ما زالت الحملة الانتخابية الأميركية على أشدّها منذ أكثر من عام. وعندما انطلقت، كان عدد المترشحين للتسمية يفوق العشرين، وأصبحنا الآن نتداول اسمين فقط؛ فإما هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب.
وإذا أصبحت هيلاري رئيسة، فلا يمكننا الجزم بأنها ستتبع سياسات أوباما، لا محلياً ولا خارجياً. لكن المؤكد أنها ستواصل دعم وتنفيذ الاتفاقية النووية مع إيران، وتوسيع أطر العلاقات مع كوبا، وستحترم الاتفاقيات التاريخية التي أنجزها أوباما لإنهاء عقود من الصراعات عبر العالم. وستواصل التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة، في أوروبا والشرق الأوسط. وستواصل الحرب ضد «داعش» وبقية التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، رغم أنها أكثر اقتناعاً من أوباما بضرورة استخدام القوة في سوريا لإقامة منطقة آمنة.
وداخلياً، ربما تكمن النتائج الأكثر أهمية لانتخاب هيلاري في تعيين قاضٍ أو قاضيين في المحكمة العليا لتنفيذ أجندتها المنفتحة، وضمنها رفض القرار الذي اتخذته المحكمة مؤخراً والقاضي بتشجيع تمويل الحملات الانتخابية. وتتضمن أجندتها أيضاً حماية قانوني إباحة الإجهاض وحقوق الانتخاب، وهما قانونان يحظيان بدعم الليبراليين.
وفيما يتعلق بترامب، فقد أصبح المرشّح المسمى عن الحزب الجمهوري. وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أنه سيخسر الجولة الانتخابية النهائية أمام هيلاري بعد أن تحدث عن أمور أثارت نفور الناخبين؛ منها إهانته للنساء مراراً على الرغم من أن عدد الناخبات في الولايات المتحدة يفوق عدد الناخبين الذكور. كما أساء للمكسيكيين وبقية الأميركيين ذوي الأصل اللاتيني الذين أصبحوا يشكلون جزءاً مهماً من الناخبين الأميركيين. وأظهر تعصّبه الواضح ضد المسلمين وعداءه للأجانب عموماً على الرغم من حقهم في التصويت.
وتنقل تقارير صحفية عن اقتصاديين مشهود لهم بالخبرة وطول الباع، بأن خطط ترامب الاقتصادية لن يُكتب لها النجاح. كما وثّق الخبراء العديد من الأكاذيب والافتراءات التي كان ينطق بها في مواقف كثيرة.
ولعل الأهم من كل ذلك هو أن ترامب يقود حملته الانتخابية عن الحزب الجمهوري رغم أنه أغضب شريحة واسعة من منتسبي الحزب وزعمائه. ووصل الأمر إلى إعلان رئيسين جمهوريين سابقين (بوش الأب والابن) رفضهما تقديم الدعم له في الانتخابات العامة. وهو الذي وجّه إهانات صريحة للمترشحين الجمهوريين الستة عشر الذين كانوا ينافسونه على التسمية في المراحل الأولى، كما أعلن العضو الجمهوري الأبرز في الكونجرس «بول ريان» عن عدم اعتزامه تقديم الدعم لترامب. وأكثر من ذلك، فقد كان ترامب عضواً في الحزب الديمقراطي، ولا يزال حتى الآن يعلن عن دعمه للسياسات التي دأب الجمهوريون على رفضها. ولهذا السبب فهم يتهمونه بعدم الولاء للحزب الجمهوري.
ورغم كل ذلك، فربما يفوز ترامب بالانتخابات ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة. وخلال الأشهر الأحد عشر الماضية، كان الخبراء السياسيون يتنبؤون بأنه لن يفوز بالتسمية. وأجمعت استطلاعات الرأي المتكررة على أنه سوف يخسر، لكنّه اخترق تلك التوقعات وراح يحقق فوزه الكاسح في ولاية تلو الأخرى. وقد فاز حتى الآن بعدد من الأصوات يكفي لضمان تسميته للترشح للانتخابات الفاصلة.
ويمكن أن نعزو نجاح ترامب في الفوز بالتسمية لعدة أسباب، منها، أن هناك نحو 8 ملايين أميركي عاطل عن العمل أو من ذوي الأجور المنخفضة. وقد وعدهم بتأمين فرص العمل المناسبة، وبطرد 11 مليون عامل من المهاجرين غير الشرعيين. أضف إلى ذلك شهرته الإعلامية بسبب كثرة مشاركاته في البرامج التلفزيونية الحوارية. ومعروف عن الأميركيين إعجابهم برجال الأعمال الناجحين، وقد دأب ترامب على الحديث عبر وسائل الإعلام عن أسرار نجاحه. ويضاف إلى كل ذلك الوعود التي قدمها للناخبين بإعادة المجد والعظمة لأميركا، ووعده للأميركيين بأن يكون رئيساً صلباَ وقاسياً إلى أبعد الحدود. ثم إن ترامب يقول إنه حديث عهد بالشأن السياسي، فيما كانت هيلاري سيدة أولى، ثم سيناتورة فوزيرة للخارجية. وهي التي يأخذ عليها الجمهوريون أسلوب تعاطيها مع الأزمة الليبية.
وكل تلك العناصر والأسباب يمكن أن تقف في صف ترامب.
من يدري؟.. فربما تأتي نتيجة الانتخابات العامة مخالفة لكل الآراء واستطلاعات الرأي المسبقة فيفوز ترامب بها. لكن ما هي العواقب التي قد تنتج عن هذا الاختيار؟
وليام رو
صحيفة الاتحاد