منذ خلف الملك سلمان بن عبدالعزيز أخاه عبدالله رحمه الله لم يدخر المتربصون بالعروبة والإسلام وسعاً في تمني الشر وسوء المصير للعلاقات المصرية- السعودية التي تمثل جنباً إلى جنب مع العلاقات المصرية- الإماراتية أساساً بالغ الأهمية لأمن مصر والخليج معاً بل ولمجمل الأمن العربي، وفي هذا الإطار أخذ هؤلاء المتربصون يرتبون أفكارهم التي تتسق وأحلامهم المريضة بخصوص مستقبل تلك العلاقات، فالملك سلمان غير راضٍ عن استبعاد «الإخوان المسلمين»، حسب زعمهم، من المعادلة السياسية في مصر وسيدعو إلى مصالحة بينهم وبين نظامها، كما أنه سيدعو مصر بالتأكيد إلى مصالحة تركيا بدورها لحاجته لها في تحالف إقليمي ضد إيران، ولذلك فسيتعين على مصر أن تقبل بتنازلات أساسية في قضيتي العلاقة مع كلٍ من «الإخوان» وتركيا وإلا فعليها أن تنسى ما هو قائم من مساندة سعودية فعالة لها في الأوضاع الصعبة التي تمر بها! بل وزاد المتربصون أن السعودية والإمارات غير راضيتين عن السياسة المصرية تجاه قضايا محددة أهمها سوريا واليمن مما يعزز استخلاصاتهم السابقة! ومن هذا المنظور تحديداً تنبع الأهمية الاستثنائية لزيارة العاهل السعودي لمصر.
في الإطار السابق تأتي زيارة الملك سلمان لمصر تفنيداً لكل ما سبق فعلى رغم غياب أي مؤشر رسمي على وجود أزمة أو حتى بوادر لها في العلاقات بين البلدين إلا أن هذه الزيارة بالأبعاد التي نراها لا يمكن للعين أن تخطئ دلالتها، فهي زيارة طويلة بمعايير زيارات القمة الأمر الذي انعكس على شمولها كافة أبعاد العلاقات وإن كان يعنيني من هذه الأبعاد ثلاثة أولها مشروع الجسر الذي سيربط برياً بين مصر والسعودية بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد استراتيجية واقتصادية وزيادة في التواصل بين الشعبين. غير أن أهمية الجسر لا تقتصر على الدولتين فحسب وإنما تتجاوزهما إلى مجمل الوطن العربي، ذلك أن الجسر سيعيد للمرة الأولى منذ نشأة إسرائيل في 1948 الصلة البرية بين مشرق الوطن العربي ومغربه. ولعل إنشاء الجسر يكون بدايةً للقضاء على القصور الفادح في شبكة المواصلات في الوطن العربي الذي لا يمكن أن يتحقق تكامل اقتصادي حقيقي بين دوله دون شبكة مواصلات حديثة وشاملة.
أما البعد الثاني فهو مذكرة التفاهم بشأن الطاقة النووية، فقد أصبح الوطن العربي محصوراً بين فكي كماشة نووية طرفاها إسرائيل وإيران، وهو وضع غير مقبول من منظور الأمن القومي، ومن الأهمية بمكان أن تتضافر كافة الجهود العربية وبصفة خاصة في مصر والإمارات والسعودية من أجل التأسيس لمقدرة نووية عربية. وغني عن الذكر أننا لا نتحدث عن المسألة من منظور عسكري لكنه لم يعد مقبولاً أن يتخلف العرب في المجال النووي. وأخيراً فإن البعد الثالث الذي أود التركيز عليه هو الطابع الشعبي والمجتمعي للزيارة فقد خاطب الملك سلمان نواب شعب مصر والتقى شيخ الأزهر وفي لفتة غير مسبوقة التقى بطريرك أقباط مصر الأمر الذي يظهر صورة الإسلام الحقيقي بعد أن شوهها الإرهابيون أيما تشويه، وهو سلوك ليس جديداً علينا فلا ننسى على سبيل المثال أن دولة الإمارات قد بنت لأقباط مصر كنيسة رائعة يمارسون فيها شعائر دينهم، ونستطيع أن نتفاءل بهذه النماذج السلوكية من أننا سنكسب المعركة من أجل تقديم الصورة الحقيقية للإسلام رغم أنف القتلة.
لكن الزيارة لا تكتسب أهميتها من طابعها الثنائي فقط وإنما تمتد هذه الأهمية إلى مغزاها العربي في إطار ما يواجهه العرب من تحديات إقليمية وعالمية، أما الإقليمية فتتمثل في المشاريع الإسرائيلية والإيرانية والتركية للهيمنة على المنطقة، وأما العالمية فترتبط بالأفكار الساذجة والمسمومة التي كشف عنها التقرير الذي نُشر في مجلة «ذي أتلانتك» وبموجبه يرى أوباما أن الشرق الأوسط قد فقد أهميته بالنسبة للولايات المتحدة على ضوء الثورة في مجال الطاقة بينما تمثل آسيا بالنسبة له نداء المستقبل وينصحنا بأن «نتشارك» مع إيران، ومن هنا تكتسب الزيارة أهمية مضافة بقدر ما تشير إلى أن العرب في سبيلهم إلى التصدي للمخاطر الخارجية بقرارات عربية كما فعلوا عندما أوقفوا التغلغل الإيراني في اليمن بعاصفة الحزم.
د.أحمد يوسف أحمد
صحيفة الاتحاد