واشنطن لا يمكنها حل أزمة الهوية في دول الشرق الأوسط

واشنطن لا يمكنها حل أزمة الهوية في دول الشرق الأوسط

ستيفن

ستيفن كوك زميل بارز لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية

ترجمة: مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

نعم، لم يحكم نوري المالكي العراق على نحو جامع يمثل كل مكوناته، و كان حكم الأسد في سوريا وحشياً وعائلياً، وعندما سقط القذافي لم يجد الليبيون الا القليل من المؤسسات الوطنية في البلاد. ولعل ما اقترفه هؤلاء الساسة، امتد عميقاً في مجتمعاتهم، ليكشف عن فشل مذهل عرفته ثلاث دول عربية كبرى.

لقد وجد العالم العربي نفسه فجأة في صراع حدود واسع. واضحى منقسما بين التنافس وعدم الرضا عما يجب ان تكون علية الهويات القطرية؛ مثل المصرية، السورية، العراقية، الليبية، واليمنية أو اللبنانية  على سبيل المثال لا الحصر. وتسمية الأماكن التي تشهد  تصاعد الصراعات على القومية والهوية والمواطنة. ليتمكن العرب من اختيار نوع النظم السياسية والدول التي تريدون العيش فيها. وهناك القليل يمكن ان تقدمه واشنطن للمساعدة.

ومن نواح كثيرة؛ فان النقاش الذي تصاعد في المنطقة العربية منذ القرن التاسع عشر، بين الإصلاحيين الإسلاميين والقوميين والليبراليين وبين الجميع  ساعد على بقاء المنطقة تحت السيطرة الأوروبية. وبحلول منتصف القرن العشرين، كانت بريطانيا وفرنسا اليسارية، اول القوى التي طردت من المنطقة، من قبل النخب القيادية الجديدة – في مصر جمال عبد الناصر، وفي الجزائر هواري بومدين، والحبيب بورقيبة في تونس، وبعد ذلك حافظ الأسد وصدام حسين ؛ساعين الى تحديث بلدانهم. وتم حل مسائل الهوية على ما يبدو من خلال النضال ضد الاستعمار، والعمل على تحقيق التنمية والتقدم. وإن كان هناك بعض الكلام عن العروبة، فان المشاعر السائدة في ذلك العصر وفي بلد كالجزائر استندت الى ثلاثية ثورية تمثلت في؛ “الجزائر هي بلدي، الإسلام هو ديني، واللغة العربية هي لغتي.” لتنضوي كل الاختلافات في عدد من دول الشرق الأوسط ضمن هذا الاطار.

واصبحت النخب العربية السياسية، التي حكمت بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي،من الحرس القديم المحافظ، الذين استبدلوا الحماس الثوري بخطب ذات محتويات اخلاقية. وتعريف الهويات الوطنية لبلدانهم، من خلال مزج طروحات المدرسة القديمة لمكافحة الاستعمار، وتعزيز البناء الاقتصادي، وعدم اغفال الرؤى التاريخية حول أهمية الاسلام ودوره في بناء الدول العربية. لقد قدم هؤلاء انفسهم كقوميين بامتياز، يطبقون الليبرالية الجديدة ذات الإصلاحات الاقتصادية التي تحاك في واشنطن في مقر صندوق النقد الدولي، يعتمدون جزئياً على المساعدات من الغرب، ويشترون كميات وفيرة من الأسلحة من هذه البلدان، ويجتمعون مع قادة العالم في أماكن مثل دافوس.

ويتذكر اليوم عدد قليل من الناس في دول الشرق الأوسط، ما مضى من تحولات منها الاستقلال عن الاستعمار، وتأميم الثروات، والإصلاحات السياسية والاقتصادية، ما اوجد ولمدة وجيزة فرصاً في التعليم والحراك الاجتماعي في المنطقة، ومع هذا فإن الغالبية العظمى من العرب عاشوا فشل العقود الاجتماعية، وعانوا و حشية الشرطة وعدم المبالاة الرسمية. عندما طارد الحكام شعوبهم، وهددوا بقاءهم كما حدث لزين العابدين بن علي، وحسني مبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح والأسد، فان الشارع العربي اضحى امام فرصة لإعادة تعريف من هو وماذا يريد؟

وما يلاحظ هنا فشل القادة العرب الجدد حتى الآن، في تقديم رؤية وطنية ترقى الى مستوى ما تريده شعوبهم. بل سعت مجموعات متعددة لفرض إرادتهم على الجميع. ففي مصر، حاولت “جماعة الإخوان المسلمين” فرض نوع خاص من السياسة، ما دفع الجيش الى اخذ زمام المبادرة لتأييد رؤى بديلة لمستقبل البلاد، اضطلع بها ضباط لجهة اعادة بناء النظام السياسي الاستبدادي.

