في مقال لـ جيفري غولدبرغ في مجلة “ذي أتلانتيك” مؤخراً، أشار الكاتب بدهشة بأن المنسق السابق لسياسات الشرق الأوسط للرئيس الأمريكي باراك أوباما، فيل غوردون يعتقد أنه كان يجب على الولايات المتحدة الرد عسكرياً على تخطي الرئيس السوري بشار الأسد “الخط الأحمر” عبر استخدامه الأسلحة الكيميائية. وفي المقابل، قال أوباما لغولدبرغ إنه “فخور جداً” بقرار عدم توجيه الضربات، فيما اعتبر مسؤولون في الإدارة الأمريكية أن التهديد باستخدام القوة مهّد الطريق لمبادرة دبلوماسية أدت إلى قيام السيد الأسد بشحن الكثير من مخزونه من الأسلحة الكيميائية إلى الخارج. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل كانت قضية عدم توجيه الضربات دراسة حالة إفرادية في “مصداقية الردع”، كما قال السيناتور تيم كين، أو أنها عبارة عن “ارتجال محرج من هواة” كما اعتبرها أحد النقّاد؟
يتطلب الحكم على السياسة دراسة نتائجها والتكلفة التي تم بها إنجاز هذه النتائج. فوفقاً لتقرير نُشر في صحيفة “وول ستريت جورنال” في 23 تموز/ يوليو 2015، حقق الهدف الأكثر وضوحاً، وهو القضاء على مخزون السيد الأسد من الأسلحة الكيميائية، نجاحاً جزئياً فقط. فقد سيطر النظام السوري على أمن مفتشي الأسلحة وتحركاتهم، واستخدم ذلك النفوذ لعرقلة عملهم.
وقبل الإعلان عن قراره بعدم شن هجمات [على منشآت الأسلحة الكيميائية]، أعرب السيد أوباما عن خشيته من أنه إذا تم استخدام هذه الأسلحة “في ظل غياب أي تحرك، فإننا نرسل بذلك إشارة مفادها أن هذا المعيار الدولي لا يعني الكثير”. ومع ذلك، فبدلاً من أن تؤدي المبادرة الأمريكية -الروسية في سوريا إلى تعزيز القاعدة الدولية ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، كان لها تأثيراً معاكساً على ما يبدو. فقد اتهم مسؤولون أمريكيون نظام الأسد بالاستمرار في استخدام الأسلحة الكيميائية في عام 2015، بعد فترة من الإعلان عن انتهاء عمل المفتشين؛ بيد، لم يؤدِ ذلك الانتهاك إلى أي تصد مجدِ من قبل الولايات المتحدة أو غيرها. ووفقاً لـ “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية”، استخدم تنظيم «الدولة الإسلامية» الأسلحة الكيميائية في وقت لاحق أيضاً، مما دفع الولايات المتحدة إلى شن ضربات جوية على المرافق ذات الصلة بالقرب من الموصل من دون الكثير من الجدل أو الضجة.
وتجدر الإشارة إلى أن قرار عدم توجيه الضربات لم يردع نظام الأسد عن قتل المدنيين، ولم يمهد لفترة من التعاون الأوسع بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا؛ بل على العكس من ذلك، فقد ارتفع بسرعة عدد المدنيين الذين قتلوا أو شردوا [من منازلهم]، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى قرار روسيا الانخراط عسكرياً في سوريا في الخريف الماضي، وهو تدخل أخذ الولايات المتحدة على حين غرة وعزز الهجمات المميتة التي يشنها السيد الأسد على أبناء شعبه من خلال تأمين غطاء جوي فعال لقوات النظام وحلفائها، وزيادة وتيرة الغارات الجوية، وإعطاء النظام الوقت والمجال لحشد قواته بشكل عام.
وهذه النتائج لها تكلفتها. فالحصيلة التي تُذكر في معظم الأحيان هي الضرر الذي لحق بمصداقية الولايات المتحدة، التي كان وزير خارجيتها جون كيري قد حذر من كونها على المحك. وهذه التكلفة، التي يبدو أن أوباما رفضها بصورة قاطعة في المقابلة مع غولدبرغ، قد أُشير إليها إلى حد كبير من قبل حلفاء الولايات المتحدة، ليس فقط في الشرق الأوسط بل أيضاً في أوروبا وآسيا ودول أخرى، في الوقت الذي يقيّم هؤلاء التزامات واشنطن تجاههم. ففي صفوف الحلفاء الذين كانوا يستعدون لدعم الهجمات قبل إلغائها، مثل الفرنسيين، كان الضرر بالتأكيد أكبر من ذلك.
لقد اعتبر البعض أن قرار عدم توجيه ضربات على منشآت الأسلحة الكيميائية التابعة لنظام الأسد، أدى إلى توفير حبل إنقاذ ضروري جداً للنظام، من خلال تجنيبه ليس فقط ضربات على هذه المنشآت بل أي تدخل على الإطلاق، نظراً إلى وجود مفتشين وحاجة إدارة أوباما إلى الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا التي تدعم الأسد. وفي الواقع، إن تراجع الولايات المتحدة في الوقت الذي كان من المتوقع منها اتخاذ اجراءات مناسبة، قد يكون عاملاً في قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل في سوريا.
وربما سيقدم مسؤولو إدارة أوباما نظرة مختلفة عن الواقع، مفادها أن التدخل في سوريا ما كان من الممكن أن يكون فعالاً، أو كان يمكن أن يكون عبارة عن “منحدر زلق” يؤدي إلى تدخل عسكري طويل الأمد. وقد يعترف البعض بأن وضع الخط الأحمر بادئ ذي بدء، والذي يبدو أن الرئيس الأمريكي وضعه من دون الرجوع إلى مستشاريه، كان عبارة عن خطوة غير حكيمة ولكن التراجع عنه كان خير الشرين.
وبالطبع، لا سبيل لمعرفة ما الذي كان سيحصل. وبالتالي، بدلاً من مناقشة عمل افتراضي لم تشارك فيه الولايات المتحدة، فإنه لأكثر تنويراً دراسة السياسة التي نفذتها واشنطن بالفعل، والتي أدت إلى نتائج مشكوكة بتكاليف عالية.
مايكل سينغ
معهد واشنطن