يبدو الأمر وكأن لدى الجميع “خطة مارشال” من نوع ما ليقوم بتسويقها في هذه الأيام. ولنأخذ، على سبيل المثال، الثنائي غير المتوقع، السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، وبونو، رجل المقدمة في فرقة يو2 للروك.
كان غراهام قد اقترح في أعقاب رحلة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخراً “خطة مارشال” جديدة في وقت سابق هذا الشهر، من أجل المساعدة في تعزيز الحكومة المصرية المتعثرة برئاسة الجنرال عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى حكومات أخرى في المنطقة، من التي تكافح بسبب أزمات اللجوء المعيقة.
وقال غراهام خلال مؤتمر صحفي في واشنطن: “لقد صعقت من الكيفية التي تدهورت إليها الأمور. إنك إذا ذهبت إلى مصر ولم تدرك أنهم في حاجة إلى بعض المساعدة منذ الأمس، فإنك ترتكب بذلك خطأ جسيماً”.
وفي الأثناء، ردد بونو، موسيقي الروك الأيرلندي وفاعل الخير منذ وقت طويل صدى دعوة غراهام للقيام بعمل “مارشالي” أثناء شهادة أدلى بها أمام لجنة كارولاينا الفرعية لتخصيصات المساعدة الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، وروى المشقات والأهوال التي شاهدها هو أيضاً خلال زيارات قام بها مؤخراً لمخيمات اللجوء في كينيا والأردن وتركيا.
وكتب بونو، أيقونة موسيقى الروك أند رول، في مقال افتتاحي في صحيفة “نيويورك تايمز”، والذي نشر تكريماً لزيارته للكابتيول هيل (مقر الكونغرس)، إن خطة مارشال “قدمت التجارة والتنمية في خدمة الأمن -في أماكن تحطمت فيها المؤسسات وفقد فيها الأمل”. وأضاف: “حسناً، الأمل لم يفقد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ليس بعد، ليس حتى حيث ما يزال متماسكاً معاً بواسطة خيط. لكن الأمل يصبح نافد الصبر. ويجب أن نكون كذلك نحن أيضاً”.
وليس الرجلان مخطئين، ليس تماماً على أي حال. فقد تركت أزمة اللجوء ملايين الأشخاص مشردين في داخل وخارج سورية على حد سواء، أو أسهمت مباشرة في موجة عصية على الإدارة من المهاجرين، والتي غمرت شواطئ أوروبا وجابت طرق وشبكات السكك الحديدية في القارة بحثاً عن السلامة والاستقرار. وقد حطمت هذه الأزمة الفظيعة جيلاً بأكمله من السوريين، وربما أكثر من ذلك. وهي تتطلب بلا شك رعاية والتزاماً أكبر من المجتمع الدولي.
مع ذلك، تناقض جهود غراهام وبونو المخلصة بلا شك فهماً خاطئاً بشكل كبير حول ما كانته خطة مارشال بالضبط، وكيف ولماذا كانت مؤثرة جداً في مساعدة أوروبا الغربية على التعافي في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية.
بعيداً عن أن تكون مجرد حزمة إغاثة، صممت خطة مارشال بشكل محدد من أجل إعادة الاستدامة لجزء منكوب من العالم، والذي واجه تهديداً عسكرياً سوفياتياً مباشرة بعد استسلام المانيا النازية في العام 1945. وكان الهدف من مبلغ 13 مليار دولار الذي قدم لأوروبا (وتركيا) في الفترة بين عامي 1948-1952 -حوالي 103 مليارات دولار إذا عُدلت طبقاً للتضخم، أي أقل من كلفة إعادة الإعمار في أفغانستان- هو تعزيز اقتصادات صناعية قادرة أصلاًً في وجه التهديدات غير الحصرية تقريباً للفقر والحرمان والشيوعية. واعتقد مخططو خطة مارشال بأنه يمكن لأسواق المفتوحة وقدر أكبر من الاعتمادية المتبادلة بين اقتصادات أوروبا الغربية المساعدة في تخفيف حدة العداوات والمعاناة التي كانت قد قادت القارة إلى طريق الحرب والدمار. وكان لدى معززي الخطة قبل الحرب دعائم للإنتاج الصناعي والزراعي في أوروبا، بالإضافة إلى استهلاك صحي ومستويات مريحة كانت موجودة في المنطقة قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. وفي الحقيقة، وفي عموم الكثير من أوروبا الغربية التي مزقتها الحرب، كانت ظروف النمو والازدهار حاضرة أصلاً حتى قبل وصول دولارات مارشال إلى متلقيها.
لماذا الشرق الأوسط مختلف
لسوء الحظ، لا يمكن قول الشيء نفسه عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم. وعلى الرغم من أن الحروب في العراق وسورية واليمن قد أسهمت بشكل كبير في حالات الفشل الحكومي والاقتصادي الحالي في المنطقة، فإن ظروف النجاح كانت غير موجودة أو ناقصة، حتى قبل الغزو المزعزع للاستقرار الذي قامت به الولايات المتحدة للعراق في العام 2003. وكان الناتج الاقتصادي والإنتاجية منخفضين أصلاًً مقارنة مع أجزاء أخرى من العالم، وكانت معدلات البطالة مرتفعة جداً، خاصة في أوساط الشباب في الشرق الأوسط. وكان الفساد وسوء الحكم متفشيان في عموم العالم العربي، حيث لم يكن يوجد نوع المؤسسات الديمقراطية التي كانت موجودة في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية.
في كتابه الذي صدر في العام 2008 تحت عنوان ” كسب السلام: خطة مارشال وانتهاء عمر أميركا كقوة عظمى”، كتب المؤرخ نيكولاس ميلز قائلاًً: “إننا نواجه، كما لم يواجه مخططو مارشال في تعاملهم مع أوروبا الغربية، تحدي التدخل في بلدان فيها مستويات النزاع العرقي مرتفعة، وحيث التقاليد الديمقراطية قليلة، وحيث يشكل الحضور الأميركي مصدراً للشك”.
بالإضافة إلى ذلك، كان الأميركيون يستطيعون الإشارة في أوروبا إلى بلدان وثقافات لا تشاركهم قيمهم وحسب، وإنما إلى بلدان كانت قد ساهمت في تطوير مجتمعهم الخاص نفسه. وكما كان الرئيس هاري ترومان في ذلك الحين، فإن إعادة إعمار أوروبا كانت مسألة ضرورية “للمحافظة على الحضارة التي تتجذر فيها طريقة الحياة الأميركية”.
بينما كان مستوى الشك في الأميركيين الألمان متفشياً قبل الحرب العالمية الثانية، فإن ارتباط أميركا بالقارة الأوروبية جعل من الصعب عليها عدم رفع المعاناة والأغلال حتى عن ألمانيا من أولئك من مواطنيها أنفسهم. وكان الألمان يشكلون أكثر من 10 في المائة من السكان الأميركيين مع نهاية القرن التاسع عشر، وثمة أسماء مثل أيزنهاور ونيميتز، والتي قادت الحملة ضد قوى المحور.
لا ينطوي الأميركيون ببساطة على نفس ذلك النوع من التبعية والحميمية مع العالم العربي، ما يجعل القضية الصعبة أصلاً التي يطرحها غرام وبونو أكثر صعوبة أيضاً. ويمثل المسلمون 1 % تقريباً فقط من عدد سكان أميركا في الوقت الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة للعرب الأميركيين. وبالإضافة إلى ذلك، خسرت الولايات المتحدة أصلاً الآلاف من الأرواح الأميركية وأنفقت مليارات الدولارات في جهودها لإعادة إعمار العراق وأفغانستان، ويتطلب إقناع الجمهور الأميركي بأن نفس هذا الجزء من العالم سيتطلب حتى المزيد من الأموال والعضلات الأميركيين على الأرجح بذل جهد أسطوري ومرهق جداً، حتى بالنسبة لشخص مثل جورج مارشال الذي يصعب أن يتكرر.
وهذا شيء سيئ الطالع، لأن احتياجات الشرق الأوسط كثيرة، والألم الذي يتم الشعور به في الكثير من أنحاء المنطقة هو ألم حقيقي جداً. ولا يمكن حل أي من تلك المشاكل على أي حال من خلال أي كمية من الإغاثة الغربية التي يتم منحها لحكومات استبدادية وغير خاضعة للمساءلة مثل تلك الموجودة في القاهرة.
غني عن البيان أن المشاكل التي تعصف بالشرق الأوسط تتطلب حلولاً شرق أوسطية -والأكثر أهمية، وضع نهاية للعنف والتدهور الوطني المستمرين في سورية واليمن والعراق. ويتطلب الحل قدراً من التعاون والتنسيق بين الشيعة والسنة والإسلاميين والعلمانيين والفرس والعرب، وهو شيء غير موجود اليوم ببساطة، ولا يستطيع أن يغير ذلك أي قدر من التخطيط الاقتصادي -سواء كان مارشال أو غير ذلك.
ترجمة:عبدالرحمن الحسيني
صحيفة الغد