“المشكلة الكردية” قد تكون مشكلة الجمهورية التركية منذ تأسيسها، وهذه هي الفاتورة التي دفعها المجتمع بسبب العلمنة التركية. كثيرا ما يفكر الإنسان بالمشكلة الكردية وتشغل باله. ومن كثرة التشعبات التي دخلت بها هذه المشكلة أصبحنا لا نعرف ما هو مصدرها ولا الأبعاد التي تضع الحدود للسيطرة على مفاصل هذه المشكلة.
في هذا الموضوع نتجاوز أحد قوانين الحياة الرئيسية: لا نستطيع حل أي مشكلة بشكل جذري ونهائي من غير أن نفهم أصلها وأسبابها وما هي الأبعاد التي اتخذتها حتى وصلت إلى هذا الحد.
حاولنا أن نفعل هذا على مدار 30 سنة لكننا ما زلنا نرتكب نفس الخطأ: نظن أنه بالإمكان أن نحل هذه المشكلة من خلال إعطاء الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية في مجتمع علماني، وهذا هو عين الخطأ الذي ما زلنا نرتكبه.
الدولة الكردية: إسرائيل الثانية
علينا أن نعي هذا جيدا: إن الحقوق التي ستعطى للإخوة الأكراد من مبدأ علماني سيكون لها تأثير سلبي على تركيا أولا ثم على الأكراد أنفسهم ثانيا.
ستكون هذه الحقوق المختلفة والمنطلقة من مبدأ علماني بداية الطريق نحو دولة كردية مستقلة. وبطبيعة الحال لا نستطيع منع أي شعب من الحصول على حريته واستقلاله. هذا واضح جدا.
لكن السؤال الفعلي هو: ماذا سيترتب على هذا الأمر في حال حصل الأكراد على دولة مستقلة؟
سيكون الوضع مأساويا.. ستستطيع الإمبريالية التحكم بجميع مفاصل هذه الدولة الفيدرالية ولا شك أن الدول الغربية ستعمل على تحويل هذا الكيان إلى دولة مشابهة لإسرائيل وهذا هو مشروعهم الحقيقي.
وبالتالي سيكون سببا إضافيا لبقاء الإمبرياليين الغربيين في هذه المنطقة والتوسّع في أعمالهم وسيطرتهم.
عقبة أمام الوحدة الإسلامية
المشكلة ها هنا أيضا: كل خطوة تبذل في هذا الصدد هي تمكين إضافي للإمبريالية الغربية وتقسيم للمنطقة وعقبة جديدة أمام مشروع الوحدة الإسلامية الذي تنادي به شعوب المنطقة. ليس هذا في منطقتنا وحسب بل في جميع مناطق العالم الإسلامي، ولا توجد مشكلة أكبر من هذه المخططات على مستوى العالم الإسلامي أجمع.
ولا يخفى على أحد أن مشروع الإمبريالية الغربي في منطقتنا هو الوقوف بشكل صارم أمام أي محاولة إسلامية نحو الوحدة السياسة والاقتصادية والثقافية والاستراتيجية.
الدولة الكردية العلمانية هي تماما كالدولة التركية العلمانية تخدم المشروع الإمبريالي وتعزّز سيطرته.
إفلاس العلمانية
علينا أيضا أن نسأل الآتي: من أين بدأت المشكلة الكردية ولماذا يبدو الأمر خارج السيطرة؟
هذا هو السؤال الحقيقي الذي يجب أن تطرحه دائما، لكن لا يوجد من يتجرأ على ذلك.
المشكلة الكردية وباختصار هي نتيجة طبيعة عندما تركت الأمة هويتها المرتكزة على أصل حضاري وانقسمت إلى إثنيات وعرقيات بعد تفكّك الدولة العثمانية من غير هوية تجمعها أو توحّد وتحل مشاكلها. وصلنا إلى طريق مسدود. هذا كل ما في الأمر.
هذا ما يحصل عندما ندير ظهورنا لحضارة عريقة استطاعت أن تجمع تحت مظلتها أديانا وأعراقا وثقافات مختلفة في إطار سليم وآمن، لنقسّم أنفسنا وفقا لأعراقنا بالرغم من أننا نشترك جميعا بهويتنا الإسلامية.
لم نتوان في التوجّه نحو المشاريع العلمانية في تأسيس دول لم تأخذ بعين الاعتبار هويتها الإسلامية وثقافتها العريقة.
والأسوأ من ذلك أننا أتقنا هذا العمل بشكل جيد. زرعنا الفكر العلماني التقسيمي القائم على القوميات والأقليات وفقا للإرادة الغربية وها نحن نحصد ما زرعناه من تقسيمات وخلافات ومشاكل لا حلول لها.
نحصد ما زرعنا
نحن اليوم نحصد ما زرعناه بالأمس. يقوم حزب الشعوب الديمقراطي بإعطاء القضية الكردية منحى علمانيا واضحا. يقومون بتجريد الأكراد من هويتهم الإسلامية تماما كما فعل الكماليون (الأتاتوركيون) منذ مئة عام مع الأتراك.
والذنب ذنبهم في النهاية، يحاولون أن يجرّدوا دولة 99% من شعبها من المسلمين من هويتهم الإسلامية ويلبسوهم لباس العلمانية واللائكية وكأنها دينهم الجديد ومع الأسف نجحوا إلى حد ما في هذا الأمر.
ما هي النتيجة؟ إفلاس العلمانية التركية
في حال لم نر هذه الحقيقة فإن طريقنا الوحيد معروف وواضح. سوف نمضي في التقسيم على أساس علماني وفقا للقوميات والعرقيات وإلى مزيد من الخلافات حتى نصل إلى مزبلة التاريخ.
أحاول أن أشرح هذا الأمر للمسؤولين والمتنفذين والطبقة المثقفة والنخب على أمل أن نعي تماما حجم المشكلة التي وقعنا بها وأتمنى أن ينفعنا هذا النصح.
يوسف قابلان
تركيا بوست