تباين المواقف حيال المبادرة الروسية يحدث انقاسما صلب المعارضة السورية بين داعم لمقترح موسكو ورافض من حيث المبدأ محاورة النظام السوري.
اصطفافات جديدة برزت على السطح السياسي السوري، بعد أن قامت المبادرات الدولية والإقليمية والعربية بفرز جديد داخل مكونات وفصائل المعارضة السورية تجاه قضايا النزاع المسلح لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية التي شارفت على غلق عامها الرابع، وهي اصطفافات تعكس حقيقة المشاريع البديلة للمعارضة.
فبعد أن قررت الولايات المتحدة الأميركية قيادة تحالف دولي عسكري لضرب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق وما نتج عن ذلك التحالف من اختلاف في مواقف المعارضة السورية بين مؤيد لتلك الضربة الموجهة ضد الإرهاب وبين رافض لها، هاهي المبادرة الروسية الدافعة لإجراء حوار مباشر بين المعارضة والنظام السوري تؤدي إلى فرز ثان داخل الأطراف السياسية بين مؤيد للإطار الروسي للحوار ومعارض له، وصلت أحيانا بالمعارضين إلى رفض أي إطار للنقاش حول آلية الخروج من الأزمة بمجرد بقاء النظام السوري في سدة الحكم أو أن يكون جزءا من الحل.
وقد ذهب الائتلاف السوري المعارض بقيادة هادي بحرة إلى التعبير عن استعداد الائتلاف للذهاب إلى أي مبادرة للتفاوض شرط أن تكون وثيقة جنيف 1 هي المرجعية الأساسية والأولى لهذا اللقاء مع النظام، فيما يتمسك المعارض ورجل الدين السوري معاذ الخطيب بموقفه الرافض تماما لوجود النظام السوري في أي طاولة للحوار حول المخارج السياسية المقترحة للحرب الأهلية الدائرة منذ حوالي أربع سنوات، مؤكدا أن “النظام السوري جزء من المشكل ولا يجب التعامل معه”.
لا مانع من الحوار مع النظام من خلال المبادرة الروسية
قال رئيس الائتلاف السوري المعارض هادي البحرة في تصريحات إعلامية متفرقة إن المعارضة السورية (التي يمثلها) “لا ترى إشكالات جوهرية في المقترح الروسي بجمع عناصر من الحكومة السورية مع المعارضة للحوار في موسكو”. مؤكدا في الحين ذاته أن المعارضة السورية الآن تنتظر أن تتطور المبادرات الدولية بشكل أكثر وضوحا وزخما قائلا: “إن الشعب السوري يعول كثيرا على تلك المبادرات خاصة المصرية والروسية”.
وقد نفى قائد المعارضة السورية هادي البحرة أن تكون سوريا مقسمة ما بين النظام والعناصر الإرهابية، مؤكدا أن الجيش الحر يقاتل الطرفين من دون إمكانيات، متسائلا عن طبيعة التعاطي الدولي مع الواقع السوري الذي أكد أنه تعاط لا يصب في مصلحة الثورة السورية أو الشعب السوري الطامح للديمقراطية، قائلا: “وما لا نفهمه هو تقديم كامل الدعم لـ”داعش” والنظام حتى يكون المجتمع الدولي أمام خيارين، إما النظام وإما الإرهاب”. وذكر رئيس الائتلاف السوري أن الشعب السوري يعول على مصر وروسيا خلال المرحلة المقبلة، لإيجاد تسوية وحل سياسي ينطلق من وثيقة جنيف1.
وقد أعلنت موسكو أخيرا عزمها استضافة اجتماع للمعارضة السورية نهاية شهر يناير، وآخر يجمع المعارضة والنظام، وقد أكد البحرة أن الائتلاف السوري المعارض لا يرى مانعا في الحوار مع النظام “فقط لإيجاد سبل جدية للوصول إلى تسوية شاملة وحل سياسي”. وعلق قائلا: “حتى هذه اللحظة لا يوجد أي شيء رسمي بخصوص ملتقى موسكو، ولم نتلقَّ أي دعوة رسمية أو شفهية بتاريخ محدد، وإذا كان الهدف من هذا الطرح عقد لقاء سوري – سوري للمعارضة فهذا يجري حاليا بين عدة أطراف من المعارضة، ونحن في الائتلاف اتخذنا منذ أكثر من شهر خطوات للبدء في عملية حوار مع كل الأحزاب والتيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابية حول آفاق الحل السياسي”.
