فيدرالية أكراد سوريا توقظ مشاريع أخرى في المنطقة

فيدرالية أكراد سوريا توقظ مشاريع أخرى في المنطقة

_145839334211

قبل أيام أعلنت مجموعة كردية سورية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، تهيمن بقوة السلاح على مناطق الشمال السوري بدعم من إيران ونظام الأسد، قيام النظام الفيدرالي في تلك المناطق لأول مرة ومن جانب واحد.

وكان حزب الاتحاد الكردي وما تسمى بقوات الحماية الشعبية التابعة له، قد بسط سلطته عبر اتفاق أمني واسع مع أجهزة الأمن السورية التي ما تزال تعمل بشكل علني في مدن القامشلي والحسكة وتل أبيض وعين العرب وغيرها، ويقوم مسؤولو النظام السوري بزيارتها بشكل مستمر. وكان آخرهم وفد وصل إلى مدينة تل أبيض التي تسيطر عليها الوحدات الكردية ضم معاوني وزراء الداخلية والكهرباء والإدارة المحلية وضابط برتبة عميد من الحرس الجمهوري، وهو المبعوث الشخصي لبشار الأسد، قادماً من دمشق.

وعلى الرغم من رفض روسيا والولايات المتحدة وتركيا والعديد من دول العالم لهذا الإعلان الذي يتضمن قفزاً على إرادة شعب بأكمله لتطبيق مشروع من طرف واحد، فإنّ إسرائيل وحدها، قامت بالترحيب بالمشروع.

وقال السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر إن” إسرائيل تدعم قيام دولة كُردية مستقلة في الشرق الأوسط”. وأضاف “نحن نقدّر الروح القتالية القوية للأكراد، ونقف إلى جانبهم في نضالهم من أجل الاستقلال. ونحن نتوقع أن تستمر الصداقة بين الأكراد واليهود ليس فقط للسنوات القادمة بل لعقود”. وكان رئيس المجلس الوطني الكردستاني في سوريا شيركو عباس قد سبق ذلك بالقول “نحن جعلنا من الفيدرالية تفسيرنا لمبدأ حق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا، ومن وجهة نظرنا هذا النظام الفيدرالي الاتحادي هو أفضل صيغة لسوريا الحديثة”.

نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قال إنه لا يمكن لأكراد سوريا إقامة نظام حكم فيدرالي في سوريا بشكل أحادي.

وأكد الناطق الصحفي باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الشعب السوري وحده صاحب القرار في مسألة نظام الحكم المستقبلي في بلاده، معتبراً أنه لا يحق لأكراد سوريا تقرير مسألة “فدرلة” البلاد بصورة أحادية.

إسرائيل ترى رأيا آخر

في الوقت ذاته شجع الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين نظيره الروسي فلاديمير بوتين على القبول بتقسيم سوريا والعراق وفقا للتغييرات التي حدثت في السنوات الأخيرة. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الرئيس الإسرائيلي سعى خلال لقائه مؤخراً بالرئيس الروسي إلى الحصول على تأييد موسكو بعدم التمسك بالحدود الحالية لسوريا التي حددتها اتفاقية سايكس بيكو قبل مائة عام، وقسّمت الشرق الأوسط تقسيما مصطنعا، ولذلك فهناك ضرورة لتقسيم سوريا والعراق على ضوء التغييرات التي حدثت في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.

لم يعد السؤال، اليوم، لماذا تريد إسرائيل تكريس تجزيء المنطقة إلى أقسام ودويلات ومقاطعات بصورة تشبهها، كدولة دينية يهودية تصر على وصف نفسها بهذا ولا تتراجع عنه أبداً؟ السؤال الآن هو من سيوافق إسرائيل في دول المنطقة ومحاورها على تلك الرؤية؟ فجميع دول الشرق الأوسط عرضة للتفكك بسبب تكوينها المختلط. والمثير أن المحاور المتناقضة والمتصارعة في المشرق تتشارك في مخاوفها من التقسيم بصورة أو بأخرى، فإيران مثل تركيا وسوريا مثل العراق والسعودية مثل مصر كلها ذات قوميات أو طوائف متعددة.

مصر بالذات كان لها نصيب من ذلك الخطر الذي بات يعرف بخطر التقسيم والتفكك. مع أنها أول دولة حديثة في المنطقة. قارب عمرها القرنين. متشكلة معروفة الكيان والحدود والمراكز الإدارية.

