عن تفجيرات بروكسل

عن تفجيرات بروكسل

Broken windows of the terminal at Brussels national airport are seen during a ceremony following bomb attacks in Brussels metro and Belgium's National airport of Zaventem, Belgium, March 23, 2016. REUTERS/Yorick Jansens/Pool      TPX IMAGES OF THE DAY

وقف البلجيكيون على اختلافاتهم وهوّياتهم (فلامانيون ووالنيون) دقيقة صمت مهيبة لتمجيد ضحايا الاعتداءات، وهتفوا بصوت واحد: «تحيا بلجيكا»، وشارك في تجمّع آخر أمام مقر الاتحاد الأوروبي ملك بلجيكا فيليب، والملكة ماتيلد، ورئيس الوزراء شارل ميشيل، ونظيره الفرنسي مانويل فالس، ورئيسة المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر.
ماذا تعني الموجة الإرهابية الجديدة التي ضربت أوروبا مؤخراً، والتي ازداد القلق والرعب بخصوصها؟ هل يعود السبب حقاً إلى الفوارق الحضارية والثقافية بين شعوب هذه المنطقة المسلمة بشكل عام، وشعوب أوروبا المسيحية، أو ثمة أسباب موضوعية وذاتية أبعد من ذلك بكثير؟ أليس ثمة علاقة بين ما تتعرض له المنطقة من تدخلات وحروب ونزاعات عسكرية خارجية، والشعور العام بالظلم والامتعاض من السياسة الغربية من جهة، والفقر والتخلف والأمية والبطالة التي يعانيها الشباب بشكل عام على مستوى السياسة الداخلية من جهة أخرى، حيث عجزت هذه البلدان عن تأمين الحد الأدنى من فرص العيش، إضافة إلى الانقسامات الإثنية والدينية والطائفية التي تعيشها البلدان الإسلامية؟
الإرهاب إذاً، يضرب في كل مكان، فبعد أربعة أشهر على هجمات “داعش” الباريسية الإرهابية، تتعرض بروكسل عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي إلى هجومين “داعشيين” كبيرين، أحدهما ضرب مطار «بروكسيل زفنتم» الدولي، والثاني محطة مترو «مالبيك» التي لا تبعد سوى 50 متراً عن مقر الاتحاد الأوروبي، وترك هذا الهجوم الكبير الذي جاء بعد أيام على اعتقال صلاح عبدالسلام، المشتبه الأول في تفجيرات باريس، 31 قتيلاً و270 جريحاً، بعضهم في حال خطرة.
وتأتي اعتداءات بروكسل الكبرى بعد العملية الإرهابية التي وقعت في باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 والتي أودت بحياة أكثر من 130 قتيلاً ومئات الجرحى، وهي العملية الثانية بعد حادث صحيفة شارلي إيبدو، الذي وقع في 4 يناير/كانون الثاني 2015، وأدى إلى مقتل 12 شخصاً وجرح 11 آخرين، وأثار فزعاً وهلعاً كبيرين، إضافة إلى سخط منقطع النظير.
يمكن القول إن عام 2015 هو عام يختلف عمّا سبقه، حيث امتدت العمليات الإرهابية شرقاً وغرباً، كأن العالم كلّه وقع تحت تهديد «داعش» والإرهاب الدولي، فها هو يتصاعد في إسطنبول وأنقرة، مثلما يضرب في تونس وليبيا وأبيدجان. وإذا كانت أحداث 11 سبتمبر/أيلول العام 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة كارثة حقيقية راح ضحيتها أكثر من 3 آلاف إنسان بريء، لكنها كانت يوماً واحداً، في حين إن الاعتداءات في أوروبا تستمر سنوات، وأصبحت تشكل هاجساً مخيفاً.
يمكن القول إن الخسائر النسبية التي تعرض لها تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق بعد تحرير محافظتي صلاح الدين والأنبار، وبدء المعركة بخصوص تحرير الموصل، إضافة إلى ما تعرّض له من تراجع في سوريا، ولاسيما بعد الاتفاق الروسي- الأمريكي وإعلان الهدنة، دفعه لنقل بعض عملياته إلى خارج المنطقة، حيث شهدت ليبيا وتونس وتركيا أعمالاً إرهابية، كما شهدت أوروبا عملاً محموماً للتنظيم، كان من نتائجه الأولى ما حصل في باريس وبروكسيل، وكان التنظيم قد هدّد بالقيام بعمليات انتقامية في عدد من البلدان الأوروبية.