أما عن تفاصيل اللقاءات التي تضم المعارضة مع النظام السوري والتي ترعاها موسكو، أكد هادي البحرة أن الطرف الروسي له تخطيط مرحلي للوصول إلى نقطة اللقاء مع النظام، وأن الإطار الذي أدى إلى موافقة المعارضة للقيام بهذا الحوار رغم ضبابية المسار هو المرجعية القانونية والدولية التي سوف يحظى بها هذا الحوار، قائلا إنه “خلال لقائنا مع ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي أبلغنا أن بلاده تفكر في طرح مؤتمر من محورين، الأول: حوار بين مختلف مكونات المعارضة، التي تدعوها موسكو للمشاركة في هذا المؤتمر، ثم المحور الثاني يشمل الحوار بين المعارضة والنظام”.
وعن الإطار الجامع لهذا الحوار، الذي لم يرفض البحرة المبدأ الذي من خلاله سوف يلتقي بقيادات من النظام السوري، فقد قال: “وكما نعلم أن جهود المجتمع الدولي تبلورت بإخراج وثيقة بيان 30 يونيو 2012 المسمى ببيان جنيف، ولذلك لا بد أن يكون هو المرجعية والأساس لأي إطار تفاوضي في المستقبل، وما زالت روسيا، كما أبلغنا، تعد وثيقة جنيف فاعلة وتدعمها، بينما ما يقال حول موضوع الحوار لا توجد له أي أجندة ولا برنامج وبالتالي لن يكون ناجحا، لأنه لضمان ذلك لابد من أجندة واضحة ورعاية دولية ومظلة قانونية ودولية لهذا المؤتمر”.
وقد أكد عديد المراقبين انطلاقا من تصريحات البحرة أن الائتلاف السوري المعارض ليس له اعتراض مبدئي على الجلوس مع النظام السوري لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية، لكن تجدر الإشارة أن المعارضة السورية الآن “جادة في مساعي التفاوض التي تقوم بها وذلك بالأدوات المتوفرة لديها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه” حسب تصريح بحرة.
ومن المنتظر أن تعقد الأحزاب والشخصيات والمجموعات المشكلة للائتلاف السوري المعارض لقاءات تشاورية لدراسة سبل الالتحاق بمبادرة موسكو التي لم تتوضح بعد مواعيدها وكيفية عقدها. وقد أكد بحرة في هذا السياق أن الأطراف التي رفضت مبادرة روسيا وكان لها تحرج من المبادرة المصرية “هي حرة في تقديراتها ومواقفها لكن الشعب السوري في حاجة إلى مخرج سريع وكامل وناجع من الحرب الأهلية التي يعيش على وقعها منذ ما يقارب الأربع سنوات.
وقالت جماعة معارضة سورية جديدة مرتبطة برجل الدين معاذ الخطيب “إنه يجب على الرئيس بشار الأسد أن يتنحى في إطار أي حل سياسي للحرب الأهلية”. وذلك في رفض مباشر لكل المبادرات الدولية والإقليمية الرامية إلى الجمع بين المعارضة والنظام لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
جاء ذلك في بيان صادر عن مجموعة “سوريا الوطن” المرتبطة بمعاذ الخطيب وهو زعيم سابق للمعارضة السورية وخطيب سابق في الجامع الأموي في دمشق. ويحدد البيان موقف هذه المحادثات قبل محادثات سلام محتملة في موسكو هذا الشهر.
