تحولات إقليمية: ملامح وتوجهات القيادات السياسية الشابة في الخليج

تحولات إقليمية: ملامح وتوجهات القيادات السياسية الشابة في الخليج

4472

“يمثل الشباب تحت سن 25 نحو نصف مجتمعاتنا العربية، ومن المنطق أن يكون الاهتمام بهم وبقضاياهم يوازي هذه النسبة”.. هكذا جاءت كلمة الشيخ محمد بن زايد على موقع التواصل الاجتماعي تويتر معبرة عن الرغبة في تمكين الشباب سياسيًّا، ودعمهم للوصول إلى أكبر المراكز القيادية بالدولة، وقد امتد هذا التوجه إلى باقي دول الخليج.

 ومن ثمّ تساءل كلٌّ من بيكا واسر وجيفري مارتين (الباحثين بمركز راند) عن التغيرات التي يمكن أن تحدثها هذه القيادات الشابة الجديدة في المنطقة، وذلك في تحليلهما المنشور على موقع راند بعنوان “الجيل القادم من القيادات في الخليج” في فبراير 2016.
عصر الشباب الخليجي:
تشهد منطقة الخليج ظهور جيل جديد من القيادات السياسية الشابة، وهو ما اتضحت بوادره -على سبيل المثال- فيما قام به حاكم دبي من تشكيل وزاري جديد ضم 8 وزراء جدد في الثلاثينيات من أعمارهم، من بينهم وزير الشباب الذي لم يتجاوز 22 عامًا، وفي قطر تولى الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” حكم قطر وهو لم يتجاوز 35 عامًا، كما تم إسناد مهام وزارة الخارجية القطرية “لمحمد بن عبد الرحمن آل ثاني” وهو في منتصف الثلاثينيات.
ويرتبط ذلك بالخطوات الجادة التي وضعتها بعض دول الخليج لتمكين الشباب، مثل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بوضع إستراتيجية وطنية لتمكين الشباب، بالإضافة إلى عقد العديد من القمم لتباحث الوسائل الممكنة من أجل تمكين الشباب في جميع المناصب بما في ذلك المناصب القيادية.
خصائص القيادات الجديدة:
عايش الجيلُ الحالي من القيادات الخليجية ظروفًا ومؤثرات مختلفة عن الجيل السابق، وهو ما ينعكس بالطبع على أسلوب تفكيرهم، وطريقة تعاطيهم مع الأزمات والمشكلات، وقد أشارت الدراسةُ إلى عددٍ من الخصائص التي تتميز بها القيادات الخليجية الجديدة:
1- التكنوقراطية: يضم الجيل الجديد من الوزراء الخليجيين مجموعةً من التكنوقراط ممن يتبنون المنهج التحليلي الحديث في التعامل مع الأزمات، ويمتلكون رؤية متعمقة ومختلفة فيما يتعلق بالسياسات العامة، ويرجع ذلك إلى ما عاصروه من ظروف في فترات طفولتهم ومراهقتهم، مثل: حرب الخليج الثانية 1990-1991، والغزو العراقي للكويت، وهو ما أثر على تعاملهم مع الأوضاع الراهنة.
2- الانفتاح على الغرب: حيث عايشوا فترات تشكلهم الذهني ودراستهم الجامعية بالخارج، خاصةً بالجامعات الأمريكية، وذلك على النقيض من القيادات الخليجية السابقة التي أمضت معظم سنوات دراستها الأولى في القاهرة، أو الدراسة في دول غربية تتسم بالتحفظ والتمسك الشديد بالتقاليد (مثل: إنجلترا، وفرنسا)، فوزير الخارجية السعودي الحالي عادل الجبير قضى ما يقرب من عشر سنوات سفيرًا للسعودية في الولايات المتحدة قبل توليه مهامه الوزارية، وهو ما عزز العلاقات السعودية الأمريكية.
كما أن يوسف العتيبة -السفير الحالي للإمارات لدى الولايات المتحدة- تلقى تعليمه في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم أكمل دراساته العليا بواشنطن قبل أن يعود إلى الإمارات ليصبح مديرًا للشئون الخارجية في مجلس أمير أبو ظبي، كما كان كبير مستشاري الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان”، وبالتأكيد كان لهذا الانفتاح الغربي والتعليم المختلف تأثيره على رؤيتهم للأوضاع الحالية، واتسام نمط تفكيرهم بالخروج عن المعتاد والمألوف.
3- الإعداد الجيد: وذلك تمهيدًا لتوليهم دورًا قياديًّا مستقبليًّا، ويتضح فيما قام به الشيخ تميم من إصلاحات جذرية، وتزامن ذلك مع تعيين مساعدين له من فئة الشباب، وكذلك الأمر في السعودية حيث أسندت إليهم مناصب هامة تجعلهم قريبين من صانعي القرار والملمين بالمشكلات التي تقابلهم قبل وصولهم للمناصب القيادية.
تغيرات سياسية مرتقبة:
سوف يكون لهذه التغيرات في القيادات السياسية بكل تأكيد تأثيرها على السياسات العمرية، خاصة في ظل اختلاف الفئة العمرية لهذه القيادات، وهو ما ينعكس على التوجهات الفكرية والسياسية كما سبق القول، ومن ثم سوف يصاحب ذلك تغيرات على مستوى السياسات فيما يلي:
1- تغييرات راديكالية: قد تؤدي طبيعة شخصيات القادة الجدد واحتكاكهم بالمجتمع الأمريكي إلى القيام ببعض التغييرات الراديكالية، بيد أن هذه التغييرات قد لا تُقابل أحيانا بالترحيب.
2- استعادة الاستقرار: على الرغم من أنهم قد يقومون ببعض التغييرات الراديكالية، إلا أن هدفها سيكون استعادة الاستقرار والأمن، لا سيما وأنهم يعلمون أهميته بعد ما عايشوه من أحداث دموية شهدتها المنطقة بداية من الغزو الأمريكي للعراق إلى ما وصلت إليه الأوضاع من فوضى مصاحبة للانتفاضات العربية، وحالات الاضطراب السياسي، وخلل توازن الأوضاع في منطقة تتزايد فيها نسبة الصراعات الدموية.
3- الحكم الرشيد: السعي نحو تبني نموذج بديل قائم على الحكم الرشيد، وتقديم الخدمات العامة للمواطنين بكفاءة، وإصلاح الأجهزة الحكومية، وإجراء إصلاحات اقتصادية لتحقيق تنمية مستدامة للأجيال القادمة في دول الخليج، وهو ما قام به كل من الشيخ تميم في قطر وولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد من إصلاحات حكومية تتضمن تقليص البيروقراطية الحكومية من خلال تعزيز الوسائل التكنولوجية، وإطلاق العديد من المبادرات لدعم الحكومة الإلكترونية وتشجيع الابتكار.
فقد قامت الإمارات مؤخرًا بسن سلسلة من الإصلاحات التي تستهدف تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وما قام به الأمير “محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود” نائب ولي العهد ووزير الدفاع السعودي بإعداد خطط طموحة تستهدف الاعتماد على الذات في مجال الأمن الوطني.
4- التحديث العسكري: حيث تحرص القيادات الشابة على أن تكون لها بصمة عسكرية، خاصةً في مجال الدفاع، والتطلع نحو بناء جيوش فتية، معتمدين على تطوير القوات العسكرية، وتزويدها بأحدث الأسلحة، وتدريبهم على أحدث النظم، وتنويع التعاون الأمني، وتجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة بوصفها الضامن الوحيد لأمن المنطقة، فقد قامت الإمارات بإعداد خطط مستقبلية تستهدف تحقيق تنمية عسكرية.
ومع حث الشباب على الانخراط في الخدمة العسكرية الوطنية؛ أطلق الشيخ تميم في قطر نظامًا للتجنيد الإلزامي في 2014 بعد أن كان الأمر اختياريًّا، وذلك بموجب قانون الخدمة الوطنية الجديد، وحرص الأمير “محمد بن سلمان” على قيادة الحملة العسكرية التي تقوم بها السعودية في اليمن بنفسه، كما قام أبناء كل من الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان” والشيخ “محمد بن راشد” آل مكتوم بالخدمة داخل الجيش الإماراتي، والمشاركة في الحملات العسكرية الإماراتية على اليمن.
مستقبل التعاون الخليجي الغربي:
يُواجه صانعو السياسة الغربية صعوبات متعددة في ظل تغير الصورة النمطية لقادة الخليج، والتي طرأت عليها مؤخرًا العديدُ من التغييرات، مما يُؤكد حاجتهم إلى إستراتيجية خاصة ومختلفة تمامًا لدى تعاملهم مع منطقة الخليج، ويمكن أن تبدأ هذه الإستراتيجية بدعم نظم التسليح الخليجية في مجال مكافحة الإرهاب.
بالإضافة إلى المشاركة في تعزيز نظم الحكومة الإلكترونية، وتقديم الدعم الفني لها، والمشاركة في تطوير القطاع الخاص، وتعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية، وهو ما سوف يُساهم بدوره في بناء القدرات وتعزيز الثقة بين الجانبين وتحسين العلاقات مع الجانب الغربي.
وتُشير الدراسة إلى أنه يجب أن تكون الدول الغربية حريصة على أن يكون لها مدخل مباشر مع القيادات الشابة، وسبيل لتوطيد العلاقة مع السلطة الناشئة، فلا بد وأن تستغل حالة التحول الجيلي في المنطقة من أجل بناء علاقات يمكن استثمارها مستقبليًّا.
إجمالا.. يُمكن القول إن منطقة الخليج سوف تشهد حالة من التغير السياسي في ظل تغير القيادة، وهو ما سوف يكون نقطة تحول محتملة للمنطقة بأكملها، وبادرة جديدة نحو مزيد من الإصلاحات الداخلية، والتخفيف من حدة القبضة الأمريكية على المنطقة.

بيكا واسر – جيفري مارتين

باحثان بمركز راند الأمريكي

عرض: رضوى منتصر الفقي
Becca Wasser ,Jeffery Martini, The Next Generation of Leaders in The Gulf , Rand corporation, 15 February 2016:
http://www.rand.org/blog/2016/02/the-next-generation-of-leaders-in-the-persian-gulf.html

المركز الاقليمي للداسات الاستراتيجية