بالنسبة لرئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، بدأ يوم 4 أيار (مايو) بأخبار جيدة. ففي الصباح، أقرت المفوضية الأوروبية؛ الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، اقتراحاً برفع القيود عن تأشيرات الدخول للأتراك الذين يسافرون إلى منطقة كتلة “شنغن” اعتباراً من حزيران (يونيو). لكن مشاعر الارتياح الأولى للسيد داود أوغلو الذي كان قد جعل سفر الأتراك في أوروبا من دون تأشيرة شرطاً أساسياً لضمان المساعدة التركية في وقف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، كانت قصيرة الأجل. فبحلول المساء، كان واضحا أن رئيس الوزراء أصبح عاطلاً عن العمل.
كان الرجل الذي سحب البساط من تحت قدميه هو الشخص نفسه الذي عينه قبل أقل من عامين: الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وكانت التوترات بين أردوغان الذي يصبح أكثر استبداداً باطراد، ورئيس وزرائه تتصاعد منذ شهور. وقد اختلف الاثنان حول مستقبل محادثات السلام مع المتمردين الأكراد، وحول خطط أردوغان لتغيير الدستور من أجل إعطاء الرئاسة سلطات تنفيذية، وبطريقة تعزز قبضته على الحكومة وعلى حزبه الخاص، حزب العدالة والتنمية.
كما أنهما اشتبكا أيضاً حول إدارة الاقتصاد، وحملة أردوغان القمعية على المنتقدين (التي حُكم على آخر ضحاياها؛ اثنين من الصحفيين، بالسجن لمدة عامين في الأسبوع الماضي بسبب إعادة نشر رسم من رسوم تشارلي إبدو، الأسبوعية الفرنسية). وقد اتهم أردوغان رئيس وزرائه بسرقة الأضواء. وقال في الآونة الأخيرة، في إشارة إلى محادثات التأشيرة مع الاتحاد الأوروبي: “خلال فترة وجودي كرئيس للوزراء، تم الإعلان عن أن السفر بالشنغن سيدخل حيز التنفيذ في تشرين الأول (أكتوبر) 2016. ولا أستطيع أن أفهم لماذا يتم تصوير تقديم الموعد أربعة أشهر على أنه انتصار”.
ظهرت الدلائل على أن داود أوغلو أصبح يقاتل من أجل حياته السياسية يوم الجمعة قبل الماضي، عندما جردته الهيئة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية من الحق في تعيين مسؤولي الحزب في الأقاليم. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، اقترح مدون مجهول يُعتقد أنه عضو في الدائرة الداخلية للسيد إردوغان أن رئيس الوزراء قد وصل إلى تاريخ انتهاء صلاحيته. وكان داود أوغلو، كما زعم المدون على موقع إلكتروني، تجاوز رئيسه من خلال انتقاده اعتقال الأكاديميين والصحفيين، وبإحجامه عن حشد الدعم لرئاسة إردوغان التنفيذية -ومن خلال إعطاء مقابلة لمجلة “الإيكونوميست” في العام الماضي.
في 5 أيار (مايو)، بعد يوم واحد من التقاء الرجلين في قصر أردوغان المكون من 1100 غرفة، اجتمع المجلس التنفيذي لحزب العدالة والتنمية لتقرير مصير رئيس الوزراء. ولم يكن واضحاً في ذلك الوقت ما إذا كان سيستقيل فوراً. ولكن، من المتوقع أن يعقد حزب العدالة والتنمية في الأسابيع التالية مؤتمراً استثنائياً لانتخاب خليفة داود أوغلو كزعيم للحزب. ومن بين المرشحين المحتملين بينالي يلديريم، وزير النقل، وبيرات البيرق، وزير الطاقة (الذي يصادف أيضاً أنه صهر أردوغان).
ربما يكون داود أوغلو، المدمن على قراءة الكتب، ووزير الخارجية السابق، قد تجادل بهدوء مع أردوغان في بعض الأحيان، لكنه حاول التهوين من شأن الانقسامات بشكل عام. وتشير الإطاحة به إلى لم يعد هناك أي متسع للتسامح مع المعارضة للرئيس داخل حزبه. كما أنه يكشف عن الثمن الذي يبدو أردوغان مستعداً لدفعه من أجل تحقيق أجندته. ففي غضون ساعات من اجتماعه مع رئيس الوزراء، انخفضت الليرة التركية بنسبة 4 % مقابل الدولار، وهو أكبر انخفاض من هذا النوع تسجله العملة التركية منذ العام 2008. كما انتشرت المخاوف من أن الاتحاد الأوروبي، الذي وجد في داود أوغلو محاوراً معقولاً وقناة لتجاوز رئيسه الوقح، سوف يفقد شهيته للانخراط مع تركيا.
لكن أردوغان لا يهمه شيء على ما يبدو. لم يكُن أي أساس قد وُضع لرحيل السيد داود أوغلو. وبالنسبة للكثيرين من مؤيدي حزب العدالة والتنمية الذين رأوا رئيس وزرائهم وهو يدفع الحزب إلى فوز هائل في انتخابات الخريف الماضي، تبدو الاطاحة المفاجئة به محيرة. ويقول أوزير سينكار، رئيس شركة “متروبول” للاستطلاعات، أن ذلك يظهر أن أردوغان يريد إجراء استفتاء على الصلاحيات التنفيذية لرئاسته هذا العام. ويضيف: “(داود أوغلو) شكل عائقاً. وكان يجب أن يذهب”.
ترجمة:علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد