ولاية الفقيه بدعة واستبداد وطغيان

ولاية الفقيه بدعة واستبداد وطغيان

ثثثثثثثثثثث

نبيل الحيدري*

تعد نظرية ولاية الفقيه بدعة في الفقه الشيعي، لم يؤمن بها منذ ألف عام غير الخمينى المنظر لها في أبحاث قدمها في النجف عندما لجأ اليها مدة أربعة عشر عاما. وقد طبعت في كتيب صغير بعنوان (الحكومة الإسلامية)، حيث رفضه جملة الفقهاء والمراجع المعروفون.

وقد اعتمد الخمينى على أدلة أهمها قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) سورة النساء/ الآية الخامسة، بتأويل أولي الأمر بالفقهاء، وهو رأي نادر وشاذ وغريب في المذهب الشيعي، الذى يحصر أولي الأمر بالأئمة المعصومين دون الفقهاء كبشر قابلين للخطأ والهوى فيستحيل قرنهم بولاية الله ورسوله فهو مرفوض جملة وتفصيلا في إجماعهم.

كما اعتمد على رواية عمر بن حنظلة وهى ضعيفة جدا سندا ودلالة وفيها أشخاص لم يتم توثيقهم، كعمر بن حنظلة، اسحق بن يعقوب المجهول، ويزيد بن خليفة، وهو واقفى لا يؤمن بالأئمة بعد موسى الكاظم، وقد أسس تلك الفرقة وكلاء الإمام موسى الكاظم نفسه كزياد القندي وعثمان بن عيسى الرواسي اللذين رفضا تسليم الأموال والجواري إلى ابنه الإمام على الرضا. رافضين إمامته واقفين على الإمام الكاظم كآخر إمام، حتى اعتبر بعضهم أنه المهدى الغائب الذي سيرجع لاحقا كما يذكر الطوسي والكشي والنوبختي والمامقاني والمفيد والمرتضى والخوئي وهم فقهاء الشيعة.

أما سندها فهي تتحدث عن حالة خاصة في رجلين تنازعا في ميراث رفض الفقهاء تعميمها وتطبيقها على الولاية المنظورة، كما أنها ترجع إلى (قد روى حديثنا) وليس إلى الفقهاء المجتهدين أي النظرية الإخبارية، التي كانت سائدة في الفكر الشيعي سابقا بعد عصر الغيبة لفترات طويلة، وهى تحرم الاجتهاد بروايات اللعن من الأئمة على من يجتهد ويستعمل عقله في القياس وغيره، وكذلك تحرم التقليد (من قلد في دينه هلك) قبل التأثر بالمذاهب السنية، ومدارس الاجتهاد فإن أول مذهب للاجتهاد هو مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، ثم نشوء الأصوليين في المذهب الشيعي لاحقا وجواز الاجتهاد والتقليد وتوسعه شيئا فشيئا، وعوامل تطوره كما ذكره محمد باقر الصدر ومحمد جواد مغنية ومحمد مهدى شمس الدين وهاشم معروف الحسيني والجواهري وكاشف الغطاء وغيرهم كثير.

قلما نجد فقيها نظّر لولاية الفقيه قبل الخميني الذى لم يحصل على إجازة اجتهاد سوى واحدة سياسية قال فقيهها كاظم شريعتمداري، إنه أراد منع إعدام الخميني لوجود قانون في إيران بمنع إعدام الفقيه المجتهد، فهي فتوى سياسية لا تملك حيثية علمية، علما أن بعض المراجع أفتى بكفر الخميني لآرائه الشاذة وبدعه المتعددة، وانتقدوا رسالته العملية (تحرير الوسيلة) المأخوذ أكثرها نصا وقلبا من (وسيلة النجاة) لأبي الحسن الأصفهاني، خصوصا المرجع محمد الروحاني وهو أستاذ محمد باقر الصدر في الأصول والمعارض صريح لولاية الفقيه والناقد اللاذع للخميني وأفكاره.

وأهم المنظرين لولاية الفقيه أحمد النائيني في كتابه (عوائد الأيام) وقد رد عليه الكثيرون وهو مخالف لإجماع الشيعة منذ أكثر من ألف عام، لذلك نجد مرتضى الأنصاري في كتابه (المكاسب) راداً مستهزئاً (دونه خرط القتاد) تعبيرا عن شدة وهن وضعف ما يتوهم بأدلة ولاية الفقيه وسعتها لجعله كالمعصوم، فتصبح ولايته كولاية الله تعالى في قوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) رغم أن الفقيه يخطئ وتحركه أحيانا الأهواء والمصالح والحواشي، وهو ما أثبتته التجارب والواقع واختلاف الفقهاء، يكشف صراعهم على الزعامة والدنيا، كما يظهر الصراع للحصول على أكبر عدد من التجار والأخماس والحقوق الشرعية من أرحام المرجعيات وممثليهم و وكلائهم.