وتسعى روسيا حليفة الأسد لجمع الحكومة السورية وشخصيات من المعارضة في نهاية يناير الجاري لبحث سبل لإنهاء الحرب الدائرة منذ ما يقرب من أربعة أعوام والتي قتل فيها حوالي 200 ألف شخص وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
ووضع الخطيب بيانا على صفحته الرسمية على فيسبوك قال فيه إنه لن يكون هناك حل “من دون رحيل رأس النظام والمجموعة التي ساقت سوريا إلى المصير البائس الذي وصلته اليوم”، مضيفا أن أي عملية انتقال نحو “سوريا الجديدة يجب أن لا تحتوي على أي عنصر من عناصر سوريا القديمة، وذلك ليتحقق شرط الثورة في إسقاط النظام”. ورفض الأسد الدعوات التي تطالبه بالتنحي من الخطيب وشخصيات أخرى في السابق. وتقول جماعات المعارضة وحلفاؤها الغربيون والعرب إن الرئيس السوري فقد الشرعية ويجب أن يرحل.
وقال الخطيب إن البيان صادر عن مجموعة “سوريا الوطن” وموجه إلى الشعب السوري. ولم يتضح على الفور ما إذا كان الخطيب هو زعيم هذه الجماعة ومن هم الأعضاء الآخرون، فيما يؤكد مراقبون أن بصمات معاذ الخطيب واضحة في البيان وهو استمرار منطقي لموقف جماعته في الرفض القاطع لأي حوار مع النظام أو أي أرضية سياسية فيها النظام كعنصر.
وقال البيان أيضا إنه لن يتم التعامل مع أي محادثات بجدية إلا بإلزام النظام “بإيقاف القصف الوحشي لشعبنا” والذي وصفه بأنه “من أكبر الجرائم في تاريخ الإنسانية”. وتقول الحكومة السورية إنها تخوض حربا مع متشددين تمولهم دول أجنبية. وقام الأسد بزيارة نادرة لقواته في منطقة دمشق في ساعة متأخرة في بحر الأسبوع الماضي وأشاد بحربهم ضد “الإرهاب”.
وقد أكد محللون أن البيان الصادر بعد يوم من زيارة الأسد، هو رد الخطيب على ما يبدو على الدعوات لإجراء محادثات مع نظام الأسد التي وجهتها روسيا لشخصيات من المعارضة السورية هذا الأسبوع. ولم يتضح ما إذا كان الخطيب من بين الشخصيات التي تلقت دعوة للمشاركة في المحادثات.
أي حل سياسي يجب أن يتضمن تنحي الرئيس بشار الأسد، ولذلك نحن نرفض المبادرة الروسية في الحوار مع النظام
والخطيب رئيس سابق للائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة أي جماعة المعارضة السياسية الرئيسية في الخارج. ورغم أنه لم يعد رئيسا للائتلاف إلا أنه يتمتع باحترام ويشير إليه الدبلوماسيون عادة على أنه شخص يمكن أن يلعب دورا في حل سياسي في المستقبل. وقد سبق أن زار روسيا مع شخصيات أخرى من المعارضة لمناقشة الأزمة السياسية. ولكنه الآن تراجع بشكل ملحوظ عن موقفه “الداعم للحوار مع النظام” وأصبحت مواقفه أكثر تحفظا ورفضا لوجود النظام في آي آلية داخلية أو خارجية لإيجاد مخرج سياسي للحرب الدائرة.
وتنحى الخطيب من رئاسة الائتلاف الوطني المعارض في مارس 2013، عندما هوجم لدفاعه عن إجراء محادثات مباشرة مع الحكومة وعرض على الأسد خروجا من خلال التفاوض. ولا يتمتع الائتلاف المدعوم من الغرب الآن بنفوذ كبير على المسلحين الذين يقاتلون من أجل الإطاحة بالأسد في حرب زادها نجاح الجماعات الإسلامية المتشددة تعقيدا. وقد أكد معاذ الخطيب في العديد من التصريحات أمام وسائل الإعلام أن “طيفا واسعا من الشعب السوري غير قادر على تحمل مزيد من المبادرات السياسية والمقترحات الظرفية خاصة وأن النظام جزء منها”.
