يمكن من منظور أنثروبولوجي التمييز بين أسبابٍ ذاتية، وأخرى موضوعية، تجعل مسلمين شباناً يختارون الانضمام إلى “داعش”، بدل الانخراط في النسيج المجتمعي الأوروبي.
الأسباب الذاتية
تساهم ثلاثة أسباب ذاتية أساسية، في صناعة الأنا المتطرّفة لدى عدد من الشباب في أوروبا، هي الشعور بالإحباط في مجتمع مادّي، تغلب عليه الفردانية، وعدم القدرة على الاندماج، ومحدوديّة الوعي الدّيني والزاد الفكري لدى أغلب الشباب الذين يستهويهم الجنوح إلى التطرّف.
الشعور بالإحباط: يتبين الناظر في السير الذاتية لأغلب شباب أوروبا المنتمين إلى “داعش” أنّ أعمارهم بين 20 و35 سنة. وهي فترة يكون فيها الإنسان توّاقًا إلى تحقيق أحْلامه، وإثبات وجوده، والتعبير عن شخصيته داخل الفضاء الاجتماعي، ويصعّد ذلك الطموح عبر العمل أو النجاح العلمي، أو عبر الزواج وطلب الاستقرار الأسري. لكن هذه الأحلام أصبحت قريبة إلى المحال أكثر منها إلى الإمكان، بالنسبة إلى الشباب العربي المسلم المقيم في أوروبا. فأغلبهم يعاني وضعاً نفسياً هشاً وواقعاً مادّيًا متدهوراً، فمنهم من لم تسمح له الظروف بإكمال مشواره الدّراسي، ومنهم من لم تنفعه شهادته العلميّة في الظفر بعمل قار، وذلك بسبب اسمه العربي أو بشرته السمراء، أو بسبب تراجع نسبة التشغيل في أوروبا. ومن ثمّ، يولد العجز عن إثبات الذات مهنيّا واجتماعيا، يولّد حالة من العزلة، وشعوراً بالدّونية، تجاه الآخر. وتتضافر عوامل البطالة والإحساس بالتهميش، والشعور بالفشل في تحقيق الكيان في إنتاج شخصية مهزوزة، تشعر بالضياع واللاّمعنى، وتبحث لها عن دور للظهور من ناحية، وللانتقام من الفضاء الاجتماعي المهمّش للأنا من ناحية أخرى. فيكون الانتماء إلى “داعش” من أشكال الثأر للذات المغيّبة، ومحاولة لتنفيس المكبوت، وتحقيق شيء من الأحلام التي صادرها المجتمع (من قبيل البطولة الموهومة، الحصول على راتب، الانتماء إلى دولة الخلافة وادعاء الفاعليّة تحت رايتها).
أزمة الانتماء وصعوبة الاندماج: يعاني شباب الجاليّات الإسلامية المهاجرة إلى أوروبا من حالة انفصام، تعطّل اندماج أغلبهم في الدّورة المجتمعيّة الأوروبية، وتحول دون تبنّيهم عن قناعة نمط الحياة على الطريقة الأوروبية، فأغلب الشباب المسلم يتلقى تعاليم الانتماء إلى فضاء عروبي، وهويّة إسلامية ذات قيم محدّدة، ونظام سلوكي مخصوص، فيُربّى هؤلاء على الولاء للوطن الأمّ الذي انتمى إليه أجدادُهم، ويتبنّون من الدّين بعده الشعائري، المحافظ، ويتعامل جُلّهم مع البيئة الغربية، باعتبارها براغماتية، استفادت من جهود آبائهم لبناء أوروبا المعاصرة، ولم تتكفّل برعاية الشباب العربي المسلم الذي ظلّ يعاني البطالة والتهميش عقوداً. كما يُنظر في لا شعور بعضهم إلى الغرْب عموماً، وأوروبا خصوصاً، باعتبارها قوّة استعمارية غازية، استولت على البلدان العربية، وسلبت ثرواتها حيناً من الدهر. ويتناسى