مصر الجديدة وفلسطين الجديدة

روّج الإسرائيليون ويروّجون اليوم، لما عرف بمشروع غيورا آيلاند. المشروع الذي قال عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن إسرائيل كانت قد عرضت عليه أثناء حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي أن يستلم ما مساحته 1000 كيلومتر مربع في سيناء في حال تم تطبيقه. وكان في إطار برنامج وضع أثناء عهد أرئيل شارون يقضي بتبادل أراض بين مصر وإسرائيل لتوسيع قطاع غزة.

فيدرالية الأكراد السوريين، وخطة غيورا آيلاند المخصصة لسيناء وغزة، ليست مقتصرة على هذه البقع من الأرض في المشرق. وما دامت الذهنية الإسرائيلية تقول صراحة على لسان الرئيس الإسرائيلي بضرورة عدم التمسك بحدود سايكس بيكو، فإن المرجح أن نقاطا أخرى في الخارطة جرى أو يجري دراسة مشاريع خاصة بها وحولها

خطة غيورا آيلاند التي عرضها قبل سنوات، السفير دنيس روس على الرئيس المخلوع حسني مبارك، نصت على تقديم مساعدات كبرى لمصر، ومساحات من الأراضي في صحراء النقب. لكن مبارك لم يوافق آنذاك.

عادت الولايات المتحدة لطرح الخطة بعد ثورة 25 يناير في العام 2011 في عهد الإخوان المسلمين، ولاقى ذلك قبولاً عندهم، رغم اعتراض الجيش والمخابرات المصرية.

دولة غزة

درست خطة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق الجنرال غيورا آيلاند تفاصيل ديموغرافية تتعلق بتزايد عدد السكان في غزة، وأثبتت أن العام 2020 سيشهد بلوغ تعداد سكان غزة إلى مليونين ونصف المليون نسمة. وأن هذا التضخم الهائل لن يكون معه العيش ممكناً ضمن الحدود الحالية.

ستمتلك غزة وفقاً للمشروع 24 كيلومتراً مربعاً على شكل سواحل على البحر الأبيض المتوسط، ومياه إقليمية بعمق عشرة كيلومترات. وسيكون من الممكن إنشاء مطار دولي يبعد عن حدود إسرائيل قرابة 25 كيلومتراً ومدينة جديدة غير غزة الحالية لاستيعاب التزايد السكاني المطّرد. وسينتج عن تطبيق مشروع غيورا آيلاند زيادة في مساحة غزة الحالية (365 كيلومتراً مربعاً) نحو ثلاث مرات.

وقد تسربت معلومات وتحليلات تفيد بأن تفجير الأوضاع الأمنية في سيناء، وظهور داعش والخلايا الإرهابية المنتشرة في شبه الجزيرة، ما هو إلا مقدمة لتطبيق خطة غيورا آيلاند في نهاية المطاف.

في مقابل هذا سيتم منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً كاملاً، في غزة والضفة الغربية. ويجري إسقاط المطالبات الفلسطينية بحق عودة اللاجئين إلى داخل الخط الأخضر، وكذلك طيّ مسألة القدس.

وقد طغت أخبار المعارك والحروب في الشرق الأوسط ودول الربيع العربي على أخبار مشروع غيورا آيلاند، رغم أنه لم يعد سراً بعد أن أعلن الرئيس عباس في لقاء تلفزيوني مع قناة “صدى البلد” في القاهرة أن الاتفاق المصري للتهدئة مع إسرائيل “الذي تم إبرامه في عام 2012 تحت رعاية محمد مرسي، كان ينص على منح غزة 1600 كيلو من الأراضي المصرية في سيناء. وهذا معروف بمخطط غيورا آيلاند الإسرائيلي، ورفضناه”.

يوضح الرئيس الفلسطيني تفاصيل المشروع بالقول “المشروع يتضمن سيطرة إسرائيل على مساحات ضخمة من الضفة الغربية، مقابل تعويض الفلسطينيين بمساحات من شبه جزيرة سيناء لإنشاء دولة فلسطينية مستقرة وقادرة على النمو والمنافسة. وكانت عملية الانسحاب الأحادي من غزة عام 2005 هي الخطوة الأولى في هذا الاتجاه”.