ومن هنا تكون نظرية ولاية الفقيه حينئذ مناقضة لنظرية الإمامة المعصومة وانتظار المهدى الامام الثاني عشر، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وكل دولة شيعية قبل ظهوره هي ظالمة وصاحبها طاغوت، لذلك توجد عشرات الروايات التي تتحدث عن هؤلاء بأنهم يفسدون أكثر مما يصلحون، لأنهم غير معصومين وليسوا أئمة عادلين، ودائما في الروايات الإمام العادل يعني المعصوم دون غيره من البشر وهو ما فهمه الإخباريون الأوائل.

عندما قامت الثورة الإيرانية بمبادئ أساسها اقتصادية وعدالة اجتماعية، اشتركت فيها مختلف طبقات الشعب واحزابه، لكن القيادة المستفيدة من جميعهم ألغت الآخرين وتنكرت للكثيرين، حتى رفعت شعارات: (الموت للآخرين)، و(الموت لأعداء ولاية الفقيه)، واصبح كل من يطرح رأيا مختلفا بأنه من أعداء ولاية الفقيه، حتى من الفقهاء الآخرين مثل شريعتمداري وقمي وروحاني وشيرازي والخاقاني والمامقاني والكرمي وغيرهم، الذين وضعوا تحت الإقامة الجبرية حتى وفاتهم ومنع تشييعهم والصلاة عليهم ودفنوا سرا بشكل مهين وإرهابي وفى أماكن غير مناسبة لطمس آثارهم

ث

وما رفعه الخمينى من مبادئ كحرمة الضرائب ومجانية الخدمات والكهرباء والماء كانت مجرد شعارات قبل الثورة، ولما صعد إلى السلطة رجال دين مثل رفسنجاني وكروبي وخامنئي وحواشي ورفيق دوست، تحولوا إلى طغاة جبابرة يزيدون الضرائب، ويستحوذون على المليارات من الدولارات والعقارات والقصور والاستثمارات، وتحول الشعب بين فقير جائع محروم لا يمتلك لقمة العيش، ولو عمل لثلاثة أعمال رغم شهادته الجامعية، وبين لاجئ هارب من بطش النظام وقمعه باحثا عن حرية وكرامة وإنسانية، حتى هاجرت الملايين.

وأكثر أفراد أمة في العالم تعلنون ارتدادهم عن الدين الإسلامي في العالم كله هم الإيرانيون بسبب القمع والإرهاب من حكومة ولاية الفقيه الطاغوتية، التي تدعى الإسلام والإسلام برئ منها. ون خامنئي الذى لا يملك إجازة اجتهادية، وسماه الخميني (بثقة الإسلام) دليل على أنه في مقدمات الحوزة العلمية ولم تنفعه دروس محمود الشاهرودي الضعيفة يوم الثلاثاء لتقويته فقهيا، أمر الحرس الثوري وقوات التعبئة بقتل أي متظاهر مسالم يطالب بحقوقه ومعاملته كمحارب لله ورسوله، وبدأ ازلام النظام يتصارعون على السلطة وحبا بالدنيا، وكان المنتظرى خليفة الخمينى منظرا لولاية الفقيه ثم تراجع فكريا وعمليا عنها متحدثا عن دكتاتوريتها والسجون والقمع والتعذيب والإرهاب لكل مخالف فكريا، ومنهم مهدى كروبي سابقا رئيس مجلس الشورى سابقاً ومؤسسة الشهيد وبعثة الحج، ومير حسين موسوي رئيس الوزراء السابق ومحمد خاتمي وزير ثقافة الحرب العراقية الإيرانية ورئيس الجمهورية الين اعتبروا أعداء للنظام وعملاء للغرب ويجب محاكمتهم في صراع السلطة وكل من يخالف ولي الفقيه.

إن الإشكال الأساس في ولاية الفقيه هو كون السلطة بيد الفقيه ثم اجتماع السلطات كلها عنده وإعطاؤه ولاية مطلقة وصلاحيات كبرى، فهو يعين مسؤولي الدولة حتى رئيس القضاء الموالي له كما يعين رئيس الإذاعة والتلفزيون والجيش والحرس الثوري ورؤساء الهيئات، حتى رئيس الجمهورية يعيّن بصلاحيات بسيطة بعد موافقته على ترشيحه وغيرها. كما أنه يعارض الدولة المدنية الحديثة بكل تطلعاتها وآفاقها وامتياز التخصصات وفصل السلطات وحقوق الأفراد ومحاسبة الفساد.

عندما يسافر خامنئى إلى موطنه مشهد فإن أرحامه الأتراك يرفضون ملاقاته لأنهم يعرفون تاريخه وسيرته، وعندما يزور قم يرفضه المراجع، حتى أن وحيد الخراسانى يخرج من قم، وتأتي الحرس الثوري لتطلب من المراجع زيارته فيرفض الكثيرون، فيقال لهم (ارحلوا عن قم كما رحل وحيد) فيجيبه بعضهم (لسنا مجرمين ولا غرباء لنهرب من البلاد).

