بالتأكيد ليس هذا هو الإصلاح الذي نريد، وليس هذا هو البديل الذي نسعى إليه، ولا هؤلاء هم الذين نعوّل عليهم في تحقيق الإصلاح وإنجاز البديل. الإصلاح الذي نطلب ونحتاج إليه منذ زمن هو الذي، في أول خطوة له، يقوّض نظام المحاصصة ثم يطيح برؤوس الفساد الإداري والمالي تمهيداً لتنظيف الدولة والمجتمع من هذا الوباء الذي قوّض أركان الدولة والمجتمع.
النوّاب الذين أعلنوا “اعتصامهم” داخل مجلس النواب أول من أمس هم، بأغلبيتهم الساحقة، جزء من النظام السياسي الذي تسعى الحركة الشعبية الاحتجاجية الى إصلاحه، وهم الأبناء والبنات الشرعيّون لنظام المحاصصة، وهم متمسّكون بهذا النظام الذي يحقّق لهم مصالح ومنافع لا يستحقونها، وهم هدف لمطالبات الحركة الاحتجاجية بالإصلاح والتغيير.
ليست مفارقة أن يتصدّر ما سُمّي بـ “الاعتصام” داخل مبنى البرلمان أعضاء معروفون بفسادهم، وبعضهم مُصنّفون في خانة مرتكبي الجرائم الإرهابية وفلول النظام السابق، وما كان لهم أن يكونوا أعضاء في المؤسسة التشريعية لولا نظام المحاصصة والتواطؤات والصفقات السياسية الفاسدة.
لا ينبغي لنا أن نقع في الخطأ وأن نرتكب الخطيئة بالتصفيق لهؤلاء الذين يسعون إلى خلط الأوراق وإثارة الفوضى للتشويش على قضية الإصلاح والتغيير وحرْفِها عن مسارها والإجهاز عليها. كيف لنا أن نصدّق أنهم يعتصمون احتجاجاً على نظام المحاصصة ويريدون حكومة تكنوقراط مستقلين، بينما لم نسمع منهم كلمة تأييد، أو في الأقل تفهّم، للحركة الاحتجاجية المتواصلة منذ أكثر من ثمانية أشهر؟.. وكيف لنا أن نصدّق أنهم إصلاحيون فيما كانوا قد تراجعوا عن تأييد الحزم الإصلاحية التي أعلنتها الحكومة ومجلس النواب منذ ثمانية أشهر؟ .. وكيف نصدّق أنهم يريدون الإصلاح والتغيير فيما شنّ زعماء البعض منهم حرباً علنيّة على فكرة حكومة التكنوقراط معتبرين إيّاها “مؤامرة” ضد الإسلام السياسي والقائمين عليه؟
التفسير الأرجح لتصدّر هؤلاء حركة “الاعتصام” داخل مبنى مجلس النواب هو أن البعض منهم كان طامعاً بحقائب وزاريّة في الحكومة الجديدة، لأنّ الوزارة صارت الدجاجة التي تبيض ذهباً، فيما آخرون يَسعون لركوب الموجة، ذلك إنهم يخافون من أن يُطاح بهم ويساقون إلى القضاء إذا ما أخذت عملية الإصلاح والتغيير مداها وبلغت أهدافها.
لا هؤلاء الذين رابطوا في مبنى مجلس النواب وأحدثوا فوضى ضاجّة في قاعته وأروقته لزوم البثّ التلفزيوني والإنترنتي المباشر، ولا أولئك الذين وقّعوا “ميثاق الشرف” الذي يُعيد إنتاج نظام المحاصصة، هم مَن يلزموننا لتحقيق الإصلاح وإنجاز التغيير .. إنهم، بأغلبيتهم الساحقة، جزء حيويّ من منظومة الفساد الخبيثة التي لا ينفع معها ولا يفيد غير الـ “شلع قلع” الذي دقّتْ ساعته وحان أوانه.
عدنان حسين
صحيفة المدى