خيانة واستخفاف بالوعي العربي وقدرته على استيعاب الأحداث وتقييمها، حاول إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي تمريرها على الحضور في كلمة ألقاها أثناء اجتماع جامعة الدول العربية.
دافع إبراهيم الجعفري، في كلمته، عن الحشد الشعبي وحزب الله واصفا منْ يتهمهم بالإرهاب بالإرهابيين. هل فات السيد الجعفري بأن من دواعي المنطق والاستدلال السليم أن يقف، وهو رجل الثورة الخمينية والعضو في حزب الدعوة، موقف المدافع عن كيانات مسلحة انبثقت، بإرادة إيرانية، من حاجة الدول العربية للتصدي لأعدائها؟ لم تجد الجمهورية الإسلامية الإيرانية مجالا أفضل من المقاومة اللبنانية، تزج فيه رجالها المؤمنين بمشروعها الطائفي كي تمنحهم الشرعية وتفرض وجودهم المسلح على الواقع. ليس هناك وجه أجمل من وجه مقاومة الكيان الصهيوني، يمكن أن يظهر به حزب الله في لبنان ويتمكن من خلاله استقطاب العقل السياسي المراهق، السائد، عند الشعوب العربية، لكن ماذا عن الوجه الآخر؟ الوجه العامل على خدمة المشروع الإيراني في المنطقة؟ كيف يمكن وضع حد لتغلغله في مفاصل الدولة ومحاولات قيادتها باتجاه إيران لتكون طرفا أساسيا في حماية لبنان من الاعتداءات الخارجية وحل أزماته الداخلية؟ هل حزب الله كيان لبناني وطني، أم شيعي خميني؟
لأن السيد الجعفري اتخذ من المعايير الأخلاقية لا السياسية وسيلة لدفاعه عن حزب الله والحشد الشعبي قائلا “الحشد الشعبي وحزب الله حفظا كرامة العرب”، لا بأس من أن تكون ذات المعايير وسيلة لإدانة الكيانات المسلحة التي تتخذ منها إيران معبرا لمشروعها في الوطن العربي، رغم أن السياسة ليست حيزا للقيم الأخلاقية أو النوايا الحسنة.
يقول الفيلسوف إمانويل كانط في كتابه نقد العقل العملي “يمكن الحكم على الأخلاق بطريقتين، أن يصدر الحكم على تصرف أو إنجاز ما بأنه حسن، لأن نتائجه أتت حسنة، أو أنه سوف يكون تصرفا حسنا لأنه كما يبدو ينبع من مبررات حسنة”. لنفترض بأن دعم إيران لحزب الله قائم على الالتزام الأخلاقي الذي فرضته هويتها الإسلامية في الدفاع عن لبنان، وهو فعل إنجازاته ومبرراته حسنة، هل تدخل الحزب في قمع ثورة الشعب السوري ضد بشار الأسد، وريث الدكتاتورية غير الشرعي، فعل إنجازاته حسنة أو مبرراته حسنة؟ هل مساهمة حزب الله في قتل نصف مليون مواطن سوري وجعل المدن تلالا من الركام أفعال حسنة أو مبرراتها حسنة؟ أما قيادة الحزب وتدريبه للكوادر الخمينية المسلحة في دول الخليج فهذه أفعال لا تخضع للتقييم الأخلاقي لأنها عنف وإرهاب الغرض منه قلب نظام الحكم لصالح مشروع ولاية الفقيه.
نأتي إلى الحشد الشعبي في العراق، وهو استنساخ لفكرة انبثاق حزب الله من بين فصائل المقاومة اللبنانية. بعد أن مارست أميركا ضغوطا كبيرة على الائتلاف الشيعي بزعامة نوري المالكي من أجل تشكيل حكومة تحقق التوازن بين مكونات الشعب العراقي، وجدت إيران في التدخل الأميركي محاولات لسحب العراق من قبضتها المتمثّلة بالمالكي والائتلاف الشيعي، خاصة بعد أن منحت أميركا وزارة الدفاع للمكون السني. بعدها جاءت أحداث احتلال تنظيم داعش الإرهابي للموصل والأنبار ليكون قتاله الوجه الجميل والأخلاقي للميليشيات التابعة لولاية الفقيه، ذريعة تمكنت من خلالها إيران من إقحام الميليشيات في المؤسسات الأمنية للدولة، ومنحها الشرعية في الحفاظ على نفوذها المسلح في السلطة.
مثلما ليس مستغربا رفض إبراهيم الجعفري تصنيف حزب الله والحشد الشعبي بالإرهاب، ليس مستغربا بأن تكون قيادات الحشد الشعبي من الرجال المعروفين بولائهم المطلق لولاية الفقيه، ابتداء من القائد الأعلى للحشد، العضو في حزب الدعوة، السيد حيدر العبادي وانتهاء بهادي العامري وأبومهدي المهندس وقيس الخزعلي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر وغيرهم الكثير.
إذا تمكنت الأزمة السورية من فضح وجه الخدمة والعمالة لصالح المشروع الإيراني الطائفي عند حزب الله، فإن ما يقوم به الحشد الشعبي من انتهاكات في المدن المحررة من داعش، والتهديد الإعلامي المتواصل ضد المملكة العربية السعودية، وإصراره على المشاركة في تحرير الموصل والأنبار لتأمين الطرق عسكريا إلى سوريا والسعودية، هي أفعال مبرراتها غير حسنة وبالتأكيد ستكون نتائجها غير حسنة، لأنها تنذر بحرب يتفوق فيها العنف وسفك الدماء على ما حصدته الشعوب العربية بسبب الصراع الإسلامي الطائفي في سوريا.
في النهاية، مثلما يعرف النحل طريقه إلى الزهر، والذباب طريقه إلى القمامة، الشعب يعرف طريقه إلى الوطن والخائن يعرف طريقه إلى العدم، الكل في أفلاكهم يسبحون.
كافي علي
نقلا عن العرب