التقسيم بإغراء التنمية

غيورا آيلاند قام بعرض مشروعه في مركز بيجين – السادات للدراسات الاستراتيجية. خطته مكونة من 37 صفحة من القطع الكبير وجاءت بعنوان “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”، وينص المشروع على أن تتنازل مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة. وهذه الأراضي عبارة عن مستطيل، ضلعه الأول 24 كيلومتراً، ويمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غربا، وحتى حدود مدينة العريش، أما الضلع الثاني فيصل طوله إلى 30 كيلومتراً من غرب كرم أبوسالم، ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية. وهذه الأراضي تعادل 720 كيلومتراً مربعاً والتي سيتم ضمها إلى غزة لتتضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات، حيث إن مساحته الحالية تبلغ 365 كيلومتراً مربعاً فقط.

منطقة الـ720 كيلومتراً مربعاً توازى 12 بالمئة من مساحة الضفة الغربية. وفى مقابل هذه المنطقة التي ستُضم إلى غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12 بالمئة من مساحة الضفة لتدخل ضمن الأراضي الإسرائيلية.

في مقابل الأراضي التي ستتنازل عنها مصر للفلسطينيين، تحصل القاهرة على أراض من إسرائيل جنوب غربي النقب (منطقة وادى فيران). فالمنطقة التي ستنقلها إسرائيل إلى مصر يمكن أن تصل إلى 720 كيلومتراً مربعاً، مقابل الكثير من المميزات الاقتصادية والأمنية والدولية التي ستحصل عليها القاهرة لاحقا.

يقول آيلاند إن كل من يحاول المقارنة بين غزة وسنغافورة يخطئ التقدير. فاقتصاد سنغافورة يقوم على التجارة الدولية، والتعاملات المصرفية المتقدمة، وصناعات الـ”هاى تيك”، أما اقتصاد غزة فيقوم على الزراعة والتكنولوجيا البسيطة. وصحيح أن مساحة دولة سنغافورة لا تؤثر سلبا على نموها الاقتصادي، لكن توسيع مساحة غزة شرط أساسي لضخ الحياة في أوصالها.

ويبشر آيلاند إلى أن الفوائد الاقتصادية من هذا التوسع ستكون هائلة، فغزة الجديدة ستتحول إلى منطقة جذب للنمو الاقتصادي، وستصبح مركزاً تجارياً دولياً.

التهديد بالمياه

مصر تعاني من مشكلة مياه تتفاقم يوما بعد يوم كما يقول آيلاند. وهناك زيادة في أعداد السكان، ومصادر المياه العذبة في تناقص مستمر. وبناء على ذلك فإن الدولة التي يعتمد 50 بالمئة من سكانها على النشاط الزراعي لن تتمكن من الحفاظ على بقائها واستمرارها بعد جيل أو جيلين دون إيجاد حل مبدئي لأزمة المياه.

لتتضح ملامح الصلة ما بين الأيدي الإسرائيلية الخفية الضاغطة لتأسيس مشروع سد النهضة في إثيوبيا، وما بين مشروع غيورا آيلاند الذي يدق جرس الإنذار من مشكلة الأمن المائي التي تهدد مصر.

يعتبر غيورا آيلاند أن خطته هذه، ستضع حداً وإلى الأبد، لما يعرف بالصراع العربي الإسرائيلي الذي دام كما يقول قرناً من الزمن، وستفيد عدداً من الدول العربية على رأسها مصر والأردن.

ويبرر المشروع بأن الأردن يضيق بالمشكلة الديموغرافية داخل أراضيه، فأغلبية سكان المملكة من أصول فلسطينية، وأعدادهم في تزايد مستمر. وهذه الظاهرة تستفحل طالما أن حياة الفلسطينيين في الأردن أكثر راحة وسهولة من حياتهم في الضفة وغزة. لكن في اللحظة التي ستقام فيها مدينة «غزة الكبرى»، والميناء والمطار الجديدان، ستنشأ فرص عمل وفيرة، وتنقلب الآية، ويفضل الفلسطينيون من أصول غزاوية العودة إلى بيتهم، شأنهم شأن عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الضفة والأردن نفسها.

في الوقت ذاته تولد إعلانات عن فيدرالية في أقصى الشمال السوري، بعد تجربة الفيدرالية العراقية الفاشلة حتى اليوم. والفيدرالية كمصطلح تشير إلى الاتحاد، وتبرم بين طرفين مختلفين أو أكثر، تجمع بينها روابط وثيقة، تلك الروابط قادرة على خلق صيغة مركب وحدوي قوي.

وهي تعني “تحرك الأفراد أو الجماعات المتميزة من ناحية، والمشتركة من ناحية أخرى، نحو تشكيل تجمع واحد يوفق بين رؤى الاتجاهات المتناقضة، انطلاقا من الشعور المشترك بالحاجة إلى الوحدة”.

