حتى لو تجاوز مجلس النواب مشكلته وانشقاقه، وهو أمر مستبعد حتى الآن، واستطاع أن يعقد اليوم جلسة مكتملة العدد، فليس من المرجّح أن يكون هذا مدخلاً لحلّ مشكلة المجلس التي هي مظهر من مظاهر الأزمة الشاملة التي يعانيها النظام السياسيّ برمّته.
ومثل الجلسة البرلمانية المكتملة، أياً كان تاريخ انعقادها، فإن تشكيل الحكومة الموعودة، سواء كانت تكنوقراطية أو غير تكنوقراطية وتضمّ أفضل الكفاءات وأنزهها في البلد، لن تكون هي أيضاً مدخلاً آخر لحلّ هذه الأزمة الشاملة التي ستظلّ قائمة ومتواصلة، ومتناسلة الأزمات والمشاكل المدفوع ثمنها أنهاراً من الدم العراقي، وبحيرات من الدمع العراقي، ومئات المليارات من المال العام والخاص العراقي.
لاحلّ جقيقياً ودائماً للأزمة البرلمانية الحالية وللأزمة السياسية الشاملة ولسائر المشاكل والأزمات، ما لم يحصل شيء واحد هو الاعتراف بالخطأ. مرتكب هذا الخطأ هو في المقام الأول الإسلام السياسي، بأحزابه ومنظماته وتحالفاته وتكتلاته المختلفة، الشيعية والسنيّة سواء بسواء.
هذا الذي يحصل الآن، والذي حصل منذ 2003، هو من نواتج الخطأ المُرتكب على أيدي أحزاب الإسلام السياسي ومنظماته وتحالفاته وتكتلاته. هي جميعاً سعت للاستئثار بالسلطة. ساعدها في هذا نظام المحاصصة الذي اخترعته ودافعت عنه حتى اليوم بأسنانها وأظافرها وبتفجيراتها المتبادلة وبحربها الطائقية. هذه الأحزاب الإسلامية لم تشأ أن تترك في السلطة هامشاً لغيرها. كلّ واحد منها تصرّف في الوزارة والمؤسسة والمديرية والمحافظة التي وُضعت في عهدته بوصفها غنيمة وملكاً صرفاً له ولحزبه، وقلعة حصينة يُحظر حتى على الطير التحليق في فضائها. من نواتج هذا أن تولّى إدارات الدولة مَنْ لا علم لهم ولا خبرة ولا شأن بالإدارة، بل لا معرفة لهم حتى بالأصول والقواعد واللياقات التي تقتضيها إدارة المؤسسات العامة. ومن نواتج هذا أيضاً تسونامي الفساد الإداري والمالي الرهيب الذي ضرب الدولة والمجتمع وأطاح أركانهما.
الإسلام السياسي ليس فقط لم يُحسن إدارة الدولة والمجتمع، وإنما هو فشل فشلاً ذريعاً .. لا شكّ في هذا، فالفشل واضح وبيّن، وصارخ وصاخب. والنقطة الجوهرية في أمر الحؤول دون الاستمرار في هذا الفشل، هو الاعتراف به. لا مجال للأحزاب والمنظمات والائتلافات والتكتلات الإسلامية إلّا أن تعترف بفشلها وخطئها. الاعتراف بالخطأ فضيلة، والعودة عنه قوّة وبطولة وأخلاق وبسالة. لا ينبغي لقوى الإسلام السياسي أن تفكّر بأنّ اعترافها بفشلها وخطئها سيعني خسارة ما تتمتع به من سلطة ونفوذ ومال .. المكابرة والتفكير بضيق أفق سيجعلان الفشل دائماً والخطأ متكرراً، وهذا هو ما يؤدي إلى خسارة السلطة والنفوذ والمال على المدى البعيد، وتجربة صدام حسين ونظامه لم تزل حيّة وماثلة أمام أنظار كلّ من له عقل وقلب.
لتعترف هذه الأحزاب والقوى بخطئها وفشلها وتترك الميدان لغيرها وتجعل من هذا الانسحاب فرصة لمراجعة النفس وتصحيح الأخطاء.
لا خسارة دائمة ولا ربح دائماً في النظام الديمقراطي. الديمقراطية تعني، في ما تعني، تداول السلطة سلمياً، والخاسر اليوم لابدّ أن يربح غداً إذا ما اعترف بخطئه وعمل على العودة عنه، مثلما أنّ الرابح اليوم يُمكن أن يخسر غداً إذا ما أخطأ ولم يعترف بخطئه ويصحّحه.
عدنان حسين
صحيفة المدى