هؤلاء الشباب دور أوروبا في احتضانهم، وتدريسهم، وتأمين السلامة لهم داخل مجتمعات تعدّدية مفتوحة. وبذلك، فإن القصور الذاتي لدى بعض الشباب في إدراك أهميّة التعايش مع الآخر، والقبول بثقافة الاختلاف والانفتاح على الغير، تجعلهم ينظرون إلى أصولهم الثقافية العربيّة الإسلاميّة نبع الحقيقة المطلقة والصفاء الأصيل، ويتعاملون مع المنجز الحضاري الغربي باعتباره بدْعة، وزيفاً حداثيّاً لا فائدة منه. وتتحول تلك الأحكام الإقصائية الجاهزة في أذهان بعض الشباب على التدريج إلى أحكام عقدية غير قابلة للنقاش، تُؤمّن نفورهم من الاجتماع الأوروبي المفتوح، وتدفعهم إلى الانتماء إلى مجتمع إقصائي، مغلق، تُنظّر له دولة داعش. محدوديّة الوعي الدّيني والزّاد الفكري: تنتج حالة النقص المعرفي قصوراً إدراكياً في تقويم الواقع، وفهم الأنا والآخر. وتؤدّي إلى فهم مبتور لما هو كائن ولما ينبغي أن يكون. والظاهر أنّ شباب أوروبا المشايع لتنظيم داعش يعاني من نقصٍ معرفي مزدوج، فهم لم يتشبّعوا من الثقافة الحداثيّة الغربيّة، ولم يتعمّقوا في تعاليم الدّيانة الإسلامية في آن. فهم لم يتشرّبوا من معين ثقافة الأنوار وحقوق الإنسان في أوروبا، ولم يدركوا قيمة التسامح، والمسالمة والمجادلة بالتي هي أحسن في الإسلام، حتّى أنهم يختزلون الدّين في آيات القتال، وإعلان الحرب، والنفير إلى الجهاد، مُعرضين عن قراءة أسباب النزول، وعن الإحاطة بآيات المُلاينة، ووجوب التعايش مع الآخر في الخطاب الإسلامي المؤسّس (قرآنا وسنّة). ومردّ ذلك أن تلك الفئة من الشباب مأخوذة بخطاب ماضوي/ انفعالي، صادر عن بعض الدّعاة المتشدّدين الذين يدّعون الولاء للسّلف وإحياء السّنة، ويجدون لهم منابر للتعبير في أوروبا نفسها، ولهم حضور لافت للنظر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وعبر وسائل الإعلام المشرقيّة، ويغتنم أولئك الدّعاة حالة الفراغ الرّوحي، والقصور الفكري لدى شباب أوروبا، ليوجّهوهم وجهة التطرّف، ويعلّموهم أسباب الحجاج على صحّة عقائدهم المغاليةِ. فيصبح التكفير بدل التفكير أولويّةً، ويغدو التنافر بدل التواصل غاية، ويتحوّل الدّين من جسر للتعارف إلى سيف مسلّط على رقاب المخالفين للجماعة المغالية. ويتمّ تقسيم المكان إلى مقدّس ومدنّس، والنّاس إلى مؤمنين وكفّار، ودار حرْب ودار سلم وفق ما تراه “الفرقة الناجية”. ومعلوم أنّ ترويج هذا المفهوم المبتور للدّين يؤدّي إلى التشويش على الإسلام، وإلى إنتاج “متديّنين” لا يؤمنون بقاعدة العيش المشترك مع الغير، ويعتقدون أنّ تمام الحقيقة في إعلان البيعة لداعش.
الأسباب الموضوعيّة
الأسباب الموضوعيّة التي تدفع شباباً مسلمين في أوروبا إلى ركوب موجة التطرّف عديدة. لعلّ أهمّها طبيعة سياسات أصحاب القرار في أوروبا، وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا والممارسات العنصريّة، وديماغوجيا داعش.
