باعتبارها من مراكز التجمع. لكن المتسوقين المتدافعين لا يشترون الكثير. ويحبط هذا أصحاب المتاجر، ويزداد تردي أوضاعهم طرْديّا مع تزايد البؤس والقلق الناتجين عن الحرائق.

ولا شك في أن مراكز التسوق التي تنتشر فيها المتاجر الفاخرة الجديدة في إقليم كردستان تتضرر أيضا بسبب الانكماش الاقتصادي المتواصل الذي تشمل أسبابه التعليق المستمر لصادرات النفط. وهذه الأماكن بطبعها لا تتبوأ المكانة نفسها التي تحظى بها الأسواق التاريخية في المخيلة الشعبية.

العرب