السياسات النقدية الأوروبية وأهدافها

السياسات النقدية الأوروبية وأهدافها

europe_bank

لم يكن قرار المصرف المركزي الأوروبي خفض سعر الحسم من 0.05 في المئة إلى 0.0 في المئة مفاجئاً للعديد من المراقبين المختصين والعالمين بأوضاع اقتصادات بلدان منطقة اليورو. وقرر المصرف أيضاً أن يعزز برنامج الإنعاش النقدي برفع مشتريات الأصول المالية من 60 بليون يورو إلى 80 بليوناً شهرياً.

لا تزال بلدان منطقة اليورو، وغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي، تعاني ركوداً اقتصادياً وتراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي وارتفاعاً في معدلات البطالة. وتظل ثقة المستهلكين متدنية بما دفع إلى التخوف من الانكماش وعدم التمكن من بلوغ المستوى المنشود للتضخم. وذكر محافظ المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي أن المصرف راجع توقعاته لمعدل التضخم هذا العام إلى 0.1 في المئة، مقارنة بالمعدل المتوقع السابق المقدر بـ 1.0 في المئة والمعدل المرغوب البالغ 2.0 في المئة.

وبهذه السياسة النقدية يحاول المصرف المركزي الأوروبي أن يحفز النشاط الاقتصادي ويدفع المستثمرين إلى ضخ مزيد من الأموال في أعمالهم والتوسع في نشاطاتهم. وقرر المصرف أيضاً تحديد سعر الفائدة على الودائع لديه بـ 0.4- في المئة بعدما كانت 0.3- في المئة. وبذلك فالسياسة تسعى إلى دفع أصحاب الأموال إلى استثمارها بدلاً من إيداعها ودفع فائدة عليها بدلاً من قبضها.

هذه أوقات صعبة لأوروبا وهي تحاول أن تتحرر من آثار الأزمة الاقتصادية التي تعصف بها منذ 2008، وكرست الركود الهيكلي في منطقة اليورو وخارجها. معلوم أن ثمة تفاوتاً في الأوضاع الاقتصادية بين البلدان، فألمانيا تتمتع بأوضاع أفضل من بقية بلدان منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي. ويقدَّر الناتج المحلي الإجمالي لبلدان الاتحاد الأوروبي بـ 14.6 تريليون يورو، في حين يبلغ عدد سكانها 508 ملايين شخص، أي أن معدل الدخل السنوي للفرد بلغ 28.740 يورو في 2015. أما ألمانيا فيبلغ ناتجها المحلي الإجمالي ثلاثة تريليونات يورو وعدد سكانها 81.2 مليون شخص ما يعني أن معدل الدخل السنوي للفرد يساوي 37 ألف يورو. هذا يكشف التفاوت في الدخل بين بلدان الاتحاد الأوروبي وإن لم يكن واسعاً.

في المقابل، يظل معدل النمو الاقتصادي في ألمانيا قريباً من معدل النمو المتوقع لبلدان الاتحاد الأوروبي والمراوح حول 1.5 في المئة لهذا العام. هذا المعدل للنمو يظل أقل من معدل النمو المتوقع للاقتصاد الأميركي الذي قد يصل إلى 2.4 في المئة خلال العام. ويهدف المصرف المركزي الأوروبي إلى رفع معدل النمو إلى مستوى يقارب ما يتحقق في الولايات المتحدة، التي تميز اقتصادها خلال السنوات القليلة الماضية بحيوية أفضل ومقدرة على إيجاد الوظائف، خصوصاً في قطاع الخدمات.

وعلى رغم الركود في الاتحاد الأوروبي تُعَد بلدانه من البلدان التي تتمتع بميزات نسبية جيدة وتحظى بدرجة تنافسية مرتفعة على المستوى العالمي. تُعتبَر ستة بلدان أوروبية هي سويسرا وألمانيا وهولندا والسويد وبريطانيا والنرويج من بين أفضل 10 دول في العالم لجهة التنافسية. وتُعتبَر بلدان الاتحاد الأوروبي أهم تجمع في تجارة السلع والبضائع المصنعة في العالم. وبلغ الفائض التجاري لبلدان الاتحاد الأوروبي خلال 2015 نحو 246 بليون يورو في مقابل 184 بليوناً عام 2014. وربما ساعد انخفاض أسعار النفط في تعزيز الفائض.

وسيعتمد استمرار التحسن في قيمة الصادرات العام الحالي على عافية الاقتصاد العالمي والأوضاع التي ستمر بها البلدان المستوردة في آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا وبلدان الشرق الأوسط وطبعاً الولايات المتحدة. ولا بد أن تتراجع شهية البلدان المصدرة للنفط لاستيراد البضائع والسلع بعدما تراجعت مداخيلها خلال العام الماضي والاستمرار المتوقع لتراجع قيمة هذه المداخيل هذا العام. لكن في مقابل ذلك ستتمكن بلدان الاتحاد الأوروبي من خفض فاتورة استيراد النفط ما لم تحدث تطورات مهمة تعيد أسعار النفط إلى مستويات أعلى من المستويات الراهنة.

خلال فبراير (شباط) الماضي ورد في تقرير لمفوضية الاتحاد الأوروبي أن الاقتصاد الأوروبي يتعافى بمعدلات نمو معتدلة. قد يكون ذلك محاولة للتفاؤل فالمعدل المتوقع للنمو ما زال بحدود 1.5 في المئة. وبين التقرير المذكور إمكانيات ارتفاع معدل النمو إلى 2.0 في المئة خلال 2017. هل ستؤدي العوامل الخارجية مثل انخفاض أسعار النفط إلى انتعاش الأوضاع الاقتصادية؟ هل سيساهم سعر صرف اليورو في تحسين قيمة الصادرات؟

ربما، لكن حتى الآن لم تظهر مؤشرات تفيد بتحسن الاستهلاك المحلي في بلدان الاتحاد الأوروبي، وهو عامل مهم لقياس الأداء الاقتصادي، وإن كانت البلدان في الاتحاد الأوروبي تعتمد على التصدير إلى درجة كبيرة. بيد أن حفز الاستهلاك يُعتبَر من أهم عوامل التصحيح في منظومة الاتحاد الأوروبي. ويرتبط ذلك بتحسن فرص التشغيل التي يبدو أنها تتحسن ببطء إذ انخفضت معدلات البطالة إلى 11 في المئة في بلدان منطقة اليورو و9.0 في المئة في بلدان الاتحاد الأوروبي خلال 2015. وثمة توقعات بانخفاض هذه المعدلات في شكل طفيف العام الحالي.

إن محاولات المصرف المركزي الأوروبي لحفز الاقتصاد الأوروبي من خلال أدوات السياسة النقدية تظل مستحقة، ويتعين على المسؤولين في المصرف أن يدفعوا السلطات النقدية في البلدان الرئيسة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا إلى التناغم مع سياساتهم لتساهم العوامل الخارجية في تعزيز تأثيرات القرارات التي تُعتمَد من قبلهم.

عامر ذياب التميمي
نقلا عن الحياة