أصرّ النظام السوري على إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري في مناطق سيطرته، يوم الأربعاء، على الرغم من تصاعد المواجهات المسلحة والإضرابات الناتجة عنها، في مختلف مناطق سورية في الأيام الأخيرة، بعد الانهيار الفعلي للهدنة التي تم الإعلان عنها بين النظام والمعارضة في 27 فبراير/ شباط الماضي. لكن الانتخابات التي سخّرت الآلة الإعلامية الموالية للنظام، لترويجها على أنها “عرس ديمقراطي”، فشلت في نقل هذه الصورة، لتنعكس بأثر عكسي على مروّجيها، وباتت المظاهر الانتخابية التي شهدتها مناطق سيطرة النظام، محلاً لسخرية السوريين وتندّرهم بسبب المشاهد الهزلية التي كرستها في الشارع السوري.
وصفت منال المظاهر الاحتفالية أمام مراكز الانتخابات التي افتتحها النظام في اللاذقية بأنها “قمّة في الانفصال عن الواقع، إذ يقوم مؤيدو النظام بعقد حلقات الدبكة (رقصة شعبية)، بوجود الطبول والأغاني التي تمجّد النظام، في لحظة مرور سيارات الإسعاف التي تحمل جرحى ومصابي قوات النظام، الآتين من المعارك في ريف اللاذقية. يتوقف الراقصون حينها عن الرقص للحظات ليهتفوا بحياة الأسد وجيش النظام، قبل أن يعودوا للرقص مجدداً وكأن شيئاً لم يكن”.
وتزامنت الانتخابات التي أجراها النظام في مناطق سيطرته، مع تصاعد وتيرة المواجهات على مختلف جبهات القتال، إذ لم تغب أصوات الطائرات الحربية، والتي لا تغادر الأجواء وهي تؤازر قوات النظام في قتالها ضد المعارضة السورية، عن المراكز الانتخابية، والتي كانت شبه خالية من المقترعين، باستثناء المراكز التي توجّهت وسائل الإعلام الموالية للنظام إليها، وملأتها أجهزة استخبارات النظام بالمقترعين من الموظفين والطلاب، والذين جُلبوا قسراً ليضعوا أوراقاً مكتوبة سلفاً بصناديق الاقتراع، ليتاح للمصورين من وسائل الإعلام الموالية للنظام تصويرهم.
واتخذت اللجنة القضائية العليا للانتخابات التابعة للنظام، مساء الأربعاء، قراراً بتمديد فترة انتخابات مجلس الشعب لمدة خمس ساعات حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً بدلاً من السابعة، للتغطية على حقيقة الإقبال شبه المعدوم على الانتخابات التي أجريت في مناطق سيطرة النظام، مبررةً هذا القرار بأنه “اتُخذ لإتاحة الفرصة أمام الناخبين الذين لم يتسنّ لهم ممارسة حقهم الانتخابي، لاختيار ممثليهم في مجلس الشعب”، حسبما نقلت وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا”.
وبرّرت اللجان قرارها بـ”انتهاكات شهدتها العملية الانتخابية في هذه المراكز، وكان أحد هذه المراكز هو مركز مدرسة زكريا عياش في حي الأشرفية، والذي يبعد أقلّ من مائتي متر عن خط الاشتباك بين قوات النظام وقوات المعارضة، ولا يمكن للمواطنين الوصول إليه من دون موافقة مسبقة من حواجز قوات النظام العسكرية في المنطقة”. لكن كل جهود النظام لإضفاء الشرعية على انتخاباته التشريعية كانت عديمة الجدوى في ظلّ اضطراره إلى إعلان افتتاح مراكز انتخابية للمناطق التي لا يسيطر عليها في مناطق سيطرته.
في هذا السياق، أعلنت اللجنة القضائية العليا للانتخابات في 28 مارس/ آذار الماضي، أنها “استحدثت مراكز انتخابية لدائرة محافظة إدلب الانتخابية، والتي تسيطر عليها المعارضة بالكامل، في محافظات دمشق وحماة واللاذقية وحلب وطرطوس، فضلاً عن مراكز انتخابية لدائرة محافظة الرقة، والتي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في كل من دمشق وحماة واللاذقية وطرطوس والحسكة. كما استحدثت مراكز انتخابية لدائرة مدينة حلب، والتي تسيطر المعارضة على نحو 60 في المائة من مساحتها، في دمشق واللاذقية وطرطوس، فضلاً عن إنشاء مراكز انتخابية لدائرة ريف حلب”، والتي تتقاسم السيطرة عليها قوات المعارضة والنظام و”داعش” والقوات الكردية، وذلك في مناطق سيطرة النظام بمدينة حلب، بالإضافة إلى دمشق واللاذقية وطرطوس.
كما استُحدث مركز انتخابي لمحافظة دير الزور التي يسيطر عليها “داعش” بشكل شبه كامل، في دمشق والحسكة، أما محافظة درعا التي تسيطر المعارضة على معظمها، فأُنشئت مراكزها الانتخابية في دمشق وريف دمشق والسويداء.
وعلى الرغم من حشد النظام آلته الإعلامية لتسويق الانتخابات، إلا أنه كان لافتاً عدم اكتراث المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا للانتخابات. وفي مؤتمره الصحافي مساء الأربعاء، أعلن دي ميستورا أن “وفد النظام السوري سيصل غداً الجمعة إلى جنيف، متأخراً ليومين عن الموعد المحدد لانطلاق المفاوضات بحجة الانتخابات البرلمانية”، لافتاً إلى أن “جولة المباحثات غير المباشرة الجديدة بين المعارضة والنظام، ستركز على نقاط الحكم والدستور والانتخابات”.
بدورها عبّرت روسيا عن دعمها لنظام الأسد بإجرائه الانتخابات التشريعية في هذه الظروف، على الرغم من استمرار المفاوضات بين النظام والمعارضة لتحقيق انتقال سياسي في سورية. وفي هذا الصدد، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن “انتخابات مجلس الشعب السوري عامل مهم لتحقيق الاستقرار في البلاد”. وينتظر أن تعلن اللجنة العليا للانتخابات خلال أيام أسماء 250 عضواً في مجلس الشعب من أصل أكثر من ثلاثة آلاف، تمّ قبول طلبات ترشيحهم إلى الانتخابات.
رامي سويد
صحيفة العربي الجديد