أولويات أميركية وخليجية متباينة

أولويات أميركية وخليجية متباينة

349

لا يبدو أن أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما، الكثير من الأوراق ليرمي بها في اجتماع القمة الخليجية الأميركية المرتقبة في العاصمة السعودية الرياض في 21 أبريل/نيسان الحالي، وهو الذي يهم بمغادرة البيت الأبيض نهاية العام الحالي، وسط الخلافات الخليجية الأميركية حول أبرز القضايا الساخنة في المنطقة.

هذا ما تؤكده التصريحات المكرّرة والعامة، التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قبل وبعد اجتماعه بوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي يوم أمس الخميس، في العاصمة البحرينية المنامة، حيث عُقد اجتماع تمهيدي للقمة الخليجية الأميركية بين كيري ونظرائه الخليجيين، أظهر أن واشنطن ليست في وارد تغيير أولوياتها في المنطقة المختلفة عن الأولويات الخليجية. وانتقد كيري “الأنشطة الإيرانية” في المنطقة، التي وصفها بأنها “مثيرة للقلق”، داعياً طهران إلى “وقف تأجيج النزاعات في المنطقة”.
كما حثّ وزير الخارجية الأميركي، إيران “على المساعدة لإنهاء الحرب في اليمن وسورية، وعلى تغيير آليات التعاطي مع قضايا المنطقة”، مؤكداً أن واشنطن “لا تثق بخطوات إيران في الملف النووي” وأنها “تقوم بالتحقق اليومي من الأنشطة النووية الإيرانية”. كما دعا وزراء الخارجية الخليجيين لـ “استعمال نفوذهم على المعارضة السورية من أجل احترام الهدنة”، والتي بدأت منذ 27 فبراير/شباط الماضي، وذلك تمهيداً لجولة المحادثات التي تنطلق في جنيف الأسبوع المقبل.
وتناول الاجتماع الخليجي الأميركي مسائل المحادثات السورية والحرب في اليمن، بالإضافة إلى نفوذ إيران في المنطقة، ومحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وتطالب واشنطن من حلفائها في الخليج، بذل جهود مضاعفة في ملف محاربة الإرهاب.

ويبدو بأن اختلاف الأولويات الحاد بين الطرفين، الأميركي والخليجي، سيستمر في مقاربة كل طرف لقضايا المنطقة، مما يجعل التنسيق بينهما في حده الأدنى. فإدارة أوباما، لا تنظر إلى المنطقة إلا باعتبارها المكان الذي يسيطر تنظيم “داعش” على مناطق شاسعة منه، ولا ترى المنطقة إلا من خلال منظار محاربة الإرهاب. لذا تؤكد على أهمية إيجاد تسوية في سورية، بغض النظر عن موقع رئيس النظام بشار الأسد وإيران والمليشيات المدعومة منها، في مستقبل سورية، الأمر الذي يُعتبر بمثابة خط أحمر بالنسبة للطرف الخليجي، خصوصاً السعودية، التي شددت مراراً عبر وزير خارجيتها عادل الجبير، على أن الأسد راحل عن السلطة، سياسياً أو عسكرياً.

هذه الرؤية الأميركية انعكست أيضاً في موقف الولايات المتحدة من الحرب في اليمن، إذ قامت واشنطن بدعم الرياض في البداية، غير أنها لم تقدّم بحسب مراقبين، دعماً عسكرياً واستخباراتياً كافياً للسعودية، قائدة التحالف العربي. وبدت الإدارة الأميركية مهتمة بإيجاد حل سريع للحرب باليمن، مع توجيه دعوات “ليّنة” إلى الطرف الإيراني، لإيقاف دعمه لمليشيات الحوثيين، من دون أن تكون مهجوسة بشكل هذا الحل السياسي، وموقع مليشيات الحوثيين المدعومة من طهران.

فالأولوية بالنسبة للإدارة الأميركية، ترتكز على محاولات إعادة الاستقرار إلى العراق وسورية واليمن، بغض النظر عن موقع إيران من هذه التسويات السياسية، وذلك من أجل حشد، من تستطيع حشده من دول المنطقة، لتحقيق أولويات واشنطن فيها، والمتمثلة بمحاربة تنظيم “داعش”، الذي تقود الولايات المتحدة تحالفاً ضده، منذ نوفمبر/تشرين الأول 2014، بمشاركة دول من حلف شمال الأطلسي، ودول عربية وخليجية.
لكن المنظور الخليجي للأمور يختلف عن المقاربة الأميركية، إذ يعتبر إيران الخطر الأكبر الذي يتهدد دول الخليج، لا تنظيم “داعش” الذي يقبع في المرتبة الثانية على سلم أولوياتها في الإقليم المضطرب، كما تظهر مقارباتها لقضايا المنطقة. ففي سورية، تتقاسم دول مجلس التعاون الخليجي أولوية إعادة الاستقرار إلى سورية، بالتوازي مع رحيل الأسد، كبداية لانحسار النفوذ الإيراني في دمشق، ورحيل المليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية التي جلبتها طهران، لمنع نظام الأسد من السقوط. وهذا يختلف بشكل أساسي عن المقاربة الأميركية، التي تعطي الأولوية في سورية لمحاربة “داعش”.
أما في اليمن، فبينما تريد واشنطن تسوية سياسية سريعة، بغض النظر عن مخرجاتها، وذلك من أجل منع تمدّد جماعات إرهابية، كـ “القاعدة” أو “داعش” في ذلك البلد، تبدو السعودية، التي تقود التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، مهجوسة بمنع استمرار سيطرة الحوثيين على صنعاء والبلاد. ولا يبدو أنه في وارد السعودية، الوصول إلى تسوية في اليمن لإنهاء الحرب، من دون تسليم الحوثيين لشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وخروجهم من صنعاء، وتسليم السلاح الثقيل للجيش اليمني، الأمر الذي أشار إلى اقتراب أوانه ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان.

في العراق، وفي مقاربة الخليجيين لمحاربة تنظيم “داعش”، لا يبدو بأن دول الخليج تفصل بين محاربة هذا التنظيم، وبين وجود مليشيات “الحشد الشعبي” القريبة من إيران، إذ لا تريد هذه الدول أن تصبّ أي جهود لها في محاربة “داعش” لصالح الطرف الإيراني. لذا لا تفصل دول الخليج بين دعمها للسنّة في العراق، ومحاولة إدماجهم في النظام السياسي العراقي، وتسليحهم، وربما إتاحة صلاحية أوسع لهم في الأقاليم التي توصف بأنها “أقاليم سنّية”، وبين محاربة الإرهاب في المنطقة، الأمر الذي ينطبق على سورية أيضاً.
وهذا يفسر الاستياء الأميركي من المشاركة الخليجية في التحالف الدولي ضد الإرهاب، التي تصفها الولايات المتحدة بأنها مشاركة “غير كافية”، على الرغم من عرض السعودية إرسال قوات برية، ضمن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمحاربة تنظيم “داعش” في سورية، لكن وفق صفقة تبدو أكبر من مجرد محاربة التنظيم، وتشمل رحيل الأسد، بحسب تصريحات السيناتور الأميركي جون ماكين، والسيناتور ليندسي غراهام، اللذين أكدا أن السعودية عرضت إرسال قوات برية لمحاربة “داعش” منذ العام 2014، شرط محاربتها للأسد، وألا تبقى دمشق تحت الهيمنة الإيرانية.

بدر الراشد

صحيفة العربي الجديد