هل يمكن العودة إلى “عملية السلام” مرة أخرى؟

هل يمكن العودة إلى “عملية السلام” مرة أخرى؟

هذا السؤال لا يشغل بال الدولة فحسب، بل هو من أحد الأسئلة المهمة المثيرة للجدل على المستوى السياسي والإعلامي والشعبي. الشروط التي طرحها داود أوغلو لعودة حزب العمال الكردستاني إلى طاولة المفاوضات أثناء عملية السلام التي أطلقتها الحكومة في 2013 كانت كافية لتثير جدلا واسعا. الآن هناك حديث أن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وإدارة الدولة لديهم ميل للعودة إلى نفس العملية وكأن شيئا لم يحدث.

لا سلام مع الإرهابيين 
لكن حديث أردوغان حول القضية كاف ليقطع الشك باليقين حيث قال “من وقت لآخر يخرج حديث من بين أوساط المنظمة الإرهابية عن حل ومفاوضات، يجب أن يعلم الجميع أنه لا يوجد شيء اسمه مفاوضات أو لقاءات، أمامهم خياران لا ثالث لهما: إما أن يسلّموا أنفسهم للعدالة وينتظرون حكمها فيهم، أو أن يسقطوا واحدا تلو الآخر في الحفرة التي حفروها بأيديهم. قلنا لهم لتكن نقلة ديموقراطية فلم يحدث، قلنا لتكن بيننا أخوّة وطنية فلم يحدث، عرضنا عليهم عملية الإصلاح السياسي فلم يقبلوا. حاولنا بكل ما لدينا من قدرات لنأخذ بأيديهم إلى الحياة العامة بكل حب وإخلاص فرفضوا.”

هذا الكلام يُفيد بأن الدولة وصلت إلى قناعة بأن عملية السلام لم تعد مجدية وهذا يساعد على فهم موقف الدولة من هذه العملية. لكن وقف الجدل بهذه الطريقة غير كاف، ليس في الداخل وحسب بل حتى على المستوى الخارجي هناك قوة تضغط على الدولة التركية للعودة إلى طاولة المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني.

أمريكا والاتحاد الأوروبي متى ما لاحت لهم الفرصة يجددون دعوتهم لـ “العودة إلى عملية الإصلاح السياسي من جديد”. حزب العمال الكردستاني وحزبا الشعب الجمهوري والشعوب الديموقراطية يضغطون على الحكومة للعودة إلى “عملية السلام” حتى أن هناك أسماء داخل حزب العدالة التنمية مثل بولنت ارينج تنادي بذلك من حين لآخر ويحثون على العودة إلى طاولة المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني.

في حال أن حزب العمال الكردستاني لم يتم اجتثاثه تماما في المستقبل القريب، فيمكن القول بأن أعداد الذين سيطالبون بالعودة إلى عملية الإصلاح السياسي سيرتفع. يجب على الدولة أن تحدّد بوضوح ما يتعلق بمصطلحات “حزب العمال الكردستاني”،”الإرهاب” و”الحل”. وإلا فستزداد الأمور تعقيدا وتختلط المفاهيم ثم تنقسم الدولة والمجتمع إلى نصفين.

برنامج تقسيم تركيا
الدولة صاحبة تجربة “عملية السلام” الفريدة من نوعها، وقد كشفت هذه العملية أن مشروع حزب العمال الكردستاني لتقسيم تركيا أمر مبالغ فيه. الهدف من إنشاء حزب العمال الكردستاني وحقيقة وجوده هي إلحاق الأذى والضرر بتركيا. حزب العمال الكردستاني يتنكر بثياب الدفاع عن الأكراد والقضية الكردية، لكنه في الحقيقة لديه جناحان مسلح وغير مسلح يعملان لتحقيق البرنامج الذي وُضع له وهو تمزيق وتقسيم تركيا وإلحاق الضرر بالشعب التركي.

الدولة مجبرة على وضع سياسة للتعامل مع حزب العمال الكردستاني بناء على هذه الحقائق المجربة. الهدف الذي وُجد من أجله حزب العمال الكردستاني لن يجلب لهذا البلد سوى الصراع والموت. وإذا ما تم الجلوس معه على طاولة المفاوضات فلن تكون نتائجها سوى توسيع عملياته وهجماته على الدولة بشكل أكبر من ذي قبل. وإذا تجاهل مسؤولو الدولة هذه الحقيقة فسيرمون كل المواطنين إلى الهاوية.

الدولة هي ضمان لاستقرار أمن هذا البلد، وهذا لا يعني ألا تقوم الاستخبارات بدورها المنوط بها. الاستخبارات تعمل اللازم حينما يُطلب منها ذلك، لكن حقوق مواطني هذا البلد لا يمكن أن تكون ورقة للعب في المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني. وإذا أراد حزب العمال الكردستاني ترك السلاح فليتركه، لا أحد يمنعه من فعل ذلك.

كورتولوش تاييز

تركيا بوست