يوم الأحد الماضي السابع عشر من أبريل الحالي اجتمعت الوزارة الإسرائيلية في مرتفعات الجولان لأول مرة ليعلن بعدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستبقى بشكل دائم في المرتفعات، وأنها لن تتخلى عنها وإلى الأبد.
وذهب به الصلف بعيدا ليطالب المجتمع الدولي بأن يعترف بالأمر الواقع، وقدم أسبابا سخيفة لهذا الموقف أشبه بتبرير عضو الكنيست الليكودية، أنات بيركو، التي توصلت بعبقريتها إلى أن فلسطين لا وجود لها، لأن اللغة العربية لا تضم بين حروفها الباء المعطشة. ثم قال إنه أبلغ وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بهذا القرار يوم السبت قبيل الاجتماع، مؤكدا أن الحدود السورية لن تعود كما كانت قبل خمس سنوات، الذي لم يقله نتنياهو هو رد فعل الوزير الأمريكي على هذا القرار.
التوقيت
يأتي مثل هذا القرار في وقت يعمل لصالح إسرائيل من كل الجهات، فلسطينيا وعربيا ودوليا. ففي الوقت الذي تغولت إسرائيل في تطرفها بشكل غير مسبوق، يتهاوى ما تبقى من نظام عربي بائس، ينشغل بحروب داخلية وفشل اقتصادي وتجاذب طائفي، حتى أصبحت المنطقة العربية غائبة عن المشهد الدولي وتفردت إسرائيل في فرض إرادتها على الدول صغيرها وكبيرها، وطوت تحت جناحيها مواقف الدولتين الكبريين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي.
روسيا لن تأخذ مواقف حازمة إلا إذا تعلق الأمر بإسرائيل، فالتعاون بين الدولتين في أحسن حالاته، حيث كلفت روسيا بإعادة جثمان الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي أعدم عام 1965 في ساحة المرجة في دمشق، والذي كاد أن يتبوأ منصبا وزاريا رفيعا قبيل اكتشافه. وقد تكون زيارة نتنياهو لصديقه بوتين الحالية حول هاتين النقطتين. والقرار جاء بعد تمدد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، لتشمل المملكة السعودية بعد إعادة أو بيع أو إهداء جزيرتي تيران وصنافير من قبل نظام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي تفوق على الرئيس المخلوع بعشرات الدرجات في تنفيذه وتبنيه للأجندة الإسرائيلية. فبعد إنجازاته الإسرائيلية العظيمة في قطاع غزة، ها هو يلتفت إلى السعودية ويضمها للمعاهدة المذكورة. واقرأ ما كتبت «هآرتس» حول هذا الموضوع يوم 13 أبريل الحالي، «إن إسرائيل تلقت تعهدا خطيا بالحفاظ على حريتها في الملاحة عبر مضائق تيران، بعد قيام مصر بتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يعلون إن الوثيقة تتضمن التزاما سعوديا بالاتفاقيات بين إسرائيل ومصر بشأن الملاحة عبر المضائق في إطار اتفاق السلام بينهما عام 1979».
والقرار جاء جاء في ظل تعثر المحادثات السورية السورية بعد التصعيد العسكري غير المسبوق من قبل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، وانحيازهم للحل العسكري، بعد تجدد الأمل بإمكانية التوصل لحل سياسي قائم على الانتقال السلمي لمرحلة ما بعد الحرب الأهلية، انطلاقا من القرار الدولي 2254 وبيان جنيف المتفق عليه بين الدول الخمس دائمة العضوية، الذي يفتح المجال لتشكيل سلطة تنفيذية كاملة الصلاحيات تقود البلاد في المرحلة الانتقالية التي يكتب فيها دستور توافقي يفضي إلى انتخابات حرة وعادلة ونزيهة وذات مصداقية لدولة سوريا الديمقراطية التعددية، الحاضنة لكل أبنائها الذين سيتمتعون بالمساواة التامة في دولة القانون. والقرار جاء في ظل مشاركة وفد رياضي إسرائيلي في منافسات الكرة الشاطئية في الدوحة، ورفع العلم الإسرائيلي لأول مرة. وقد شارك اللاعبون الإسرائيليون في مباريات سابقة في الدوحة بدون رفع العلم.