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما تنبّه إلى ذلك، وقال خلال زيارته للأرجنتين وفي اليوم الثاني لاعتداءات بروكسيل: السبب يكمن في العزلة التي يعيشها المسلمون هناك، وهي فكرة تمييزية خاطئة وغير أمريكية، بل ستكون نتائجها عكسية، مشيراً إلى أن عدم وقوع المزيد من الهجمات في الولايات المتحدة (بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول/2001) هو أن المسلمين لا يشعرون بالعزلة. وكانت بعض الأصوات قد ارتفعت بعد أحداث بروكسيل، بأن سبب الإرهاب يعود إلى «الانقسامات القيمية»، حيث تواجه أوروبا حرباً عابرة لحدود بلدانها، ما عزز المطالبات بإلغاء اتفاقية “شينغن” أو تجميدها أو إعادة النظر في بعض امتيازاتها، مثلما ارتفعت أصوات عنصرية تندّد بقبول المهاجرين.
لقد التحق المئات، بل الآلاف من الشباب الذي ولد وعاش في الغرب بتنظيم «داعش»، سواءً كانوا من أصول مسلمة أو من تأثر بفكر التطرّف والتعصّب لأسباب عدة، بما فيها النقمة على مجتمعاتهم، فضلاً عن نظرتهم السلبية إلى السياسة الدولية، التي يغيب فيها العدل ويستمر العدوان والاحتلال. وعندما كان هؤلاء الشباب يعودون من «الجهاد» في العراق، أو في سوريا، أو ليبيا، أو قبل ذلك في أفغانستان، كانوا أقرب إلى خلايا نائمة يتم تحريكها عند الحاجة، وكلما اقتضت الظروف ذلك، خصوصاً أنهم اكتسبوا خبرات قتالية وميدانية وعملية، مكنتهم من القيام بالدور الموكول إليهم على أحسن ما يرام، فضلاً عن قدراتهم على الزوغان من أجهزة الأمن والاستخبارات، حيث كانوا ينتقلون بين البلدان بانسيابية عالية، والدليل على ذلك إن خالد البكراوي الذي أعلن عن مسؤوليته عن أحداث بروكسيل الإرهابية (يوم 23 مارس/آذار 2016) في مترو بروكسيل، كان صلة الوصل للخلية ذاتها المسؤولة عن اعتداءات باريس (13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015).
جدير بالذكر إن ابراهيم شقيق خالد البكراوي، هو من قام بتفجير نفسه في مطار بروكسيل، الأمر الذي يعني إن هناك عملاً متواصلاً ومنظماً وسرّياً يقوم به هؤلاء المتطرفون الإرهابيون على مدى شهور للتحضير للعملية من دون أن تتمكن أجهزة الأمن من إحباط محاولاتهم، وخالد وشقيقه ابراهيم هما من أصحاب السوابق، وسبق أن اعتقلا وحكم عليهما، وأفرج عنهما عام 2014، لكنهما هربا واختفيا عن الأنظار.
والمتتبع لشؤون الحركات الإرهابية سيكتشف كماً هائلاً من المعلومات بخصوص حركة الإرهابيين، من وإلى أوروبا والمنطقة، فقد قتلت السلطات البلجيكية محمد بلقايد الجزائري الأصل وأحد المتهمين باعتداءات باريس، وهو على علاقة وطيدة مع صلاح عبد السلام، حيث رافقه برحلة ومعهما شخص ثالث يدعى نجم العشراوي من هنغاريا إلى النمسا، وكانت السلطات النمساوية قد اشتبهت فيهم، ولكنها أفرجت عنهم وعن السيارة المرسيدس التي كانوا يقودونها.
إن أعمال الإرهاب في أوروبا، إضافة إلى الهجرة الواسعة التي اجتاحتها، جعلت من تلك القضيتين سوقاً للمضاربات السياسية، التي تمثلت في الانتخابات المحلية، لاسيّما وأن اليمين المتطرّف المعادي للأجانب بشكل عام، وللعرب والمسلمين بشكل خاص، وجدها فرصة للتشدد في توجهاته، مستغلاً النقمة العامة والشعور بالخوف، وهو ما يستثمره المرشح الجمهوري ترامب في حملته الانتخابية ضد المسلمين، الذين يدعوا إلى عدم السماح لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة؟
إذا كان الإرهاب الدولي عاملاً إيجابياً في توحيد البلجيك وأوروبا والغرب، فلماذا لا يكون عامل توحيد للعرب بشكل خاص، وللمسلمين بشكل عام؟

عبدالحسين شعبان

الخليج