السّياسات الأوربية الجائرة: ينحدر أغلب الشباب الأوربي المنتمي إلى داعش من ضواحي طرفية وأحياء فقيرة، محيطة بالمدن الأوروبية الكبرى (باريس، بروكسيل، برلين…) وينتمون إلى أسر محدودة الدخل، وترتفع بتلك المناطق نسْبة البطالة، ومعدّلات الجريمة، والانقطاع المدرسي، ولا تجد تلك الجهات حظّها من المخطّطات التنموية لمعظم الدّول الأوروبيّة، وتعاني من نقص المرافق الأساسيّة، والنوادي الثقافيّة والترفيهيّة، ومراكز المرافقة الاجتماعية والتكوين المهني، ولا يلتفت إليها أصحاب القرار السياسي، في الغالب، إلاّ في المناسبات الانتخابية. فيقدّمون لهم وعوداً ورديّة، لا تلقى طريقها إلى التنفيذ لاحقاً. وهو ما ولّد حالة من الإحساس بالإحباط والتهميش في تلك الأوساط، وولّد شعوراً بعدم الثقة في الدّولة، تحوّل على التدريج إلى كراهيّةٍ لرموز السلطة ومؤسّساتها التمثيلية. ولا يجد أغلب شباب الأحياء الفقيرة حرجاً في امتهان مهن عابرة، والمتاجرة ببضائع ممنوعة، وأخرى مهرّبة تأمينا لقوته اليومي، في ظل غياب مواطن شغل قارّة في تلك الأحياء. ومعلوم أن تلك الحالة الهشّة تغري الشّباب بالتوجّه قِبلة داعش. كما أن ميل دول أوروبيّة إلى تطبيق سياسات علمانيّة راديكاليّة، تستهدف التضييق على السلوك الدّيني للمسلمين (الأذان، الحجاب، النقاب، …) وتشريعها التهكّم من مقدّساتهم (القرآن، الرسول، مكّة…) يُثير حفيظة عدد من الشباب، ويدفعهم إلى تبنّي مواقف متطرّفة من أوروبا. يضاف إلى ذلك استياء الشباب من السّياسات الخارجيّة الأوروبيّة، خصوصاً ما تعلّق بمهادنة المستبدّين من الحكّام العرب، وعدم الجديّة في التوصّل إلى حل عادل للقضيّة الفلسطينيّة. وهو ما يزيد من تعميق أزمة ثقتهم في الأنظمة الحاكمة في الدّول الأوروبيّة، وينشئ عندهم نزوعاً نحو مواجهة إقصاء الدّولة بإقصاء مضادّ يجسّده التوجّه نحو داعش .
تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرّف: ما شهدته أوروبا من هجمات إرهابيّة أقدم عليها متشدّدون في مدريد وباريس ولندن جعل الجاليات الإسلامية في مرمى اليمين المتطرّف الذي استثمر تلك الأحداث الدّامية سياسياً، ووظفها لتحسين حُظوظه في الاستحقاقات الانتخابية، مركّزا على استعداء المسلمين الأوروبيين وترويج خطاب عنصري/ عرقي متعصّب، يتناقض والهويّة الثقافيّة التعدّدية لأوروبا. ويساهم في تأليب الناس على المسلمين، وهو ما يزيد شعورهم بالعزلة، وإحساسهم بأنّهم مواطنون من درجة ثانية، ويتجلّى ذلك خصوصاً من خلال ما يعانيه بعض شباب المسلمين من فرز على أساس الهويّة عند الترشّح لممارسة مهنة ما، فلون البشرة، والاسم واللكنة العربية، وارتداء الحجاب أضحت من العوامل التي قد تحول دون العمل في مؤسّسة ما. كما قد تكون سبباً في تعريض الشاب إلى المساءلة والمراقبة الأمنيّة، والمنع من الدّراسة في المؤسّسات التعليمية. لا بل إن سياسيين لا يتورّعون عن السخرية من لباس المسلمين، ومعتقداتهم ومقدّساتهم، وهو ما يورث في نفوسهم إحساساً بالضيم تخالطه الحسرة، وشعورا بالغُبن تمازجه النقمة على أنظمةٍ علمانيّة، تمارس الدّيمقراطيّة الانتقائية، وتتدخّل في الحياة الخاصّة للأفراد، وفي مقدّمتها حريّة اللباس. كما أن انتشار الخطاب الإعلامي والفكري القائم على شيطنة المسلمين، واعتبارهم كائنات رجعيّة، وتصوير الإسلام خطراً داهماً يهدّد أوروبّا، يؤدّي، لا محالة، إلى تعميق الهوّة بين الشباب الأوروبي المسلم والمجتمعات الغربيّة التي ينتمي إليها. ويساهم في صعود التطرّف، وتأجيج الشعور بالكراهيّة، ويدفع بعض الشباب إلى الانغلاق، والالتفات إلى “داعش” بحثا عن حاضنة اجتماعية بديلة.
