قبل هجمات باريس، اجتمع قادة المجموعة الإرهابية للاستماع إلى استراتيجيتها الجديدة: نشر الرعب في العواصم الأوروبية
* * *
قبل تسعة أيام من هجمات باريس، اجتمع قادة “داعش” في بلدة طبقة السورية ليتحدثوا حول ما سيأتي تالياً بالنسبة للمنظمة الإرهابية. وكان مسؤولون رفيعون من كل مناطق ما يدعى “الخلافة” قد قاموا برحلات صعبة، صحبة الخوف الدائم من التعرض للضربات الجوية، للوصول إلى البلدة الصغيرة الواقعة إلى الغرب من الرقة.
وفيما شكل مرحلة حاسمة في تطور المجموعة، أصبح يترتب وضع التركيز على تصدير الفوضى إلى أوروبا، كما قيل للرجال المجتمعين. وكان ما يصل إلى 200 متشدد قد وضعوا في أماكنهم المخصصة في مختلف أنحاء القارة، جاهزين لتلقي الأوامر.
روى تفاصيل الاجتماع لصحيفة “الغارديان” اثنان من أعضاء “داعش” المطلعين على ما نوقش في ذلك اللقاء. وقال كلاهما إن المزاج في طبقة في ذلك المساء من أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) كان انتصارياً. وقالا إن كبار المسؤولين في المجموعة كانوا يحولون تركيزهم إلى العواصم الأوروبية، وكانوا قد أعادوا بعض المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم الأصلية من أجل إعداد خطط للهجمات، والانتظار.
وأشَّرت تلك الخطوة على تحول حاسم، في ابتعاد عن بذل كل جهود المجموعة على الاحتفاظ بالأرض التي احتلتها في سورية والعراق -وهي قضية اعترف قادة المجموعة بأنها لا تستطيع أن تكسب ضد 14 قوة جوية مختلفة وقدرات الأعداء التجسسية الهائلة.
بدلاً من ذلك، أصبحت لدى المجموعة الآن القدرة على نقل المعركة إلى قلب عدوها. وكانت الوسائل للقيام بذلك متاحة دائماً عبر حدود أوروبا المسامية، التي كثيراً ما سهلت رحلات المتطوعين الأصلية. ومع ذلك، فإن مسارات المهاجرين التي نقلت مئات الآلاف من السوريين والعراقيين الهاربين من الاضطهاد سمحت أيضاً لعدد صغير من أعضاء “داعش” بالاختلاط بهم، والعودة في الاتجاه الآخر.
في الجوهر، كان “داعش” قد بدأ في منح السيطرة على السكان الأولوية على السيطرة على الجغرافيا. وبينما لم يقم التنظيم بإرخاء قبضته عن المناطق الواسعة التي احتلها من العراق وسورية على حساب سيادة كل من الدولتين، فإن المنطقة الأصلية التي يسيطر عليها أصبحت الآن أقل أهمية من المجتمعات البعيدة التي يمكنه أن يؤثر عليها.
كان تعزيز انتشار “داعش” يجري بطريقتين. أولاً، من خلال خلايا المتشددين التي تعهدت له بالولاء، والتي ما تزال تستجمع القوة في أماكن مثل سيناء في مصر، وماليزيا وإندونيسيا، وفي ليبيا واليمن. لكن الأهم من ذلك، في سياق الاجتماع المذكور، كان عودة أعضاء المجموعة أنفسهم إلى أوطانهم، من خلال إيفاد عدد صغير ممن يقدرون بنحو 25.000 مقاتل أجنبي كانوا قد سافروا إلى العراق وسورية، والذين أصبحوا الآن في طليعة “الجيل القادم” للجهاد العالمي.
وأوكلت إلى هؤلاء الرجال مهمة تشكيل خلايا نائمة كلاسيكية، وانتظار الأوامر. وكان قادة “داعش” دائماً يرون الفرصة حيثما تتسنى، لكن هذه الموجة الجديدة ستضع تركيزاً على إشاعة الاضطراب والفوضى في إيطاليا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.
عن ذلك، قال العضو في “داعش”: “قالوا إن المملكة المتحدة هي الأصعب على الوصول. لكن بلجيكا سهلة. كما جاؤوا على ذكر إسبانيا أيضاً، وإنما ليس بقدر البقية”.
في الأشهر الستة الماضية، خسر “داعش” ما يقرب من 30 في المائة من المناطق التي كان يسيطر عليها في أشهر الصيف المنتشية للعام 2014. ومع نهاية هذا العام، من المرجح أن يكون التنظيم قد خسر أكثر من هذا بكثير. وقد أصبحت تدمر، التي كانت ذات مرة صيد التنظيم السمين، تحت تهديد وشيك بأن يستولي عليها تكتل من القوات الروسية والإيرانية والسورية. كما أن الموصل؛ حيث تحول انبعاث “داعش” إلى ظاهرة تهدد النظام الإقليمي كله، أصبحت هي الأخرى تحت تهديد متصاعد من الوقوع في يد القوات العراقية التي تتم إعادة تجميعها بدعم أميركي.
الآن، يزعم “داعش” أن الجغرافيا كانت مجرد وسيلة فقط لتحقيق غاياته النهائية، التي كانت تتمثل دائماً في نشر نفوذه طولاً وعرضاً وفي كل مكان. وكان كبار زعماء المجموعة، ومن بينهم أبو بكر البغدادي الذي ما يزال يتعافى من إصابة، أيديولوجيين متعصبين ومقتنعين بدورهم -كأوصياء على قراءة مفرطة التطرف من التعاليم الإسلامية- وملتزمين بمحاربة أي طرف لا يخضع لنظرتهم العالمية.
ويعتقد قادة “داعش” هؤلاء بأن المجتمعات الأوروبية يمكن إضعافها بسهولة من خلال الوحشية. وقال أحد أعضاء المجموعة إن لدى كبار مسؤوليها فهما عميقا لتكوينات السياسة الأوروبية ومخاوف مواطنيها.
وأضاف عضو “داعش” في حديثه إلى “الغارديان”: “في الاجتماع، تحدثوا عن أي المجتمعات الأوروبية هي التي ستنهار أولاً وما الذي سيعنيه ذلك. كانوا يعتقدون أن الهجمات الكبيرة سوف تفضي أخيراً إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي، أو حتى الناتو. وسيكون ذلك مثالياً بالنسبة لهم”.
في بلدة طبقة السورية وما حولها، وإلى داخل محافظة الأنبار العراقية، تركز المجموعة جهودها أيضاً على السيطرة على السكان. وعلى مدى العامين الماضيين، وضعت المجموعة نفسها في مكان الممثل بحكم الأمر الواقع لمسلمي المنطقة السنيين -عندما فشلت العملية السياسية في العراق وسورية بالقيام بذلك.
تتغذى رسائل “داعش” بكثافة على إحساس سائد بالحرمان والظلم في أوساط المجتمعات السنية التي فقدت السلطة والنفوذ على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية في العراق وسورية ولبنان. وهنا أيضاً، تكتسب الجغرافيا المادية أهمية أقل من إملاء الشروط على المراكز السكانية.
في حين أن المجموعة تتراجع وترتد على أعقابها بوضوح على المستوى العسكري في بعض زوايا “خلافتها”، فإن أهدافها الاستراتيجية ربما أصبحت الآن أقرب متناولاً مما كانت عليه في أي وقت مضى.
ويقول عضو “داعش”: “إنهم يفكرون كثيراً في هذا الأمر. وهم يعتقدون أنهم يعرفونكم أكثر مما تعرفون أنفسكم”.
ترجمة:علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد الأردنية