الفيدرالية المتفتحة في المشرق

مصطلح “الدولة الاتحادية” بالعربية أو “الدولة الفيدرالية” يتفق الباحثون على أنه بصيغته القانونية، مفهوم حديث ومعاصر لا يتعدى تاريخه التطبيقي نظام الحكم الفيدرالي للولايات المتحدة الأميركية الذي ظهر إلى الوجود بعد مؤتمر فيلادلفيا في العام 1787.

شكل الدولة يبقى مفتوحاً للسياقات القانونية التي يجري بها الإعلان عنه، وليس عبر قوة السلاح وفرض فئة أقلوية على أكثرية الشعب أي خيار تراه دون العودة إلى الاستفتاء وصناديق الاقتراع

ويذكر رجال القانون أن الدول الفيدرالية تكوّنت إما من اتحاد كيانات مستقلة، أو من كيانات تنفصل من جسد دولة واحدة كبيرة، ثم تقرر الاتحاد ضمن صيغ قانونية واجتماعية جديدة. لتصبح “اتحاد ولايات متقاربة”.

تنشأ الدولة الفيدرالية من اتحاد ولايتين أو عدة ولايات متقابلة تشترك شعوبها في ملامح اجتماعية وجغرافية وتاريخية، فتتنازل كل واحدة عن بعض سلطاتها الداخلية، وعن سيادتها الخارجية. ثم تتوحد ثانية لتكون الدولة الفيدرالية على أساس الدستور الفيدرالي، مثال ذلك الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السويسري وجمهورية ألمانيا الاتحادية والإمارات العربية المتحدة.

الحالة الثانية وهي التي تنتج عن تفكّك دولة كبيرة، فتنشأ الدولة الفيدرالية من تفكك دولة كبيرة، يعمل شعبها على المطالبة باستقلال تام عن سيطرة الحكومة المركزية، وتقرير مصيرها دون تدخل من الآخرين، ثم تعمل الولايات المفككة على تشكيل دولة واحدة هي الدولة الفيدرالية، وفق نظام إداري فيدرالي. ومثال الدولة الفيدرالية الناشئة عن تفكك دولة بسيطة هي المكسيك والأرجنتين والبرازيل.

أهم ميزتين يجهل الكثيرون حساسيتهما في النظام الفيدرالي هما أن الدولة الفيدرالية دولة مركبة، تتكون من دولتين أو أكثر، أو من إقليمين أو أكثر، يكون لكل منهما نظامه الخاص، واستقلاله الذاتي، مثل أن يكون لكل ولاية أو إقليم دستور خاص، برلمان خاص، حكومة خاصة، وقوانين خاصة، وجيش خاص، وموارد خاصة، ولغة خاصة بها.

الميزة الأخرى تكمن في ما تتصف به الدولة الفيدرالية من أنها دولة “واحدة”، كالدولة البسيطة تماما، من حيث وجود دستور اتحادي واحد، وحكومة اتحادية واحدة، وبرلمان اتحادي واحد، ومحكمة اتحادية واحدة، وجيش اتحادي واحد.

حدود وتكسير للحدود

فيدرالية الأكراد السوريين، وخطة غيورا آيلاند المخصصة لسيناء وغزة، ليست مقتصرة على هذه البقع من الأرض في المشرق. وما دامت الذهنية الإسرائيلية تقول صراحة على لسان الرئيس الإسرائيلي بضرورة عدم التمسك بحدود سايكس بيكو، فإن المرجّح أن نقاطاً أخرى في الخارطة جرى أو يجري دراسة مشاريع خاصة بها وحــولها.

ولطالما اشتكت الدول العربية من خرائط سايكس بيكو، واعتبرت أن الحدود التي فرضتها تلك الاتفاقية، حدود مصطنعة يجب محوها، والذهاب إلى مشروع وحدوي عربي.

لكن المزاج يختلف اليوم وتختلف الضرورات القصوى، فتكسير الحدود وفقاً لاتفاقات اتحادية اندماجية، يختلف عن تحطيم الكيانات وإزالة الدول كما في الحالة العراقية والسورية.

إلا أن شكل الدولة يبقى مفتوحاً للسياقات القانونية التي يجري بها الإعلان عنه، وليس عبر قوة السلاح وفرض فئة أقلوية على أكثرية الشعب أي خيار تراه دون العودة إلى الاستفتاء وصناديق الاقتراع.

إبراهيم الجبين

صحيفة العرب اللندنية