من حكومة الكفاءات إلى “وثيقة الإصلاح الوطني”، هكذا يتجه المشهد السياسي في العراق بعد أسابيع من الشحن الجماهيري والمظاهرات الاحتجاجية، والشد والجذب بين مختلف الأطراف السياسية. وأعلن مكتب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم عن توصل اجتماع الرئاسات الثلاث بقادة الكتل السياسية إلى آلية لاختيار الحكومة الجديدة، أفرزت ما تعرف بـ”وثيقة الإصلاح الوطني” ووقع عليها قادة الكتل، والتي يبدو أنها تمثل تحولا كبيرا في سياق المطالب السابقة.
وتنص الوثيقة الجديدة على إجراءات معينة لترشيح الوزراء والهيئات المستقلة وتحديد توقيتات زمنية لتشريع القوانين المهمة، وعلى اختيار الكتل السياسية لممثليها في الحكومة الجديدة مع حفظ “التوازنات الوطنية”، مما يعني عمليا أن المطالب بقيام حكومة تكنوقراط مستقلين قد ذهبت أدراج الرياح.
يأتي ذلك فيما أعلن وزراء التيار الصدري تقديم استقالاتهم من الحكومة، معللين ذلك بعدم رغبة الكتل السياسية بالتخلي عن “مصالحها الضيقة” والإصرار على ترشيح وزراء الحكومة الجديدة.
ويؤكد عضو كتلة الأحرار البرلمانية التابعة للتيار الصدري عبد العزيز الظالمي أن وزراء التيار لن يعودوا للحكومة ما لم تتحقق “مطالب الشعب العراقي”، واصفا الوثيقة الجديدة بـ”العرجاء” ولا تمثل كل الكتل السياسية، حيث قاطعت هذه الاجتماعات العديد من الأحزاب والكتل.
محاصّة وتوافقات
وأضاف الظالمي للجزيرة نت أنهم دعوا إلى تشكيل حكومة بعيدة عن المحاصّة الطائفية والتوافقات السياسية، وأن تترك الفرصة لرئيس الوزراء حيدر العبادي كي يختار وزراءه ويراقب أداءهم ويحاسبهم، لكن بعض الكتل ترفض هذه المطالب.
وأكد المتحدث ذاته أنه إذا لم يتم التصويت على حكومة التكنوقراط فسيتم تجميد عمل كتلة الأحرار وسحب الثقة عن العبادي، ولم يستبعد عودة التيار إلى المظاهرات إذا ما أصرت بعض الكتل السياسية على مصادرة حقوق الشعب العراقي، على حد قوله.
وتنص الوثيقة الجديدة على إنشاء مجلس سياسي استشاري يضم قادة القوى السياسية الأساسية إلى جانب الرئاسات الثلاث، وينعقد شهريا لمناقشة الإستراتيجيات العليا للبلاد، وفك “الاختناقات السياسية”، على أن يتم تشكيل المجلس المذكور خلال شهر من إقرار الوثيقة.
وتطالب معظم الكتل بأن يكون لها الحق في ترشيح ذوي الكفاءة والخبرة للحكومة القادمة كما يقول النائب عن اتحاد القوى العراقية زاهد الخاتوني.
ويضيف الخاتوني أن الاتفاق الجديد يتضمن أن تقدم الكتل مرشحيها إلى العبادي ليختار الأنسب منهم ممن تنطبق عليه شروط الكفاءة والأمانة، وهو ما لا يتعارض مع صفة التكنوقراط، حسب قوله.
واستبعد أن يتم التصويت الجديدة هذا الأسبوع، لأن الكتل ما زالت تناقش بنود الوثيقة الجديدة وتبحث التعديلات الممكنة عليها، وهذا يتطلب مزيدا من الوقت.
وأشار الخاتوني إلى أنهم ككتلة لا يريدون مجرد تغيير للوجوه، وإنما عملية تغيير حقيقية تشمل إصلاح القضاء ومحاربة الفساد المالي والتصويت على قرارات مهمة ومصيرية تأخرت كثيرا، وفقا لتعبيره.
مآلات الحراك
ويرى كثيرون أن مآلات الحراك السياسي والشعبي -الذي شهده الشارع العراقي مؤخرا- لن تكون وفق ما يتمناه المحتجون.
وهو ما يراه المحلل السياسي مهدي جاسم الذي يعتبر أن هذه الكتل تقدم نفسها على أنها الممثلة الوحيدة لمكوناتها، ولا يمكن تحت هذا العنوان أن تتنازل عن امتيازاتها الكبيرة.
وأضاف جاسم أن الكتل السياسية استطاعت أن تستوعب صدمة رفض الشارع لها، وأن تقف على قدميها من جديد، وبدأت في المناورة والتلويح بسحب الثقة من العبادي.
ووفقا لجاسم، فإن الوثيقة الجديدة منحت الكتل السياسية الحق في مشاركة فعلية بالتشكيلة الجديدة، وسرعان ما سيتم تثبيت وجودها من خلال المناصب التي ستسند إليها، وستغرق البلاد في المزيد من الأزمات، فيما سيتحجج العبادي بالمؤامرة والظروف التي تحيط بالبلاد.
ولفت إلى أن حكومة العبادي كانت على شفا الانهيار، لكن التدخل الخارجي -خاصة الأميركي متمثلا في زيارة جون كيري واتصال جو بايدن– أنقذها في اللحظات الأخيرة، لتحصل التشكيلة المرتقبة على الضوء الأخضر أميركيا، مما يعني أنها سترى النور قريبا، وفقا لتوقعه.
مروان الجبوري
الجزيرة نت