مثلما لا يصحّ أن تكون الديانة حُجة على معتنقيها، في خطاب من لا يعتنقونها؛ فإن النصيْرية واحدة من هذه الديانات، أو المذاهب إن شئنا. مناسبة الحديث هو ظهور تلك الرؤية، ذات المنحى الفلسفي والتاريخي التي أسماها أصحابها النصيريون “وثيقة الإصلاح”، وأعربوا من خلالها عن رغبتهم في “عهدٍ جديد”، تصبح فيه المواطنة المتساوية التي يوفرها نظام ديمقراطي الضامنة لمستقبل طائفتهم، وملبيةً رغبتهم في مغادرة الإحساس بالمظلومية التاريخية الذي استثمره النظام، واهتم بتغذيته، بتكثيفٍ عالٍ، أربعة عقود. كان يتعمّد لكي يجعل نفسه مؤسسة الطائفة وشرط بقائها، وسبباً لإبقائها مشبعةً بفكرة صراع الوجود، فقد كان ذلك الاستثمار هو الذي أربك علاقة العلويين بمن حولهم، فيما هم يميلون في أعماقهم إلى علاقةٍ وطيدة، بغير ارتياب، مع أشقائهم في الوطن وفي الحياة. فأصحاب الوثيقة، الذين ينتمون إلى فئة النخبة، من شيوخ ومثقفين، حسموا أمرهم، واعتبروا مظلومية طائفتهم جزءاً من ماضٍ، لا ينبغي أن تكون له ردود أفعال سياسية وأمنية، ولا تبرّر إيقاع مظلومية أفظع بكثير، بالطائفة الأكبر، وبشعب الوطن كله.
كان لافتاً، ضمن المواد الــ 35 في الوثيقة العلوية، أن من صاغوها تعمّدوا تعيين الفارق بين المذهب الشيعي، بكل فرقه، والمذهب النصيري، والتأكيد على الاختلاف بين الطرفين، في المعتقدات والطقوس والأعراف، ما يعني أن أخذ الطائفة إلى المربع الإيراني لا يعدو كونه توظيف الطائفة، لصالح حلف أيديولوجي ــ سياسي، تقوده طهران، بمؤسستها الدينية، ولا يعبر عن طموحات العرب العلويين، ولا حتى عن العرب الشيعة. بل إن ظاهرة التدين، والميل إلى مشروع أصولي، لا يناسبان طائفةً يُعرف عن غالبيتها الاكتفاء بقليلٍ من الكلام الرمزي، وعدم الميل إلى التعبّد، وغير موصولة بأوقات احتشاد للاستماع إلى خطابةٍ حادة، مع الصلاة أو بدونها.
يدحض هؤلاء فكرة أن العلويين هم الذين حملوا وحدهم، أو أكثر من حملوا، المشروع الديكتاتوري، ويقولون إن التعامل بشفافيةٍ بين الطوائف، كمكوناتٍ للمجتمع، على أساس المساواة التامة وعلنيّة المعرفة بين جميع المواطنين؛ أمرٌ خلت منه سورية طوال فترة حكم سلالة الأسد، حيث لم يعرف المواطن العادي الحد الأدنى من المعلومات الصحيحة، عن الآخر، من مواطنيه. فالنظام ادّعى، دائماً، أن لا عناصر تفريق بين المواطنين، وكان يتجاهل هذه العناصر، بهدف تذويبها، غير أن الممارسات، في واقع العقود الخمسة الماضية، كما يقولون، كانت بالعكس تماماً، مثلما يكشف زيف القول بتمثيل السلطة للشعب السوري، هذا التوحش الذي شهدناه خلال السنوات الخمس الأخيرة.
من بين عناصر دحض فكرة تحميل العلويين أوزار النظام، يقول أصحاب الوثيقة، إن هذا النظام، في عهدي الأسد الأب والأسد الابن، تعامل وتشارك مع شخصياتٍ وقادةٍ ورموزٍ من الطائفة الأكبر، وساعده كثيرون على تكريس شخصية الحاكم ــ الديكتاتور، وإضفاء صفة السرمدية عليه، وروّجوا مقولة “الأسد إلى الأبد”. وهذا صحيح، شاهده كاتب هذه السطور بنفسه، في نوفمبر/ تشرين الثاني 1970 عندما عُلقت في وسط دمشق، وعند مدخل سوق الحميدية، لافتات تقول: “طلبنا من الله المدد، فأرسل إلينا حافظ الأسد”. أيامها، كان رئيس غرفة تجارة وصناعة دمشق، بدر الدين الشلاح، يفسّر أسباب ابتهاج التجار بمجيء الأسد، بأن النظام الاشتراكي الذي زج الأسد برموزه في السجن، كان يريد تأميم شركاتنا وضرب مصالحنا، و”قد جاءنا من يدخل معنا في شراكة، ويفهمنا ونفهمه”.
