استبق حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي نهاية مباحثات جنيف السورية، وأعلن عن إقامة إقليم فيدرالي فوق مساحةٍ تقارب ربع أراضي سورية، وظهر كأنه يسير عكس التيار العام الذي يبدي حرصاً على وحدة هذا البلد. واللافت أكثر من غيره أن الولايات الأميركية، التي تشكل أكبر قوة داعمة للأكراد، حاولت أن تمنع الإعلان، وصدر عنها موقفٌ صريحٌ يقول، إنها لن تعترف بمنطقة حكمٍ ذاتيٍّ تعلنها المجموعات الكردية في سورية. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، مارك تونر، “كنا واضحين جداً لجهة أننا لن نعترف بمناطق ذات حكم ذاتي في سورية”، وأضاف “هذا أمر ينبغي أن تتم مناقشته، والموافقة عليه، من جميع الأطراف المعنية في جنيف، ثم من الشعب السوري نفسه”.
أراح الموقف الأميركي الأطراف السورية والإقليمية والدولية، لأنه لخص المسألة على نحوٍ وافٍ في ثلاث نقاط. الأولى ليس هناك قرار دولي بتقسيم سورية. والثانية، كل ما يتعلق بتقرير مستقبل سورية مطروح على النقاش في جنيف. والثالثة أن الكلمة النهائية للشعب السوري. وقد لوحظ أن الموقف الأميركي لم يتكفل الرد المسبق على قرار الفيدرالية فقط، بل إنه أفقده أثر الصدمة الذي كان ينتظره الطرف الرئيسي الذي يقف وراءه، أي الأمين العام لحزب الاتحاد الديموقراطي، صالح مسلم، الذي بلع الفشل، وتراجع خطوة إلى الوراء، حين وصف القرار بأنه غير نهائي “ومن لديه نموذج مختلف فليقدمه”.
يستدعي إعلان الفيدرالية عدة ملاحظاتٍ، بغض النظر عن حظوظ النجاح أو الفشل. أولها أن استعجال الإعلان يعكس نياتٍ مبيتة، تتجاوز ما قامت عليه المظلومية الكردية طوال عدة عقود، وصار واضحاً أن حزب صالح مسلم يعمل على إقامة كيان كردي في سورية. واللافت، أخيراً، أن رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، دخل على الخط، وأبدى تأييده الفيدرالية. ومن يدرس مواقف الأطراف الكردية يجد أن اختلافاتها حيال هذه النقطة تكاد تكون هامشية، ولا تتعلق بالجوهر الذي هو ضرورة إقامة كيان كردي. الملاحظة الثانية أن تصريحات مسلم، بعد مؤتمر رميلان، رسمت حدوداً جديدة للكيان، وقد جرى نشر خريطة تضع كامل محافظة الحسكة حتى منطقة الشدادي، بالإضافة إلى محافظة الرقة. وبالتالي، تشمل الفيدرالية الكردية ثروات سورية المائية (الفرات، الخابور، البليخ، الجغجغ) والنفطية والغازية (حقول رميلان والجبسة)، وعلى المعابر مع تركيا، عدا عن أنها تتجاوز الخريطة السابقة التي كانت تستند إلى التاريخ من وجهة نظر.
وتتعلق الملاحظة الثالثة بردود فعل السوريين من ائتلافٍ وشخصيات معارضة، فموقف الائتلاف الذي ندّد بالإعلان، ورفض قراراته، لا يرقى إلى ما تعرّضت له منطقة الحسكة من تطهير عرقيٍّ كرديٍّ منذ سنة تقريباً على يد مليشيات مسلم، ومطلوب منه أن يتحرّك لإيقاف هذا المخطط، من خلال تعزيز صمود أهل الجزيرة العرب في أراضيهم. أما أطروحات بعض المثقفين عن ضرورة الاعتراف بحق الأكراد في تقرير مصيرهم فهي لا تعرف حقيقة الموقف على الأرض، وخصوصاً موجات الهجرة الكردية المتوالية من تركيا والعراق، وكانت مشكلة هؤلاء المهاجرين، خلال العقود الماضية، تنحصر في الجنسية التي تطوّرت، بفعل الأحداث، إلى قضيةٍ وطنية.
سورية اليوم ضعيفة، بفعل الحرب التي شنها النظام ضد الشعب الذي خرج يطالب بالحرية والكرامة، وأول الأطراف التي استغلت حالة الضعف هذه صالح مسلم الذي عوضاً عن أن يشارك بقية السوريين الهم الوطني العام، فهو يستغلّ الوضع، ليؤسس لحربٍ مديدةٍ كرديةٍ عربية، فاليوم، على حد توصيف البارزاني، أمامنا طريقان، إما قبول التعايش وتنازلات مشتركة من الطرفين، أو التضحية بكل شيء. وأخيراً، ما لم ينجح في العراق من مشاريع كردية انفصالية لن ينجح في سورية.
بشير البكر
صحيفة العربي الجديد