والقرار يأتي بعد قرار الإمارات العربية فتح مكتب تمثيل لإسرائيل في أبو ظبي تحت غطاء الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا». ولتدشين المكتب قام وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلي دوري غولد بزيارة رسمية للإمارات «لوضع اللمسات الأخيرة على المكتب قبل الافتتاح». والقرار جاء في ظل حملة انتخابية غير مسبوقة في الولايات المتحدة يتنافس فيها أنصار إسرائيل على من يقدم لها أكثر، خاصة هيلاري كلينتون التي أصبحت أقرب إلى موقف الليكود منها إلى موقف أوباما، بل وكانت في مناظرتها مع بيرني ساندرز مساء الجمعة الماضي متحمسة لإسرائيل وحقها في ذبح الفلسطينيين، أقرب إلى موقف أفيغدور ليبرمان حتى من موقف نتنياهو.
والقرار جاء في ظل تعطيل أي محاولة لإصدار بيان أو قرار من مجلس الأمن يتعلق بالممارسات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، خاصة التوسع غير المسبوق في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وهدم البيوت والقتل خارج إطار القانون وإطلاق النار على الأطفال والاعتقالات بهدف قمع هبة الأقصى التي تدخل شهرها الثامن.
والقرار جاء في ظل تمسك السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني وتسليمها المناضلين لأجهزة الأمن الإسرائيلية والتباهي باعتقال الرافضين للاحتلال، وإفشال محاولاتهم الفردية بتنفيذ مقاومة مشروعة للاحتلال وتفتيش الأطفال وقمع المظاهرات والإضرابات. فكيف من يحمي عدوه يطالب المجتمع الدولي بتقديم الحماية له؟ وكيف لمن يسهر على حماية قوات الاحتلال يدعي أنه يحمي شعبه؟
بين القانون الدولي وقانون الغاب
إن القانون الدولي في مسألة ضم الأرض بالقوة لا يحتاج إلى اجتهاد. وقد نص ميثاق الأمم المتحدة وكافة القوانين الدولية والمعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالنزاعات المسلحة على عدم جواز السيطرة على الأرض أو ضمها أو تغيير معالمها أو ترحيل سكانها أو استجلاب سكان من دولة الاحتلال ونشرهم في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال أو تغيير معالم الأرض أو تغيير البنية الثقافية أو التاريخية أو العمرانية أو استغلال الموارد الطبيعية للأرض المحتلة أو إقامة أي منشآت فوقها.
وقد نظر مجلس الأمن، أيام كان مسموحا له أن ينظر ويقرر، في مسألة قرار إسرائيل يوم 14 ديسمبر 1981 بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان، واعتبر ذلك ملغيا وباطلا وبدون فعالية قانونية على الصعيد الدولي، كما نص على ذلك القرار 497 الذي اعتمد بالإجماع في يوم الضم نفسه. طالب القرار إسرائيل، القوة المحتلة، بإلغاء القرار وذكّرها بأن اتفاقية جنيف الرابعة المعتمدة عام 1949 ما زالت سارية المفعول على الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل عام 1967. والغريب أيضا أن القرار حمل شيئا من التهديد لإسرائيل، حيث نص في فقرته العاملة الرابعة على دعوة الأمين العام بتقديم تقرير حول تنفيذ القرار خلال أسبوعين ويقرر في حال عدم امتثال إسرائيل، «يجتمع مجلس الأمن بصورة استثنائية وفي مدة لا تتجاوز 5 يناير 1982 للنظر في اتخاذ الإجراءات الملائمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة». وما زلنا ننتظر قيام المجلس باتخاذ تلك الإجراءات الرادعة لعملية السطو المسلح على أراضي الغير بالقوة. وقد كان رد حافظ الأسد على ذلك القرار يوم 13 ديسمبر 1982 أي بعد سنة من القرار الإسرائيلي «الجولان ليست محتلة بقانون سنته إسرائيل. ولم ولن يتوقف تحريرها على عدم وجود قانون تسنه إسرائيل. إسرائيل لم تأخذها بقانون ولن نسترجعها بقانون». وبالمنطق نفسه ما زلنا ننتظر تحرير الجولان، الذي لن يقف في وجهه قرار إسرائيل بالضم. حتى الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت بيانا آنذاك ينص على «الجولان من الأراضي العربية المحتلة التي يشملها القراران 242 و 338» .
موقف الأمم المتحدة الآن
تزامن قرار إسرائيل بالبقاء في الجولان إلى الأبد يوم الأحد 17 أبريل مع عقد جلسة في مجلس الأمن حول الشرق الأوسط صباح اليوم التالي. وقد كنا نتوقع أن يتطرق معظم المتحدثين الذين زادوا عن 50 إلى القرار الإسرائيلي ضمن الحديث عن قضايا عديدة في الشرق الأوسط، أولها القضية الفلسطينية، ثم يليها النزاع في سوريا، فاليمن فليبيا فلبنان وصولا إلى العراق. لكن معظم المتحدثين تجاهلوا مسألة تصريح نتنياهو تماما. وقد تضمنت كلمة الأمين العام السيئة بكل المقاييس فيما يتعلق بفلسطين، جملة يتيمة حول الجولان خلت من أي إدانة، قال فيها «لقد لفت نظري البيان الذي أدلى به أمس رئيس الوزراء الإسرائيلي حول الجولان. إن هذه مسألة مزمنة تضع مسؤولية على جميع الأطراف لإيجاد حل لها. وأود أن أذكر إسرائيل بمسؤوليتها في تنفيذ القرارين 242 و 497 بكل بنوديهما». إن مثل هذا الموقف الإسرائيلي يمر بدون أدنى ضجة. وقد أثرنا المسألة مع المتحدث باسم الأمين العام متسائلين حول عدم صدور بيان منفصل يرفض هذ الخطوة دونما إجابة. وقد طالب الوفد السوري مجلس الأمن بالاجتماع لرفض هذه الخطوة، دونما إجابة. لقد مضى الزمن الذي كان العرب يستطيعون عقد اجتماع لمجلس الأمن واتخاذ قرار يثبت المبدأ ويلتزم بالقانون الدولي ويصبح مرجعية قانونية لا يمكن تجاهلها. حدث ذلك في مسألة ضم القدس عام 1980 حيث اعتمد مجلس الأمن القرار 478 بتاريخ 20 أغسطس 1980 والذي رفض بطريقة واضحة لا لبس فيها ما سمي «القانون الأساسي» الذي ضمت إسرائيل بموجبه القدس الشرقية، واعتبر ذلك «انتهاكا للقانون الدولي، وأن كافة الإجراءات الإسرائيلية التشريعية والإدارية في القدس الشرقية إجراءات باطلة أصلا ويجب إلغاؤها».
بين قوة الحق وحق القوة
لم يعد في عالم اليوم قوة للحق والقانون والمنطق، إلا إذا تعلق الأمر بالدول الصغيرة غير المحمية. إذ لا توجد دولة في لعالم تنتهك القرارات الدولية واتفاقية جنيف الرابعة وميثاق الأمم المتحدة واتفاقية حظر الانتشار النووي صباح مساء وتعلن ذلك بدون مواربة أو لف أو دوران مثل إسرائيل. لقد بدأ العالم ممثلا بالأمم المتحدة والعالم العربي والسلطة الفلسطينية البائسة تتقبل إسرائيل كما هي. فالأمين العام في خطابه الأخير تبنى الموقف الإسرائيلي تماما، بعد أن صرخوا في وجهه عندما تجرأ في خطابه السابق في فبراير 2016 وقال «إن التاريخ قد علمنا أن كل احتلال يولد مقاومة»، فعاد هذه المرة ووصف كل ما يقوم به الفلسطينيون بأنه إرهاب، وبرر لإسرائيل قتل من يحمل سكينا أو يحاول أن يصدم بسيارته جنديا. عاد وانتظم في صف المبررين لإسرائيل كل ما تفعله… فلماذا إذن لا تزداد إسرائيل عربدة وغرورا وبلطجة، مختارة قانون الغاب الذي يخدمها بدل القانون الدولي الذي يضعها في قفص الاتهام.
لقد تعودت إسرائيل على أن عرب كامب ديفيد وملحقاته لن يخرج عنهم موقف جاد. قد يصرخون ويهددون ويتوعدون بدون تنفيذ حقيقي، كما جاء في تصريح فيصل المقداد في حق سوريا باستخدام القوة في استرداد الجولان. أتمنى أن نكون مخطئين ونرى الجيش العربي السوري يبتعد عن حصار حلب وحماة وحمص وينتقل إلى منطقة القنيطرة لبدء عملية تحرير الجولان بالقوة.
د.عبدالحميد صيام
صحيفة القدس العربي