اما العنف الذي تشهده ليبيا فانه يؤشر إلى الفشل جماعيا، لأولئك الذين أطاحوا بالقذافي لإعادة تعريف ما يعنيه أن يكون المرء ليبياً. حتى في تونس – التي شهدت الانطلاقة الصاخبة لما يسمى بـ”الربيع العربي” لم يتم التوصل فيها الى صيغة سياسية مقبولة، بسبب الجمود وانسداد المواقف بين الساسة، وعدم توافر وسائل لإزاحة خصومهم. ولا تزال هناك خلافات جوهرية بين إسلاميي حزب النهضة واليسار العلماني حول ما تعنيه الهوية التونسية.

5555

 ثم هناك العراق، إذ تتزايد فيه الحاجة للإجابة عن ما يعنيه أن يكون الفرد عراقيا. وخلال وجودي في اربيل (عاصمة المنطقة الكردية) والسليمانية، سألت الأكراد، ما هي الافكار أو الملاحم الوطنية المشتركة التي تجمعكم بكل الأشخاص في مناطق أخرى من العراق؟” اجابوا وبلا تردد “لا شيء.” ولا ينبغي أن يكون هذا الامر مفاجئا، بالنظر إلى ما اوقعه البريطانيون من ضغوط غير رسمية على عصبة الأمم، الحقت المناطق الكردية الى العراق بعد ست سنوات من تأسيس الدولة. ولم يفلح الكرد في منع هذا الامر. وهناك 30 مليون شخص في العراق عانوا منذ سقوط صدام حسين، مع تحطم الشعور الوطني العراقي.

تمكنت “الدولة الإسلامية” من ملء الفراغ الحاصل في العراق وسوريا، والسيطرة على أراض بحجم ولاية ماريلاند الامريكية، في حين ركزت معظم التقارير على وحشية هذه الجماعة وعدميتها، كما وعدم تأمينها للسنّة الذين يعشون في وسطها، الشعور بالانتماء والحماية، او اشاعة مناخ إيجابي. وجادل ثاناسيس كامبانيس اخيرا في صحيفة بوسطن غلوب، بان إنشاء الخلافة قد يبدو ضاراً، للذين يقفون خارج هذا المشهد، بما في ذلك علماء الدين المسلمون و لكن الاعلان عن هذه الدولة منح الناس العون والثقة في لحظات يائسة، وحملهم على الثبات. ولم تتشكل “الصحوات” جديدة بين قبائل العراق السنية لمعارضة الدولة الإسلامية، بالنظر للخوف والكراهية الشديدة التي يكنها هؤلاء للمالكي.

باستثناء ربما العراق، لا يمكن التنبؤ بتفكك دول الشرق الأوسط، الذي تشكل على يد دبلوماسيين أوروبيين بعد الحرب العالميةالاولى، ولا يعني ان تلك البلدان عرضة للتفكك. ويبدو التساؤل حول الهوية في الأردن ذا مغزى، بسبب عدد من المتغيرات التاريخية والوطنية. اما في سوريا، فقد اضحت الحرب تؤثر سلبا على وحدة البلاد وتزيد من حدة الخلافات الطائفية والعرقية، من المهم أن نتذكر أن أصل الصراع بدأ عندما أكد السوريون مفهوما مختلفا للمواطنة والعلاقة بين الحكام والمحكومين .

ويمكن للدول المصطنعة أن تتماسك، إذا ما اعتمد قادتها على رؤى قوية لدعم المجتمع، والأهم من ذلك، تطابق المبادئ عموما مع تجارب الناس اليومية. ودون ذلك، فان الخرق في المجتمع سيتم ملؤه بالبنادق والعنف.

وبالضد من هذا الواقع، فان الانتقادات الموجهة الى الرئيس أوباما، بشأن اعتماد نهج الحد الأدنى من التعاطي مع المنطقة، وهو سياسة تبدو في غير محلها. وبطبيعة الحال، فإن البيت الأبيض قد أخذ بعين الاعتبار الطلبات الكردية من الأسلحة لمحاربة “الدولة الإسلامية” منذ شهرين، ربما إحباط انهاء الأزمة هو الذي جلب الولايات المتحدة ثانية إلى العراق. وربما استقراءات الرئيس الصحيحة الى حد كبير حول سياسات المنطقة, اذ عندما يتشارك الناس في صراعات عالية المخاطر بخصوص الأسئلة الأساسية للهوية والمواطنة والقومية، فان الأمر متروك لهم ولقادتهم، بخصوص اكتشاف صيغة من شأنها أن تجعل مجتمعاتهم ناجحة. قد تخفض هذه التصورات، تبعا لقناعات النخب السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، بشأن الاعتقاد حول استخدام القوة الأميركية في العالم، ولهذا لا يمكن حل الصراعات داخل دول الشرق الأوسط في واشنطن.

http://www.washingtonpost.com/opinions/washington-cant-solve-the-identity-crisis-in-middle-east-nations/2014/08/15/c72fc7e4-2254-11e4-8593-da634b334390_story.html