العراق: البلد غير القابل للحكم

العراق: البلد غير القابل للحكم

13120629_1678808279047012_1190658433_o

 حتى قبل أن تقوم الولايات المتحدة بإغلاقها بالجدران العازلة والأسلاك الشائكة، كان يُنظر إلى المنطقة المعروفة الآن باسم “المنطقة الخضراء” في وسط بغداد بمزيج من الخوف والكراهية. كان صدام حسين يزين قصوره بتماثيل ونصب تذكارية لنفسه. وبعد الإطاحة به، انتقل مقر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى واحد من هذه القصور –القصر الجمهوري- وتطورت المنطقة الخضراء في المنطقة المحيطة به. وكان يفترض في التحصينات أن تكون مؤقتة؛ وجاءت رداً على تمرد يحدث في الخارج. ولكن، عندما انسحب الأميركيون، حل قادة العراق الجدد محلهم في القلعة –وكهدف رئيسي للجمهور الغاضب أيضاً.
الآن، مر 13 عاماً منذ سقوط صدام، لكن الكثير من العراقيين ما يزالون يناضلون من أجل التكيف. ولم تنتج الحكومات العراقية المتعاقبة، المنفصلة عن الناس، أكثر من مستويات مذهلة من الفساد وعدم الكفاءة. ويجلس المسؤولون المتبطلون في المكاتب مكيفة الهواء، حتى بينما يفتقر المواطنون إلى الخدمات الأساسية. وبدا إحراز التقدم في العراق ممكناً في العام الماضي، عندما قدم العبادي أجندة للإصلاح، والتي كانت تتمتع ظاهرياً بدعم كامل أطياف البرلمان. لكن عودة أعضاء البرلمان السريعة إلى المشاحنات أدت إلى إثارة غضب الناس، والذي بلغ ذروته يوم 30 نيسان (أبريل) عندما قام مئات من العراقيين باجتياح المنطقة الخضراء.
وبعد تحطيم بعض الأثاث في البرلمان، وضرب واحد من أعضائه، تراجع المحتجون بسرعة. لكن تصرفاتهم عمقت أسوأ أزمة يشهدها العراق منذ سقوط صدام حسين في العام 2003.
كان السبب المباشر للمشاحنات خلافاً على المناصب الوزارية المقسمة بين الكتل السياسية على أساس الطائفة والعرق. وقامت معظم الكتل بنهب الوزارات الواقعة تحت سيطرتها. وحاول العبادي تقليص عدد الوزراء من 22 إلى 16 وزيراً (وكان قد اختصر 11 منصباً في السابق)، واستبدال السياسيين المعيّنين بوزراء من التكنوقراط، والذين يمكن أن يقوموا بأداء مهامهم حقاً. وتتمتع جهوده بالدعم من الولايات المتحدة وإيران وآية الله العظمى علي السيستاني، الذي يشكل سلطة دينية إسلامية عليا عند الشيعة. كما أنها يتمتع أيضاً بدعم مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المتقلب الذي يهمين أتباعه على حركة الاحتجاج.
الصدر ربما لا يريد إسقاط الحكومة
مع ذلك، تتشبث معظم الأحزاب السياسية العراقية تقريباً بالنظام القديم الذي يضمن لها حصة من السلطة والغنائم. ولذلك، وحتى قبل المصادقة على مرشحي العبادي الخمسة الأقل إثارة للجدل يوم 26 نيسان (أبريل) كان بعض المشرِّعين قد ألقوا مسبقاً بزجاجات المياه وغادروا الاجتماع. وبعد أيام من ذلك، تم تأجيل تصويت على عدد من المرشحين الجدد بسبب عدم اكتمال النصاب.
وسوف يكون عقد جلسة أخرى للبرلمان صعباً: فقد غادر الأعضاء الأكراد عائدين إلى منطقتهم المتمتعة بالحك الذاتي، حيث تشجل الأزمة المزيد من الحديث عن الاستقلال؛ والسيد الصدر في زيارة إلى إيران. وقال رئيس البرلمان أنه سيحاول عقد جلسة أخرى للبرلمان يوم 10 أيار (مايو). لكن البعض يخشون أن ذلك سيكون قليل الأهمية، وأن البلد منقسم والفساد مترسخ بحيث أصبح البلد غير قابل للحكم. ومع أن رئيس الوزراء يمكن أن يستمر في دفع الرواتب، وأن يواصل الحرب ضد “داعش” بموافقة المجلس التشريعي أن من دونه، فإن هناك القليل مما يمكن القيام به لإصلاح الدولة العراقية.