والمعروف أن هنالك وسائل كثيرة يستعملها الحرس الثوري لترهيب الرافضين وقمعهم للقائه حتى قال لبعضهم (نحن نعيش تقية لمواجهة طاغية لم يعرف التاريخ مثيلا له)، ومن احتقاره للشعب إنه يزور مدنا حيث تستقبله طوابير مهيأة ويجلس في مكان مرتفع ويمد يده لتأتي الجموع مقبلة يده كعبيد دون السماح لأحد بالكلام، وهو يظهر للشعب كأن له جمهورا واسعا مطيعا مستخفاً بعقول الجماهير، فالقيادة في واد بعقلية متحجرة قديمة، والشعب في واد مختلف آخر، لكنه مغلوب على أمره … مستضعف ومظلوم ومقهور.

ومن مشاكل ولاية الفقيه ايضا هي تصدير الثورة الإيرانية، وشراء عملاء لها في الخارج وتأثيرها السلبي في العراق الجريح والمنكوب بسبب الاحتلالين الأمريكي والإيراني، واحتلال جزر دولة الثلاث وادعاؤها تبعية البحرين لها، وقامت في العديد من دول العالم بأدوار مكشوفة وغير مكشوفة.

لكن إيران بدأت تشهد مظاهرات كبيرة للشباب خصوصا الجامعيين رغم القمع والقتل والإرهاب وقد كانت القوى الأمنية تهجم عليهم في تظاهرات الجامعات بالأسلحة والدراجات لتتدفق الدماء بشكل وحشي مروع، كما شهدت بين قيادتها صراعاً مكشوفاً على السلطة حتى وصل إلى صراع رفسنجاني وخامنئي وهما المتحالفان في إسقاط الآخرين مثل ولاية منتظري والقضاة كصانعي وأردبيلي وأئمة جمعة كمؤمن ومحاولات اغتيالهم في طريق قم وطهران، وطرح صلاحية ولي الفقيه ورفضها علنا من أشخاص كانوا صقورا مدافعين عنها، لقد ثبت دجل ولاية الفقيه وطغيانها وظلمها فضلا عن عنصريتها، فهي تتعامل مع العرب مثلا بالإهانة والعنصرية والتهميش في مناطقهم وخدماتهم بل وإهانتهم في الصحافة الرسمية وخطب الجمعة بألفاظ بذيئة نابية، وهي تمنع ملايين المسلمين السنة حتى من بناء جامع واحد في كل طهران فضلا عن إهانة الخلفاء وسبهم ولعنهم والاحتفال بمناسبات موتهم في (التشيع الفارسي).

وقد أجرى مراسل “سى أن أن” القناة الاخبارية الأمريكية اخيرا تحقيقا اظهرت نتائجه أن اكثر شعوب العالم تحب أمريكا وتكره نظامه القمعي هي الشعوب الإيرانية خاصة الشباب الجامعي، وهو يخرج في التظاهرات رافضا الانتخابات المزورة، هاتفا بسقوط الخامنئي كدكتاتور طاغوت قاتل ومرتزقته.

55555

والملاحظ العجيب رغم تحية خامنئي لثورة مصر بخطبة الجمعة العربية في توهم تصويرها إسلامية على الخطى الإيرانية، فإنه منع شعبه من تسيير تظاهرات لتأييدها عارفا بأنها تطالب أولا بسقوطه وموته ومحاسبته عن كل جرائمه، وهذه حقيقة حركة التاريخ في سقوط الطواغيت، والشعوب الإيرانية تتابع سقوط ابن على ومبارك وتهافت مقومات الثورة الإيرانية خصوصا أن 85 % منهم دون خط الفقر رغم غنى إيران وثرواتها وحركة الشباب الواعي والواعد.

وهو يتحرك بوسائله الحديثة والرائعة لإسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه وجبروتها وطغيانها في ثورة جديدة لأكثر الشعوب الإيرانية المقهورة في الداخل، فضلا عن ملايين المهجرين اللاجئين في أصقاع الدنيا بحثا عن الحرية والكرامة والإنسانية.

ان طغيان ولاية الفقيه وتوسعها في لبنان والعراق واليمن وسوريا والبحرين والخليج العربي وغيرها جعلها تستنفد طاقاتها، وتفقد خيرة أفرادها في مستنقعات واسعة كبيرة أكبر من حجمها، وتصوراتها وتوقعاتها، مما يجعلها ضعيفة تقبل بسقوط خيرة حلفائها مثل نوري المالكي في العراق الذي قدم لها ما لم تحلم به طيلة تاريخها ويجعلها أيضا ضعيفة هاوية في الداخل الايراني تتصارع قياداتها على الحكم وشعوبها تكرهها والهوة كبيرة حيث تنتظر شعوبها الفرصة للانقضاض على جور ولاية الفقيه واستبدادها وطغيانها.