أثار تقرير حقوقي دولي مجدّدا قضيّة أوضاع السجون والمعتقلات العراقية، مشيرا إلى تفاقم ظاهرة الاعتقال على الشبهة وانعدام وسائل إجراء التحقيقات في آجالها القانونية.
وركّز التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية على ظروف الاعتقال بالغة السوء، غير أنّ حقوقيين وقادة رأي عراقيين وأجانب، كثيرا ما اعتبروا أن معاناة السجناء والمعتقلين في العراق ما هي إلاّ الجزء الظاهر من معضلة أشمل تتصل بفساد القضاء وسائر أجهزة الدولة وتداخل الاعتبارات السياسية بالعوامل الطائفية في تسيير الشأن العام.
وأعلنت المنظمة المذكورة، الاثنين، أن السلطات العراقية تحتجز غالبا أبرياء بتهم الإرهاب في ظروف مروعة في عموم البلاد.
والاحتجاز على الشبهة وخارج القانون وممارسة التعذيب داخل السجون، ووجود معتقلات سرية، جميعها ظواهر مستشرية في العراق منذ الاحتلال الأميركي وما تبعه من مرحلة حكم الأحزاب الشيعية التي سخّرت أجهزة الدولة من داخلية وقضاء لتصفية حسابات مع رموز ومحسوبين على نظام حزب البعث.
غير أنّ الظاهرة ازدادت تفاقما مع اندلاع الصراع ضدّ تنظيم داعش، وما رافق ذلك من بروز غير مسبوق لتشكيلات غير نظامية مسلّحة ممثلة بميليشيات الحشد الشعبي غير الخاضعة لأي نوع من أنواع رقابة الدولة، والتي أتيح لها أن تسيطر على مناطق بأكملها وأن تجري فيها “القانون” على طريقتها.
وترد شهادات كثيرة عن عمليات اعتقال تمارسها الميليشيات على نطاق واسع بحق سكان المناطق المستعادة من عناصر تنظيم داعش، وأساسا بحق الذكور من شبان وكهول من أبناء الطائفة السنية بتهمة التعاون مع تنظيم داعش لمجرّد الشك فيهم.
ولا تقتصر الاعتقالات على السكان الموجودين بتلك المناطق، ولكنها تشمل أيضا من يحاولون العودة إلى ديارهم بعد “تحريرها” من داعش، حيث تذكر الشهادات اعتقال المئات على حواجز تفتيش تقيمها الميليشيات على الطرق وعلى مداخل القرى والمدن والبلدات بذريعة منع تسلل الإرهابيين ضمن المدنيين.
وكان النائب بالبرلمان العراقي أحمد السلماني قد أثار قضية السجون غير النظامية بشكل واضح، مطالبا رئيس الحكومة حيدر العبادي بفتح تحقيق بشأن وجود سجون سرية لميليشيات تحتجز المئات من المواطنين في جرف الصخر بمحافظة بابل في جنوب بغداد.
غير أنّ ممارسة الاعتقال العشوائي لا تقتصر على الميليشيات الشيعية بل تشمل أيضا القوات النظامية التي تعمد تحت ضغط الحاجة إلى منع تسرّب مقاتلي تنظيم داعش مع العوائل النازحة من مواضع القتال إلى توقيف أغلب الشبان والاحتفاظ بهم في معتقلات على أمل تحقيق مفترض غالبا ما يتأخر مددا طويلة لعدم توفر العدد الكافي من المحققين ومن مراكز التحقيق المجهزة بالوسائل اللاّزمة.
وجاءت أغرب الشهادات من مدينة الرمادي التي تمت استعادتها من مقاتلي تنظيم داعش في يناير الماضي، حيث أكّد شهود عيان أن عددا من الشبان المناهضين أصلا للتنظيم والرافضين لتعاليمه المتشدّدة، والذين أحجموا عن النزوح من المدينة مخافة الاعتقال، انضموا في الأخير للقتال إلى جانب داعش لتأكّدهم من أن القوات الحكومية ستحتجزهم بتهمة دعم التنظيم سواء قاتلوا معه أم لم يقاتلوا. ومسّت ظاهرة الاعتقال العشوائي بشكل أكبر محافظة الأنبار ذات الغالبية السنية والتي كثيرا ما يتّهم سكانها، لا سيما سكان مدينتي الرمادي والفلّوجة، باحتضان تنظيم داعش.
وتمكّن وفد من منظمة العفو الدولية ضم الأمين العام سليل شاتي من زيارة أحد مراكز الاعتقال الواقع في منطقة عامرية الفلوجة.
وقال شاتي لوكالة فرانس برس في بغداد “لقد زرنا أحد مراكز الاعتقال في عامرية الفلوجة ووجدنا 700 سجين محتجزين منذ عدة أشهر بتهمة الاشتباه بالإرهاب”.
وأضاف أن “أوضاع احتجازهم تشكل صدمة كبيرة، حيث لكل واحد منهم مساحة لا تتجاوز مترا مربعا، وليست هناك مساحة حتى للاستلقاء. كما أن الحمامات في نفس الغرف، إضافة إلى أن كمية الغذاء قليلة، والأوضاع بشكل عام مروّعة جدا”.
وبدورها، قالت دونتيلا روفر، مستشارة شؤون الأزمات في المنظمة، إن “المركز يدار من قبل قوة مكافحة الإرهاب، ولديهم أربعة محققين فقط يعملون على معالجة القضايا”.
وتقع عامرية الفلوجة في محافظة الأنبار، حيث تقاتل القوات العراقية من أجل طرد تنظيم داعش الذي يسيطر على مناطق شاسعة في هذه المحافظة.
وتسببت الحرب بنزوح أعداد كبيرة من المدنيين، واعتقل العشرات من الرجال المشتبه بارتباطهم بالإرهاب.
وقال شاتي “لم توجه السلطات التهم بشكل رسمي لأيّ من المحتجزين، الذين قضوا أشهرا في الاعتقال لأن السلطات المحلية ليست لديها القدرة على التحقيق في قضاياهم”.وأضاف “حتى السلطات المحلية تقول إنه ليس لديها علم حول كيفية وصول هؤلاء إلى هذه المعتقلات، كما تعتقد بأن غالبيتهم أبرياء”.
وأشار فريق المنظمة إلى عدم توفر معلومات مسبقة لديه حول وجود هذا المعتقل. ولفت شاتي إلى أن “المشكلة أكبر بكثير لأننا قابلنا 700 محتجز، لكن هناك الكثير من الأماكن الأخرى في البلاد”.وأضاف “أنه بالفعل مثال سيء لنظام القانون الجنائي الذي لا يعمل في هذا البلد”.
وتؤكد المنظمة ضرورة تعزيز النظام القضائي في العراق، حيث تتعرض حقوق الإنسان لإساءات خطيرة بشكل روتيني دون عقاب.
ويقع النظام القضائي العراقي في قلب منظومة الفساد المستشري في البلد، ورغم تعدّد المطالبات بإصلاحه، بما في ذلك من خلال شعارات ولافتات واضحة رفعها متظاهرون ضدّ كبار رموز ذلك النظام، إلاّ أن تداخل سلطة هؤلاء ومصالحهم بسلطة ومصالح رجال المال والسياسة وقادة الميليشيات يوفّر لهم الحصانة ضدّ المحاسبة.
صحيفة العرب اللندنية