الرباط – نجح المغرب الأربعاء في الفوز برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو ما يعتبر انتصارا بأبعاد سياسية وإقليمية ودولية، خاصة أنه جاء على حساب جنوب أفريقيا التي تعد قوة نافذة أفريقيًّا وكانت من رموز قضايا حقوق الإنسان قبل أن تتراجع مكانتها بحكم تذبذب مواقفها في القارة.
ويتضمن الفوز على جنوب أفريقيا في ملف حقوق الإنسان إحالة مباشرة إلى انتصار المغرب على جنوب أفريقيا وحلفائها في القارة، وأولهم الجزائر، في ملف الصحراء المغربية، ما يجعل هذا الفوز فوزا مضاعفا ويحيل إلى نجاحات متعددة الأوجه حققها المغرب على حساب خصومه في السنوات الأخيرة.
وظفر المغرب برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الأربعاء، بعدما حصل ممثل المملكة عمر زنيبر على 30 صوتا مقابل 17 صوتا لممثل جنوب أفريقيا.
وجاء انتخاب المغرب، بفضل تأييد عدد كبير من البلدان من كافة أنحاء العالم، تعبيرا عن الثقة والمصداقية التي يحظى بها المغرب داخل العالم العربي وفي أفريقيا، وعلى الساحة الدولية.
وقالت وزارة الشؤون الخارجية المغربية في بيان “جاء انتخاب المملكة، بفضل تأييد عدد كبير من البلدان من كافة أنحاء العالم، وبالرغم من التعبئة المضادة للجزائر وجنوب أفريقيا، معبرا عن الثقة والمصداقية التي يحظى بها التحرك الخارجي للمغرب”.
ولم يكن انتخاب المغرب لهذا المنصب معركة عددية مع خصومه في ملف الصحراء المغربية، فتلك واجهة محدودة لا يمكن أن تخفي أن الفوز هو تثمين دولي لتطور وضع حقوق الإنسان في المغرب، ما مكنه من تحقيق استقرار أمني وسياسي واقتصادي قياسا بمحيطه الإقليمي الذي اهتز على وقع أزمات مختلفة منذ ثورات “الربيع العربي”.
واعتبرت الوزارة أن “الفوز المغربي هو أيضا اعتراف بالجهود التي يبذلها المغرب في مجال ترسيخ دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان، والتي تجسدت في مجموعة من الإصلاحات الدستورية والتشريعية والهيكلية التي تم إقرارها في السنوات الأخيرة”.
ويرى محللون سياسيون أن المغرب يمكنه أن يستفيد من كونه رئيسا لمجلس حقوق الإنسان على عدة أصعدة، فداخليا سيعزز هذا الفوز تحمّس المغاربة لتفعيل مختلف القوانين والقرارات التي تم إقرارها من أجل خدمة حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، وخاصة تحسين أداء مؤسسات الدولة والتزامها بالمعايير العالمية.
وسيوفر المنصب الجديد للمغرب فرصة تقديم صورة واضحة وإيجابية عن مقاربته لحقوق الإنسان وخاصة ما تعلق بخدمة سكان الأقاليم الجنوبية ومزايا مقاربة الحكم الذاتي الموسع. كما سيمنح المنصبُ الجديدُ المغربَ فرصة شرْح قضايا القارة الأفريقية على مستوى حقوق الإنسان، ولاسيما تقديم إحاطة إضافية عن أوضاع المهاجرين الأفارقة.
وأكد خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية والخبير في مجال حقوق الإنسان، أن المسؤولية التي سيتحملها المغرب على هذا المستوى الأممي تعبر عن عزم المملكة على مواصلة مسيرتها على درب الإصلاح الحقوقي وتحسين الأداء المؤسساتي باعتبارها محطة داعمة للمستوى الحقوقي الذي قطعه البلد بإصدار عدد من النصوص التشريعية التي تساهم في تطوير مبادئ حقوق الإنسان وتكرّس انفتاح الدولة على الآراء المختلفة.
وأضاف السموني في تصريح لـ”العرب” أن “النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها في المغرب عرفا تطورا ملحوظا في العشرين سنة الأخيرة، حيث تم إرساء أسس دولة القانون بفضل قرارات هامة وشجاعة تم اتخاذها في هذا المجال، وكان أبرزها إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة التي انكبت على موضوع الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، والتي تعتبر تجربة نموذجية يقتدى بها في أفريقيا والعالم العربي”.
ويكرس دستور سنة 2011 الحقوق والحريات والمساواة والمناصفة، ويعزز مكانة حقوق الإنسان في المغرب، ويتضمن ما لا يقل عن 60 مادة متعلقة بالحقوق والحريات. كما انضمت المملكة إلى عدد مهم من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وصادقت على أهم البروتوكولات الملحقة بها، كمصادقتها على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.
وأكد بيان وزارة الخارجية أن “المملكة المغربية، التي تقدم مساهمة معترفا بها داخل مجلس حقوق الإنسان، وخاصة ضمن العمليات المؤسسة لتطوير هذه الهيئة، تعرب عن سعادتها بالثقة التي وضعت فيها. وترى في ذلك إشارة دعم قوية من قبل المنتظم الدولي لمقاربتها البناءة، وريادتها الموحدة حول قضايا رئيسية مثل حوار الأديان، والتسامح ومكافحة الكراهية العنصرية، والحق في بيئة سليمة ومستدامة، وحقوق المهاجرين وتأثير التكنولوجيات الجديدة”.
وخلص البلاغ إلى أن المملكة ستظل وفية، خلال رئاستها، للنهج الذي سارت عليه طيلة ولاياتها الثلاث داخل مجلس حقوق الإنسان، بإعطاء الأولوية دائما للحوار والتآزر والتوافق. وبذلك تعتزم المملكة مواصلة العمل بشكل نشيط مع أعضاء المجلس وكافة المجموعات الإقليمية، من أجل تقوية وإشعاع هذه الهيئة المهمة في المنظومة الحقوقية للأمم المتحدة.
ومجلس حقوق الإنسان، الذي ينعقد عدة مرات سنويا في جنيف، هو الهيئة الحكومية العالمية الوحيدة التي تحمي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. ويملك المجلس صلاحية تشديد التدقيق في سجلات حقوق الإنسان للدول والسماح بإجراء تحقيقات.
ويشار إلى أنه في أكتوبر الماضي أعيد انتخاب المملكة المغربية في اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان للفترة 2023 – 2026، وذلك من طرف أعضاء مجلس حقوق الإنسان، خلال الانتخابات التي جرت بمناسبة انعقاد الدورة الـ54 للمجلس في جنيف.
العرب