كان السيد العبادي قد أمل بإصلاح بعض الضرر الذي كان قد أحدثه سلفه الطائفي، نوري المالكي. لكن الوقت ربما أصبح متأخراً جداً على القيام بذلك. فالتوترات تنمو بين المجتمعات وفي داخلها أيضاً. وفي المعسكر الشيعي، تتقاتل المجموعات الشيعية، مثل منظمة بدر المدعومة من إيران والحركة الصدرية، على النفوذ، بينما يخطط المالكي للعودة. وفي الشمال يتشاجر الأكراد فيما بينهم أيضاً. ويقتل جهاديو “داعش” من نظرائهم السنة أكثر مما يقتلون من الآخرين. وتقترح إيما سكاي، المستشارة السابقة للجيش الأميركي في العراق، النظر إلى الأزمة على أنها “صراع على السلطة والموارد في دولة منهارة؛ في عالم هوبسي، حيث الجميع ضد الجميع”.
وتقول السيدة سكاي أن بعض العراقيين يتذكرون الأيام الأخيرة من الملكية في العام 1958، عندما رفضت نخبة أخرى الإصلاح، وتمت الإطاحة بها. وقد أشعل الصدر تمرداً. وقال: “أنا أنتظر قيام الانتفاضة الشعبية العظيمة والثورة العظيمة لوقف مسيرة المسؤولين الفاسدين. وكان من المقرر قيام المزيد من الاحتجاجات في 6 أيار (مايو). لكن الصدريين ربما لا يريدون الإطاحة بالحكومة حقاً.
وتقول ماريا فانتابي من مجموعة الأزمات الدولية: “لقد استخدموا نزوعهم المناهضة للمؤسسة لتقوية موقفهم في المؤسسة”.
وفي الأثناء، يتفكك الاقتصاد في البلد. وتحصل الحكومة على معظم أموالها من مبيعات النفط، لكن سعر هذه السلعة يعاني من الأنهيار. وقد مرر البرلمان ميزانية بمبلغ 107 ترليون دينار عراقي (نحو 100 مليار دولار) للعام 2016 – لكنه يتوقع عجزاً بمقدار 24 ترليون دينار. ويأمل المسؤولون بالحصول على قروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لكن الأزمة السياسية تهدد بإجهاض هذه الآمال أيضاً.
وسوف يذهب أكثر من 70 % من الإنفاق إلى الرواتب ومخصصات التقاعد الخاصة بموظفي القطاع العام البالغ عددهم نحو 7 ملايين شخص، صاعدين من مليون موظف في عهد صدام حسين. ويجلس الكثيرون في مكاتب فارغة. وقد قطع السيد العبادة دفعات بعض الموظفين العموميين. لكن آخرين مُنحوا زيادات، ولن يسمح له الساسة بتسريح أحد.
وتكلف حرب العراق مع “داعش” ملايين الدولارات كل عام، وهي تُظهر كيف أن مشكلات البلاد تزيد من تعقيد بعضها البعض. ويقول كيرك سويل من النشرة الإخبارية “داخل السياسة العراقية”، أنه “لو لم تكن الحكومة في حالة من الفوضى العارمة، لكانوا قد طردوا هؤلاء الناس قبل سنة من الآن”. وخلال أحداث الاضطرابات الأخيرة، قام العبادي بسحب بعض وحدات الجيش من محافظة الأنبار، حيث يتمتع “داعش” بالقوة، من أجل تأمين بغداد.
وكان القتال من أجل استعادة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، قد بدأ يوم 24 آذار (مارس). وفي 3 أيار (مايو) شن الجهاديون هجوماً معاكساً، وتمكنوا من اختراق الدفاعات الكردية، وقتلوا أحد الأميركيين. وسوف يؤدي تحرير الموصل في نهاية المطاف إلى إلحاق إضرار بمجموعة “داعش”، ومع ذلك، كما تلاحظ إيما سكاي، فإن “الدرس الرئيسي من زيادة عديد القوات في العراق في الأعوام 2007-09… كان أنه إذا لم تكن السياسة متماسكة، فإن النجاحات التكتيكية تكون غير مستدامة، والأشياء تتداعى”.

ترجمة :علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد