في ضوء زيارة الملك سلمان لمصر، والتي وصفتها معظم وسائل الإعلام بأنها تاريخية وغير مسبوقة، ما هو نمط العلاقات الدولية بين مصر ودول الخليج؟ نظرية العلاقات الدولية التقليدية والمستتبة لدى العموم، تقوم على عدة مبادئ تبدو واقعية ومنطقية. أول هذه المبادئ أن النظام الدولي يقوم أساساً على الدول ذات السيادة، وثانيها أنه ما دامت هذه الدول تتمتع فعلاً بالسيادة القانونية (بغض النظر عما إذا كانت فعلية أم لا)، فليس هناك مؤسسة فوق هذه الدول تحسم خلافاتها كما يحدث في السياسة الداخلية من جانب الحكومة. وهكذا، وبما أنه ليست هناك حكومة عالمية، فإن العلاقات الدولية -وهذا هو المبدأ الثالث- تتسم بـ«الفوضى»، حيث تصبح كل دولة في هذه الحالة تواجه معضلة الأمن، وتكون دائماً مضطرة للدفاع عن نفسها في عالم «الفوضى» هذا. ومن هنا سيطرت الناحية العسكرية وتكويم السلاح، سواء عن طريق الإنتاج المحلي أو إبرام صفقات التسلح مع الخارج.
ومقارنةً بما يحدث الآن في العلاقات المصرية الخليجية عامة، وليس المصرية السعودية فقط، نرى أن ذلك التوصيف التقليدي للعلاقات الدولية يجب أن يتغير، وبشكل جذري أحياناً. نعم الدول حاضرة وبقوة في هذه العلاقات، لكن التفاعلات بين مصر وأشقائها في الخليج لا تقتصر بالمرة على الجوانب الرسمية بين الدول، بل هناك جزء شعبي مهم في هذه العلاقات، بما في ذلك العمالة المصرية في الدول الخليجية، والتي تتجاوز الآن ثلاثة ملايين نسمة، كما أن التحويلات المالية التي يبعثها هؤلاء المصريون إلى ذويهم تتجاوز في تأثيراتها المستوى الفردي المباشر، لتسهم في الاقتصاد المصري وفي حجم الاحتياطي النقدي الآمن من العملات الأجنبية.
وعلى المستوى الشعبي ذاته، أو ما يتعدى الدول، هناك أيضاً مستوى الاستثمارات الخليجية، والتي هي على اتصال مباشر بالجماهير، مثل الاستثمار في العقارات والمراكز التجارية، وكذلك بعض النواحي السياحية.. وباختصار قد تكون هذه الناحية الشعبية أكثر حضوراً وكثافة من العلاقات الحكومية التقليدية. كما يجب التنويه إلى أن هذه العلاقات الشعبية بدأت قديماً قبل تغول العولمة التي يربط كثير من المحللين بينها وبين هذا النمط الجديد من العلاقات الدولية.
الناحية الأخرى التي نستمدها من نظرية العلاقات الدولية التقليدية، والتي تجب مراجعتها في ضوء العلاقات المصرية الخليجية، هي أهمية العلاقات العسكرية. صحيح أنه كانت هناك في الماضي بعض المظاهر العسكرية، خاصة في علاقة مصر بالسعودية خلال ستينيات القرن الماضي، عندما قامت مصر بإرسال قواتها العسكرية إلى اليمن لدعم ثورتها عام 1962 وإرساء النظام الجمهوري هناك.. لكنه كان الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، فالنواحي العسكرية الحاضرة باستمرار إنما تتجلى في «التحالف الاستراتيجي» بين مصر وهذه الدول، أو بعضها على الأقل، حيال دول أو تجمعات أخرى.
ونعلم أن هناك تراجعاً للنواحي التقليدية للعلاقات الدولية، وظهوراً لأنماط جديدة من العلاقات في أماكن أخرى من العالم، ومثال ذلك العلاقات الأميركية الكندية التي تميزت بتداخل شعبي أكثر بكثير من العلاقات بين الحكومتين في واشنطن وأوتاوا، حتى قبل مأسسة منطقة التجارة الحرة لأميركا الشمالية، وبالطبع فإن النمط الجديد لهذه العلاقات تأسس أيضاً في أوروبا حتى قبل تطور الاتحاد الأوروبي، فهل نرى مثيلاً لهذا التطور في العلاقات المصرية الخليجية مستقبلاً؟
د.بهجت قرني
صحيفة الاتحاد