مجموعة قرطبة ترفض المبادرة الروسية وتندد بالتدخل الإيراني في سوريا
أصدرت مجموعة عمل قرطبة السورية المعارضة بيانا حددت فيه موقفها السياسي من المبادرات السياسية الساعية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، واعتبرت فيه أن الحل سياسي، يجب أن “ينطلق من مبادئ جنيف 1، ويعمل على الحفاظ على مؤسسات الدولة، مع إعادة بناء المؤسستين العسكرية والأمنية وفق مهام وطنية مهنية بعيدا عن العمل السياسي”.
ومجموعة عمل قرطبة هي جسم سياسي سوري معارض عقد لقاءه التأسيسي في مدينة قرطبة الإسبانية في فترة سابقة. وأضاف البيان أنه “من أجل ضمان نجاح هذا الحل يجب البدء بإطلاق المعتقلات والمعتقلين، وتحرير المخطوفين، وضمانات عودة المهجرين والنازحين، مع التأكيد على حقوق أسر الشهداء والمتضررين، والتخفيف من معاناتهم معنويا وماديا”.
أما بخصوص الاستحقاقات التي تتطلب الاستعداد والمشاركة فيها، فقد دعا البيان إلى “لقاء وطني شامل، يبدأ بلقاء تشاوري لقوى المعارضة، يستند إلى مبادئ العقد الاجتماعي وثوابت مؤتمر القاهرة 2012”، مطالبا قوى المعارضة بالاتفاق على “أوراق سياسية واضحة، تنقل البلاد نحو التغيير الديمقراطي الحقيقي والقطع الكامل مع نظام الاستبداد، ورفض التفرد من أي فصيل معارض بالقرار السوري على مستوى الأفراد والجماعات، وتحديد الرؤية من مبادرة المندوب الدولي “دي ميستورا” الساعية لتجميد القتال في حلب، لتكون منطلقا لخطوات مماثلة في ريف إدلب وحمص والقلمون والغوطة والجنوب، مع ضمان عدم الاعتداء، وعدم خرق الاتفاقات، وعدم نقل القوات بين الجبهات، بقرار ملزم من مجلس الأمن الدولي مع رقابة دولية، وفتح ممرات آمنة لمرور المساعدات الإنسانية، وعودة المهجرين والنازحين”.
وحذر البيان “من التدخلات الإيرانية الداعمة للنظام في مدينة حمص وباقي المناطق السورية، مما يستدعي التوجه إلى مجلس الأمن، واتخاذ قرار يجرم التدخلات في سوريا من قبل العناصر المتطرفة والحرس الثوري الإيراني وحزب الله ولواء أبي الفضل العباس، وضرورة التدخل الحاسم والجدي قبل أي مبادرة تسعى لحل سياسي في سوريا”.
وأفاد البيان بأن “معظم المبادرات المطروحة على الساحة الدولية، بما فيها مبادرة موسكو لا تلبي بشكل جدي تطلعات الشعب السوري، وهي محاولات يخشى منها تعميق الشرخ بين أطراف المعارضة السورية وإعادة تأهيل النظام”.
وأكد البيان على أن مجموعة عمل قرطبة تعتبر “نفسها جزءا من القوى السياسية المعارضة لنظام الاستبداد والقمع في سوريا، وتمد يدها إلى كافة القوى الوطنية، التي تؤمن بالتغيير الديمقراطي”.
يذكر أن مجموعة قرطبة قد أعلنت في 1/1 /2015 عن تأسيس كيانها السياسي، بوصفها كيانا سياسياً سوريا معارضا، و”جزءا من الثورة السورية، وتتطلع إلى “تشكيل تنظيم سياسي ديمقراطي، يهدف إلى تأطير قطاعات واسعة من الشعب السوري بكافة مكوناته، من عرب وأكراد وتركمان وسريان وآشوريين وشركس وإيزيديين وأرمن باختلاف دياناتهم ومذاهبهم، كي يكون له ثقل حقيقي بين قطاعات الشعب السوري على الأرض، ويتوجه إلى تعزيز وجوده في الداخل وفي دول المهجر، بغية العمل معا من أجل دعم ثورة الشعب وتحقيق أهدافها، وحمايتها وتصحيح مسارها”.
نقلا عن جريدة العرب