في العشرين من شباط/فبراير الماضي طلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من مجلس النواب تفويضًا له في تشكيل حكومة جديدة ذات طابع تكنوقراطي، يرى فيها وسيلة لحل أزمات العراق المتشعبة، وفي هذا الإطار قدّم رئيس الوزراء العراقي في الواحد والثلاثين من آذار/مارس الماضي، لمجلس النواب العراقي أسماء تشكيلة حكومته الجديدة، التي قد لا يصار إلى تشكيلها نظراً لتحفظ العديد من الأطراف السياسية العراقية عليها.
حاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في حركته الجديدة عبر تقديم قائمة التشكيلة الحكومية التكنوقراطية، القفز على المأزق الحرج الذي صنعه مقتدى الصدر ضد أهل بيته عندما قاد الشارع الشيعي على عتبة أسوار المنطقة الخضراء، وعمل العبادي بمعاونة البيت الشيعي كله على فرض نوع من المهادنة بالاتفاق مع الصدر درءا لعواقب الانفلات التي قد تطيح بالحكم وبالعملية السياسية، والاستفادة من حركة الصدر التعبوية لحماية التحالف الشيعي في النهاية. وهذا ما توصلت إليه أعمدة الحكم السبعة في اجتماعاتهم وتشاوروا للقبول بتنازلات الحكم الوجاهي الحكومي، مقابل الحفاظ على جوهرة الحكم من الضياع والتدحرج أمام عتبات المنطقة الخضراء. كانوا على يقين بأن مقتدى الصدر لن يتجاوز الحدود الخطرة بانفراط الحكم. ومع ذلك فإن العبادي تصرف في موضوع التشكيل الوزاري الجديد كمن يريد رفع الثقل عنه ورميه في ساحة البرلمان.
منذ عام 2003م وحتى يومنا هذا لم يعد الشأن العراقي شأنا داخلياً فمسألة تشكيل حكومة عراقية جديدة وعراقيل تشكيلها تحظى بأهمية عربية وإقليمية ودولية بشكل عام ومن قبل الإدارة الأمريكية بشكل بشكل خاص؛ نظراً لمكانة العراق في السياسة الأمريكية. وبحسب معلومات توافر عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، سيقوم وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” يوم الجمعة القادم في زيارة العراق، إذ سيلتقي خلال زيارته برئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم ورئيس وزراء العراق حيدر العبادي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري كل على حدا، كما سيلتقي بالقوى السياسية البارزة في العراق، وخلال زيارته أيضاً سيلتقي مع كل من رئيس وزراء إقليم كردستان العراق “نيجيرفان البارازاني” ونائبه “قباد طالباني”.
تأتي هذه الزيارة ضمن الدعم العسكري والسياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة للعراق في حربه ضد الاٍرهاب ومن جهة أخرى تعد هذه الزيارة دعما لملف الإصلاحات حسب تصريحات بعض المسؤولين في الكونغرس والحكومة الامريكية. وتاتي هذه الزيارة أيضاً عشية الذكرى الثالثة عشر لقيادة الولايات المتحدة تحالفاً دوليا أسقط حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في التاسع من نيسان/إبريل عام 2003م.
وستنصب هذه محادثات المزمع إجراؤها بين الوزير الأمريكي “جون كيري” من جانب والساسة العراقيين من جانب آخر، على سُبل انجاح تشكيل الحكومة العراقية، فالإدارة الأمريكية من خلال وزيرها ستمارس ضغوطها الدبلوماسية والعسكرية والأمنية على شركاء العملية السياسية في العراق من أجل الإسراع في تشكيل حكومة عراقية جديدة، فهي-أي الإدارة الأمريكية- من جملة ما تهدف إليه، أن تتشكل الحكومة العراقية قبل انعقاد القمة الخليجية بالرياض عاصمة المملكة العربية السعودية في الواحد والعشرين من الشهر الحالي، والتي وفق ما أعلن عنه البيت الأبيض بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيشارك فيها.
ومما لا شك فيه، فإن الشأن العراقي سيكون أحد محاور القمة الخليجية، فمن وجهة النظر الأمريكية إذا عُقدت القمة الخليجية بوجود حكومة عراقية جديدة هذا يعني أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيطلب من دول الخليج العربي تقديم مساعدات مالية للعراق الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية قد تصل به إلى الإفلاس. أما إذا ما عقدت القمة الخليحية والعراق على ما هو عليه الآن، فإنه من المتعذر على الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلب ذلك. وسيصعب من تصويب المسار السياسي في العراق وقد ينظر بانهيار النظام السياسي العراقي وهذا ما لا ترجوه الإدارة الأمريكية.
وفي حقيقة الأمر ما سيتحقق من تغيير في أسماء الحكومة لن يحدث تغييرا جوهريا ينقذ الواقع العراقي المتردي والمنهار، فهؤلاء التكنوقراط سيكونون أضعف من أولئك المستندين على قوة حزبية حاكمة أو هم قادتها، ولن يكون لهؤلاء الوزراء ظهيرا يحمي تصرفاتهم، حتى وإن كانت صحيحة ونقية، وهذا ما سيقود إلى ظهور مشاكل في ديناميكية العمل الوظيفي للوزراء، ولن تحميهم مواقف مقتدى الصدر الجماهيرية.
لا يحتاج العراق إلى حكومة جديدة أياً كان وصفها إذا كان على رئيس الوزراء حيدر العبادي أن ينتظر توافق الكتل السياسية. أو إذا كان عليه أن يلقي عليهم مسؤولية عرقلة الإصلاحات. لقد ضيع ما يقرب من السنتين في التردد والخوف من المواجهة. ضيع تأييد المرجعية الذي لم يحظ أحد بمثله من قبل. وما لم يقدم على إصلاحات حقيقية لقطع دابر الفساد وإصلاح الإدارة والقضاء. وما لم يجازف بدفع البرلمان إلى مواجهة الغاضبين في الشارع أو في أوساط القوى التي يطحنها نظام المحاصصة فإن العراق سيغرق في مزيد من الفوضى والانهيار الاقتصادي. إن أولى خطوات ضرب الإرهاب تبدأ بضرب مراكز القوة التي تستولي على الدولة ومؤسساتها وتصادر الحياة السياسية… فهل يقدم رئيس الوزراء؟
أم أن “حكومة التكنوقراط” التي أراد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن يجعل منها عنوانا لرغبته في إجراء إصلاحات لا تستثني ثوابت العملية السياسية القائمة على المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية، قد تحولت إلى ورطة تهدّد بنهاية “مأساوية” لمسيرته السياسية بعد أن لاحت عوائق كثيرة أمام تشكليه تلك الحكومة المنشودة، في مقدّمتها ممناعة الأحزاب والكتل السياسية، بما في ذلك التحالف الشيعي الذي ينتمي إليه، لأي تغيير ينتزع السلطة من يدها ليضعها بين يدي تقنيين غير متحزّبين.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية