تثير علاقة الغرب بتنظيم «داعش» الإرهابي تساؤلات عدة، نابعة من الوضعية التي آلت إليها الأوضاع في المنطقة العربية نتيجة لتدخلات القوى الغربية- الاستعمارية في الوطن العربي. فمنذ احتلال العراق وتفكيك مؤسسته العسكرية، وما أعقب ذلك من بناء للقسم الأكبر من قواته الأمنية على أسس طائفية؛ بات الكثيرون يتساءلون عن صدق نوايا الغرب فيما يتعلق بمحاربة ظاهرة الإرهاب في المنطقة العربية، لأن تفتيت الدول وتفكيك الجيوش الوطنية العريقة، وإقامة كيانات فاشلة يمثل إسهاماً كبيراً في تأسيس إمبراطوريات «الدواعش» مشرقاً ومغرباً.
ولا يقف التساؤل السياسي والوجودي للإنسان العربي عند هذا الحد، بل يتعداه نحو محاولة فهم الدوافع الحقيقية التي تقف وراء الزيارات المتعددة التي يقوم بها المسؤولون الغربيون إلى الدول التي أسهموا في نشر الفوضى بداخلها وفي التمكين فيها لأصحاب المشاريع الإجرامية. زيارات مفاجئة وسريعة، ويمكن القول إنها مريبة من حيث توقيتها وأهدافها غير المعلنة، وقد مثلت زيارة وزيري الدفاع الفرنسي و الأمريكي إلى العراق ووزيري خارجية فرنسا وألمانيا إلى ليبيا، آخر محطاتها، التي يبدو أنها تؤشر إلى فصول جديدة من المؤامرة الغربية التي تستهدف الدول العربية والإسلامية. والحقيقة التي لا ريب فيها، هي أن الأخطاء الغربية لا تقف عند حد ما تم ارتكابه من جرائم في زمن الاحتلال، بل هي متواصلة حتى يومنا هذا، حيث يصرّ القادة الغربيون على دعم الميليشيات في الدول العربية ، وذلك عوض المساهمة في إعادة بناء القوات المسلحة للدول الوطنية التي ترمز إلى هيبة الدولة المركزية.
كأن الغرب يسعى من خلال كل ذلك إلى نقل مهام تسيير المناطق التي تهيمن عليها – الآن-عناصر داعش، إلى القوات التي تتبنى أجندات انفصالية؛ وبالتالي فإنه وبدل العمل على تشجيع الجهود الهادفة إلى إعادة الاستقرار للدول العربية، فإن الغرب يسعى فقط إلى تغيير ملامح الصراع من أجل جعله يأخذ مسارات وصوراً تكون أكثر تقبلاً لدى الرأي العام الغربي، من قبيل تقسيم المجتمعات العربية بناء على تصنيفات عرقية ومذهبية بهدف استثمار ورقة ما يسمى بالأقليات من أجل تحقيق مكاسب استراتيجية دائمة.
يمكننا أن نزعم في هذه العجالة، أن زيارة وزير الدفاع الفرنسي إلى العراق لم تكن تهدف إلى المساهمة في محاربة داعش بقدر ما هدفت في المقام الأول إلى افتكاك حصة فرنسا من سوق الأسلحة في العراق، لاسيما بعد إقدام السلطات العراقية على إبرام صفقات لشراء أسلحة من روسيا والولايات المتحدة. ومن الواضح في كل الأحوال أن استمرار حالة انعدام الاستقرار في الوطن العربي، يجعل من هذا الوطن المترامي الأطراف، منطقة رواج كبيرة لتجارة الأسلحة والمعدات والتجهيزات الأمنية المكدسة في مصانع ومخازن الدول الغربية الكبرى.
وعليه فإنه وبعد أن أسهمت الاستخبارات الغربية في تمرير الأسلحة الكيماوية إلى «داعش»، فإنها تعمل الآن على عرض خبرتها في مجال مواجهة التهديدات الكيميائية على دول المنطقة. وما يثير الانتباه في هذا السياق هو أن وزير الدفاع الفرنسي صرّح خلال زيارته إلى العراق، بنبرة واثقة تدعو إلى الكثير من الاستغراب قائلاً: يجب أن تسقط مدينتا الموصل والرقة في سنة 2016، وكأنه يؤكد بكلامه هذا، أن الغرب قد وضع بشكل مسبق برنامجاً خاصاً من أجل تسيير خطط تعامله مع داعش وفق ما يتماشى مع الأجندات الغربية في المنطقة العربية.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن زيارة وزيري الخارجية الفرنسي والألماني إلى العاصمة الليبية طرابلس، فقد حرص الجانب الفرنسي على اصطحاب حليفه الألماني من أجل تمرير رسالة غير مباشرة للطرف البريطاني الذي ينافسه على مناطق النفوذ في شمال إفريقيا، حيث تسعى الأطراف الغربية إلى الظفر – مستقبلاً- بأكبر حصة ممكنة من السوق الليبية.
بدا واضحاً من خلال تصريحات وزيري الخارجية الفرنسي والألماني أن الغرب يسعى إلى توظيف ورقة وجود داعش في ليبيا من أجل تعديل أجنداته السياسية في المنطقة المغاربية، وبخاصة أن هذه الزيارة جاءت بعد سلسلة طويلة من التصريحات الصادرة عن الزعماء الغربيين من أجل التحذير من الخطورة التي بات يشكلها هذا التنظيم الإرهابي، كما تزامنت في اللحظة نفسها مع قيام الدول الغربية بإنزال عسكري لقوات خاصة في مناطق مختلفة من التراب الليبي، حيث تشير تقارير غربية عديدة إلى أن التدخل العسكري الغربي في ليبيا بات وشيكاً. ولا شك أن هذا التدخل العسكري في حال وقوعه، يمكن أن تترتب عنه نتائج خطرة فيما يتعلق بالاستقرار في المنطقة، لاسيما وأن الغرب، وتحديداً فرنسا وبريطانيا، يسعى إلى تشكيل هوية جديدة لشمال إفريقيا تتجاوز البعدين العربي والإسلامي، من خلال التركيز على ما يسمى بالحضارة المتوسطية.
وتشير الزيارات الغربية المتعاقبة وتحديداً نحو العراق وليبيا، إلى أن هناك شكلاً من أشكال تبادل الأدوار بين واشنطن وحلفائها، لأن زيارة وزير الدفاع الفرنسي إلى بغداد جاءت بعد أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وقبل فترة قصيرة من زيارة وزير الدفاع الأمريكي كارتر، ويمكن أن نستنتج من خلال قراءتنا لمضامين هذه الزيارات، أن القوى الغربية قد قررت أن تعيد الإمساك بملف «داعش» بقوة من أجل حرمان روسيا من استثمار ملف محاربة الإرهاب في المنطقة من أجل دعم نفوذها السياسي والعسكري. وبالتالي فإن التصريحات الغربية التي تؤكد على أسبقية تحرير الموصل قبل الرقة تأتي ربما من أجل اختبار ما يمكن أن تقدمه القوات الروسية في سوريا من جهة، وبغرض قطع الطريق بشكل نهائي على روسيا فيما يتعلق بدعم القوات العراقية في حربها ضد التنظيم الإرهابي الذي ما زال يسيطر على مساحات معتبرة من أراضي بلاد الرافدين.
الحسين الزاوي
صحيفة الخليج