نعلم، من نص وثيقة العلويين من النخبة، أنهم يتطلعون إلى مرحلة ظهور “علويين جدد”، حسب تعبيرهم، في محاولةٍ لتمثيل ضمير طائفتهم، غير أن علويين جدداً، بمعنىً مغاير، ومن كل الطوائف والأديان، يظهرون في سياق الدفاع عن النظام، بذريعة الخوف على سورية من الإسلاميين، بكل تدرجات خطاباتهم.
كان لافتاً، ضمن المواد الــ 35 في الوثيقة العلوية، أن من صاغوها تعمّدوا تعيين الفارق بين المذهب الشيعي، بكل فرقه، والمذهب النصيري، والتأكيد على الاختلاف بين الطرفين، في المعتقدات والطقوس والأعراف، ما يعني أن أخذ الطائفة إلى المربع الإيراني لا يعدو كونه توظيف الطائفة، لصالح حلف أيديولوجي ــ سياسي، تقوده طهران، بمؤسستها الدينية، ولا يعبر عن طموحات العرب العلويين، ولا حتى عن العرب الشيعة. بل إن ظاهرة التدين، والميل إلى مشروع أصولي، لا يناسبان طائفةً يُعرف عن غالبيتها الاكتفاء بقليلٍ من الكلام الرمزي، وعدم الميل إلى التعبّد، وغير موصولة بأوقات احتشاد للاستماع إلى خطابةٍ حادة، مع الصلاة أو بدونها.
يدحض هؤلاء فكرة أن العلويين هم الذين حملوا وحدهم، أو أكثر من حملوا، المشروع الديكتاتوري، ويقولون إن التعامل بشفافيةٍ بين الطوائف، كمكوناتٍ للمجتمع، على أساس المساواة التامة وعلنيّة المعرفة بين جميع المواطنين؛ أمرٌ خلت منه سورية طوال فترة حكم سلالة الأسد، حيث لم يعرف المواطن العادي الحد الأدنى من المعلومات الصحيحة، عن الآخر، من مواطنيه. فالنظام ادّعى، دائماً، أن لا عناصر تفريق بين المواطنين، وكان يتجاهل هذه العناصر، بهدف تذويبها، غير أن الممارسات، في واقع العقود الخمسة الماضية، كما يقولون، كانت بالعكس تماماً، مثلما يكشف زيف القول بتمثيل السلطة للشعب السوري، هذا التوحش الذي شهدناه خلال السنوات الخمس الأخيرة.
من بين عناصر دحض فكرة تحميل العلويين أوزار النظام، يقول أصحاب الوثيقة، إن هذا النظام، في عهدي الأسد الأب والأسد الابن، تعامل وتشارك مع شخصياتٍ وقادةٍ ورموزٍ من الطائفة الأكبر، وساعده كثيرون على تكريس شخصية الحاكم ــ الديكتاتور، وإضفاء صفة السرمدية عليه، وروّجوا مقولة “الأسد إلى الأبد”. وهذا صحيح، شاهده كاتب هذه السطور بنفسه، في نوفمبر/ تشرين الثاني 1970 عندما عُلقت في وسط دمشق، وعند مدخل سوق الحميدية، لافتات تقول: “طلبنا من الله المدد، فأرسل إلينا حافظ الأسد”. أيامها، كان رئيس غرفة تجارة وصناعة دمشق، بدر الدين الشلاح، يفسّر أسباب ابتهاج التجار بمجيء الأسد، بأن النظام الاشتراكي الذي زج الأسد برموزه في السجن، كان يريد تأميم شركاتنا وضرب مصالحنا، و”قد جاءنا من يدخل معنا في شراكة، ويفهمنا ونفهمه”.
نعلم، من نص وثيقة العلويين من النخبة، أنهم يتطلعون إلى مرحلة ظهور “علويين جدد”، حسب تعبيرهم، في محاولةٍ لتمثيل ضمير طائفتهم، غير أن علويين جدداً، بمعنىً مغاير، ومن كل الطوائف والأديان، يظهرون في سياق الدفاع عن النظام، بذريعة الخوف على سورية من الإسلاميين، بكل تدرجات خطاباتهم.
عدلي صادق
العربي الجديد