كان إرجاء إعلان موعد الاحتفال الوداعي للقوة الدولية للمساعدة في إحلال السلام المرتبطة بالحلف الأطلسي «إيساف» في 28 نوفمبر الماضي إلى آخر لحظة هو الجواب الضمني على السؤال عن مدى نجاح الحرب التي خاضتها هذه القوة ضد الإرهاب في أفغانستان على مدى 13 عاماً.
فقد أُرجئ هذا الإعلان تحسباً لخطر تنفيذ حركتي طالبان و«القاعدة» اللتين استهدفتهما هذه الحرب هجمات خلال الاحتفال في كابول. ومؤدى هذا الجواب هو أن الإرهاب الذي أُعلنت الحرب عليه عام 2001 ما زال يمثل خطراً كبيراً في أفغانستان، كما في العراق. فكان القلق الذي راود منظمي الاحتفال الوداعي لقوات «إيساف» أكثر تعبيراً عن الواقع مما ورد في كلمة «جون كابل» القائد الأميركي لهذه القوات عن إنجازاتها. تحدث «كابل» عن إخراج أفغانستان من الظلمات واليأس ومنحها الأمل في المستقبل، وعن جعلها أقوى وأكثر أمناً عبر إنشاء قوات عسكرية وأمنية لم يكن لها وجود من قبل، وعن تأسيس نظام سياسي حديث.
غير أن الواقع يبدو بعيداً عن هذه الصورة. فالنظام السياسي الذي أُقيم يبدو حديثاً بالفعل، ولكن من حيث الشكل. فهذا نظام مثقل بصراعات أنهكته منذ ولادته وأعاقت إكمال الشكل الديمقراطي الظاهري في ظل تزوير مستمر للانتخابات وتلاعب متواصل بقواعد اللعبة.
ولذلك أنتجت الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أُجريت جولتها الثانية في يونيو الماضي شللاً سياسياً لأكثر من ثلاثة شهور، بسبب الخلاف الحاد على نتائجها. ولم يتيسر تجاوز هذا الخلاف (مؤقتاً على الأرجح) إلا عبر تدخل أميركي لفرض صيغة لتقاسم السلطة بين المرشحين اللذين احتدم الصراع بينهما، فأصبح أشرف غاني رئيساً وأُسند إلى عبدالله عبدالله منصب لا وجود له في الدستور (رئيس الجهاز التنفيذي للحكومة).
وفضلاً عن أنه قد يكون صعباً الحفاظ على هذه الصيغة لمدة 5 سنوات، يفتقد النظام الجديد في مجمله قاعدة اجتماعية كافية لتوفير قدر معقول من المناعة في مواجهة خطر «طالبان» و«القاعدة». ولذلك يبقى في حاجة إلى مساندة أجنبية، الأمر الذي فرض إبقاء 12500 من جنود «إيساف» تحت اسم آخر هو «بعثة الدعم الثابت لتطوير الجيش الأفغاني وتأهيله». ومن بينهم 10800 جندي أميركي يعتزم الرئيس أوباما إعادة أكثر من نصفهم في نهاية العام الجاري (2015)، وعدم إبقاء سوى مئات قليلة منهم في نهاية ولايته.
وليس مستبعداً تعديل هذا الجدول الزمني وتمديد وجود القوات، التي تعمل تحت اسم بعثة الدعم، أو حتى زيادة عددها بدلاً من خفضه، إذا لم تحدث طفرة في أداء القوات الأفغانية الجديدة التي لا يبعث مستواها على الاطمئنان حتى الآن. وكانت واضحة خيبة أمل الجنرال جوزيف أندرسون لدى مغادرته كابول بعد إشرافه على عمليات «إيساف»، عندما قال إن الخسائر في القوات الأفغانية ومعدلات التسرب منها وصلت إلى مستوى لا يُحتمل.
فقد بلغت هذه الخسائر نحو 5 آلاف جندي خلال عام 2014 وحده، أي أكثر من إجمالي خسائر «إيساف» خلال 13 عاماً وهو 3485 جندياً وفقاً لبياناتها الرسمية. كما تعاظمت وتيرة هجمات «طالبان» و«القاعدة» في الشهور الأخيرة حين بدأت قوات «إيساف» تستعد للانسحاب، وصارت كابول هدفاً منتظماً للهجمات مما دفع بعض مؤسسات الإغاثة الدولية إلى حزم حقائبها والمغادرة خشية التفجيرات المتنقلة.
واقترن ذلك بانتشار الخوف في أوساط عدد متزايد من الأفغان الذين كانوا قد عادوا من الخارج للاستثمار أو العمل، كما يبدو من ازدياد معدلات مغادرتهم أفغانستان مجدداً. وساهم الفساد الذي استشرى في النظام الجديد، إلى جانب الخوف من هجمات «طالبان» و«القاعدة»، في ازدياد أعداد المغادرين على نحو يطرح سؤالاً مثيراً هو:
لماذا يكون الفساد فاحشاً في النظم التي تبنيها الولايات المتحدة في بلاد تغزوها وتعيد بناء نظمها على أسس تسمّيها ديمقراطية؟ فلا يختلف الوضع كثيراً في أفغانستان عنه في العراق على هذا الصعيد.
وإلى أن يُجاب عن هذا السؤال، تظل الغيوم مخيمة في سماء أفغانستان «الجديدة»، التي يرفرف فيها العلم الوطني منفرداً بعد إنزال علم «إيساف» يوم الأحد من الأسبوع الماضي. وتبقى «طالبان» مصدر تهديد قوي للنظام الجديد الهش، الذي يسعى إلى الحوار معها.
غير أنه لا يجد أي تجاوب من جانبها، لأنها ما زالت في وضع يتيح لها أن تملي شروطها بعد 13 عاماً على حرب استهدفت القضاء عليها، أو أقله إضعافها وتقليص قدرتها على التهديد. ولذلك ينبغي أن تكون دروس هذه الحرب ماثلة أمامنا خلال مواجهة الإرهاب الجديد الذي يمثل «داعش» أخطر مكوناته في المرحلة الراهنة.
د.وحيد عبد المجيد
نقلا عن الاتحاد الاماراتية