ديماغوجيا داعش: في ظل ما يعانيه بعض شباب أوروبا من خصاصة، وبطالة وفراغ روحي واهتزاز نفسي، وتقصير من الدولة في الرعاية والإحاطة، يمتدّ خطاب “داعش” الذي يحاول أن يملأ الفراغ الحاصل بترويج شعارات فضفاضة واعدة، من قبيل أنّ “دولة الخلافة هي سفينة الخلاص وسبيل النجاة في الدنيا والآخرة”، موهما الشباب أنّ الالتحاق بمعسكرات “داعش” انتصار للإسلام، وإعلاء لراية التوحيد وتمكين “لدولة الله”، ومصوّرا التفجير تضحية في سبيل الله، ومعراجاً إلى الجنّة. ويقدّم التنظيم نفسه وصيّاً على الإسلام، وناطقاً باسم الله، معتبرا أتباعه في خير عميم، وخصومه في ضلال مقيم. ويعّتمد في التعْبير عن ذلك خطاباً بيانياً بليغاً، وتصويراً معبّراً، وإيقاعاً إنشاديّاً يشنّف الآذان، ويهزّ القلوب، موظّفا التقنيات الرقميّة عالية الجودة في التعريف برموزه، ومذهبه، وفي ترويج معاركه ومذابحه. والمراد إحداث التأثير وخطف العقول والأبصار، وإبهار المتلقّي بقوّة التنظيم، فيرى فيه تعويضًا لعجزه، وثأراً لضعفه، فيندفع نتيجة ذلك بعض شباب أوروبا وغيرهم إلى رحاب “داعش”، بحثاً عن بطولة وهميّة، وعن ظهور ظرفي، وعن احتفالٍ بالذات، ولو عبر تقويض الآخر والفتك به.
أهداف
يتقصّد المنتمي إلى “داعش” تحقيق عدّة أهداف، منها ما هو معلن، ومنها ما هو مضمر، ففي الظاهر، يروم المبهورون بالتنظيم الرّحيل من دار الكفر (أوروبا/ الغرب عمومًا) إلى دار الإيمان (الدولة الإسلاميّة) التي يعتبرونها أرض الشريعة، و”دولة الله” التي يتسنّى لهم فيها ممارسة شعائرهم الدّينية وطقوسهم السلفيّة بلا حسيب ولا رقيب، وبقاء تلك الدولة وضمان امتدادها يقتضي العمل على التمكين لها، والدّفاع عن حياضها، والسعي إلى إعلاء شوكتها باعتبارها دولة الخلافة الإسلاميّة من منظورهم، والولاء لها واجب، والجهاد في سبيلها فرض مقدّس. ولكي يكتسب قتال الآخر مشروعيّةً، يتم تلبيسه في تصوّر الملتحقين بداعش من الأوربيين وغيرهم بأهداف إنسانيّة، وأخرى دينيّة طائفيّة، من قبيل القول إن النفير إلى الجهاد يُراد به الانحياز إلى المستضعفين في الأرض، ومواجهة الطاغوت (الحاكم المستبد والخارجين عن حدود الله)، والانتصار إلى أهل السنّة في مواجهة المدّ الشيعي.
