في الأسبوع المنصرم، وتحديداً في يوم الخامس عشر من مارس الجاري، انطلقت تظاهرات في كل سوريا احتفالاً بمرور خمس سنوات على انطلاقة «الثورة السورية». وفي سياق ذلك، نعلم أن جهوداً واسعة تبذل بمناسبة لقاء المعارضة السورية الشرعية المعتدلة مع وفد للنظام في الأمم المتحدة، والمطلوب من المجتمعين أن يتخاطبوا كسوريين، دون مترجمين ووسطاء من الداخل والخارج.
لقد نضجت المأساة السورية أو تكاد، واتضح أن القوات الروسية الدخيلة خرجت أو خرج قسم منها من سوريا بزعم أنها حققت أهدافها المطلوبة. وربما كانت الحقيقة غير ذلك، لقد اكتشفوا أن ليس لهم «خبزة» في سوريا، وبين شعبها التاريخي البطل، وربما اتضح أن الخروج من هذا البلد الآن أفضل من أن يتأخر وقتاً آخر، يدفع ثمنه الشعب الروسي نفسه.
أما اللافت في معمعان الصراع الدموي في سوريا، فيتجسد في أن شعب هذا الوطن لم يترك مناسبة ليعبر فيها عن عطائه السخي في سبيله. فبعد مرور خمس سنوات على الصراع السوري، خرجت كتل من ذلك الشعب في كل المدن السورية تقريباً، لتعبّر عن أن مصادرة قرار الشعب إياه داخلاً وخارجاً دونه الموت! وقد فعلت ذلك تلك الكتل بكل سلمية ومسالمة: لا لقتل الطفل والمرأة والشيخ والمسالم ها هنا، بدأت تتخلق حالة لافتة من مجتمع مدني يتكون من الكل، ويتطور بالكل، ويبني وطناً للجميع من السوريين، دون تمييز.
إن ذلك كله يدفعنا للتذكير بمبادئ ميثاق شرف بين السوريين، وهو ذلك النص الذي قدمناه قبل عام ونيف. أما الإشارة إليه الآن، فتأتي في سياق اللقاءات، التي تتم هذه الأيام في الأمم المتحدة بين وفد النظام السوري ووفد المعارضة الوطنية. ولعلنا نقول، لقد أصبح من العار أن تستمر لعبة الموت في سوريا. وقد نقترح هنا إنجاز مبدأ يجرم مَن يتجاوز مبادئ الشرف والكرامة والوطنية في طرحه لقواعد الحوار العقلاني الوطني الديموقراطي بين الفرقاء. وهذا يدخلنا إلى «قلب الحدث»، حيث يتعين علينا أن نبسط أمام الناس جميعاً في سوريا، المنهج العقلي السياسي في النظر إلى منطلق الحلّ أو الحلول المناسبة لسوريا الجريحة، كما حددناها في «ميثاق الشرف» المذكور، ربما مع حدّ أو آخر من حدود الدقة التاريخية.
لقد نشرنا «ميثاق الشرف الوطني» وهنا نقول: تكفي خمس سنوات في عمر المذبحة السورية، وهناك نقاط تضبط العمل السياسي، تتمثل في: 1- لا لتقسيم سوريا أرضاً وشعباً، و2- لا للطائفية كحل سياسي أو مسلك اجتماعي وفكري و3- لا للثأرية في مواجهة الفعل السوري، وخصوصاً بصيغة الانتقام، بل نعم لسيادة الآلة الاجتماعية والمساواة الإنسانية. وفي هذا السياق، نقول: 4- لا للإرهاب والتطرف، بل نعم لتعددية ديمقراطية مفتوحة وفي هذا المنطق حلقتان أخريان تبرز أهميتهما مع ما يؤسس لعملية إعادة أبناء سوريا إليها. أما الحلقة الأولى فتتحدد في إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين والمخطوفين في سجون سوريا، مع الدخول في عملية تفكيك الدولة الأمنية، في حين تبدأ عملية التأسيس الكبرى لاستعادة المهاجرين من كل الدول والأطراف، في الخارج والداخل، وفي سياق الخطوات الثلاث تتم عملية مفتوحة من إدخال الإغاثة غير المشروطة لكل النقاط المنكوبة.
أخيراً، وهنا يصل الحل السياسي أحد أوجهه الكبرى، وهو تأليف مؤتمر وطني شامل يواجه مسائل بناء النظام السياسي، والدستور، والمرجعيات الثلاث القضائية، والدستورية، والتنفيذية مع العمل على انتخابات برلمانية ورئاسية.
د. طيب تيزيني
نقلا عن الاتحاد