لكن هذه الأهداف الظاهرة تخفي نزوعاً باطنياً إلى الظهور، وشوقاً إلى لعب دور في العالم، فالمنتمي إلى “داعش” يريد التعويض عن حالة الفراغ والضياع التي شهدها في مجتمعاتٍ أوروبيّةٍ مسكونة بهاجس الماديّة والفردانيّة. ويريد الانتقال إلى عالمٍ جديدٍ، يعطي لذاته أهميّة وهميّة، فيتقمّص صورة الفارس المغوار، والجهادي الشرس، ويصبح وجوده، وكذا مصيرهُ، مرتبطاً بوجود الجماعة واستمرارها، ويقترن، في أذهانهم، الانتماء إلى “داعش” بامتلاك عناصر القوّة من مال وسلاح وشهرة، تعوّضهم ضعفهم، وهشاشة وضعهم الاجتماعي والمادّي في غيتوهات أوروبّا، وتجعلهم أشخاصاً مهمّين/ خطرين. ومن ثمّة، فإن الإحساس بالنقص، والشوق إلى سدّ النقص، يبقى المحرّك الأساسي، والهدف الرئيسي غير المعلن في ولع الجهاديين الأوروبيين بدوغما “داعش”.
من المسؤول؟
عديدة هي الأطراف المسؤولة عن امتداد التطرّف في الدّاخل الأوروبيّ، غير أنّه يمكن الإشارة إلى أن مثلث الإهمال الأسري، والتجاهل الحكومي وتقصير المجتمع المدني، هو المسؤول مباشرة عن انخراط عدد من شباب أوروبا في تنظيم داعش. فعلى الصعيد الأسري تشهد البلدان الأوروبية في عصر الحداثة وما بعدها تفكّكًا ظاهراً للنواة العائليّة، وصعودًا واضحاً للنزعة الفردانية، حتى أن الأسرة لم تعد مكلّفة عمليّاً بمراقبة الأبناء بعد بلوغهم سنّ الرشد (16-18 سنة)، وكثيراً ما يستغلّ المراهقون والشباب هامش الاستقلالية الذي يتمتّعون به، لينشئوا شبكات علاقات خاصّة خارج الأسرة، أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فيُصبح تشكيل الوعي الشبابي مشروعاً لا تنفرد به الأسرة، بل تساهم في بلورته وسائل الإعلام، والإنترنت، وأصدقاء الجامعة، أو المسجد، أو المقهى أو الحانة … وتنتج حالة الاستقالة الأسريّة، وما يتزامن معها من عجز العائلة عن تلبية مطالب الشاب المشطّة ومصاريفه اليوميّة الكثيرة، فجوة بين الفرد ومهده الأسري، وقابليّة للانخراط في دوائر الانحراف والتطرّف والجريمة عن وعي، أو عن غير وعي. ولا يجد الشباب، في خضمّ ما يعانيه من فراغ فكري وروحي، وما يكابده من عطالة وتهميش العوْن والنصيحة والإرشاد والتوجيه من منظمات المجتمع المدني عموماً، والجمعيّات الإسلاميّة الأوروبيّة خصوصاً، التي تبدو مقصّرةً في الإحاطة بالشباب المسلم في أوروبا، ولا تبذل الجهد المطلوب في تأطيره وتشجيعه على الاندماج بدل العزلة، وعلى لزوم الاعتدال بدل التطرّف. كما أنّ الأجهزة الحكوميّة في عدد من الدول الأوروبيّة تتعامل مع مطالب الشباب، في أحياء المهاجرين والضواحي الفقيرة، بمنطق التسويف، والهروب إلى الأمام، وتواجه تحرّكاتهم بالقنابل المسيلة للدموع. ولم تتجه بعد إلى بلورة استراتيجية واضحة المعالم، لتحسين الأوضاع المعيشيّة لشباب الضواحي، وتوفير السبل المناسبة لتأهيلهم وتشغيلهم. ويواجه أصحاب القرار ظاهرة التطرّف في تلك المناطق، باتخاذ مزيد من التدابير الأمنيّة/ الوقائيّة والإجراءات العقابيّة/ الزجريّة، وهو ما يصبّ في مزيد التضييق على هامش الحريّة لدى مسلمي أوروبا، ولا يرقى إلى معالجة الأسباب الحقيقيّة المنتجة لظاهرة التطرّف والنزوع نحو “داعش” في الدّاخل الأوروبي.