لدى إدارة أوباما فرصة أخرى الآن لفرض “الخط الأحمر” الفاشل ضد استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، في ضوء التقارير الجديدة التي تتحدث عن استخدام نظام الرئيس بشار الأسد غاز الأعصاب ضد المقاتلين المتطرفين، واحتمال أنه يخطط لشن المزيد من مثل هذه الهجمات.
أصبح قرار الرئيس أوباما عدم الانتقام من استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية في العام 2013 رمزاً لسياسته الخارجية الأوسع، والتي يقول النقاد أنها لم تكن قوية بما فيه الكفاية في سورية وغيرها من الأماكن. وقد برر أوباما ضبطه للنفس بالاستشهاد بالاتفاق الدبلوماسي الذي رتبته الولايات المتحدة وروسيا لتدمير الترسانة الكيميائية السورية. لكن بعض التقارير الإسرائيلية الجديدة تطرح تساؤلات عما إذا كان الأسد قد امتثل لذلك الاتفاق.
أفادت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية يوم 2 أيار (مايو) الحالي، بالاعتماد على مصادر حكومية كما يبدو، بأن قوات الأسد استخدمت غاز السارين الشهر الماضي ضد مقاتلي “الدولة الاسلامية” بعد أن هاجموا قاعدتين للقوات الجوية السورية شرق دمشق. وكان من المفترض أن تكون قد تمت إزالة المخزونات من هذا الغاز القاتل من سورية في العام 2014.
بالنظر إلى الصمت الدولي عن هذه الأخبار، يقال أن المسؤولين الإسرائيليين يخشون من احتمال استمرار الأسد في القصب باستخدام الأسلحة المحظورة. وقال لي مصدر إسرائيلي: “مع استمرار القتال في سورية، من المعقول افتراض أن النظام لن يتردد في استخدام هذه الأسلحة مرة أخرى، خاصة بعد قيامه بذلك فعلاً… من دون أي رد فعل”.
يشكل الاستخدام المزعوم لغاز السارين علامة أخرى على أن الأسد مستعد لخرق أي جهود دبلوماسية تُبذل من أجل نزع فتيل الحرب. وفي الأسابيع الأخيرة، ضربت قواته، بدعم من روسيا، مستشفى للأطفال في حلب تديره منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة إنسانية مدعومة من الولايات المتحدة في إدلب تدعى الدفاع المدني السوري.
على ما يبدو، أصبحت الأسلحة الكيميائية جزءا من “الوضع الطبيعي الجديد” في سورية، وفقاً لتقرير نشرته في شباط (فبراير) الجمعية الطبية الأميركية السورية. وقالت المجموعة أنه كان هناك في العام 2015 نحو 69 هجوماً بالأسلحة الكيميائية في سورية، معظمها بقنابل الكلور التي أسقطها سلاح الأسد الجوي.
كثيراً ما يبرر نظام الأسد مثل هذه الهجمات بقول أنه قصف “داعش” و”جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة في سورية. لكن هؤلاء الجهاديين يختلطون مع المدنيين وجماعات المعارضة المعتدلة بطرق تجعل من غير المتطرفين أهدافاً لتلك الهجمات أيضاً. وبينما كثف الأسد حملته في حلب وأماكن أخرى في سورية، أصبح اتفاق “وقف الأعمال العدائية” الذي كانت قد تفاوضت عليه الولايات المتحدة وروسيا في شباط (فبراير) مهتزاً إلى حد كبير.
في الفترة الأخيرة، أشار إلى إمكانية أن تكون سورية محتفظة بالأسلحة الكيميائية أحمد أوزومكو، المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وقال: “ما تزال هناك أسئلة. لا أستطيع قول ما إذا كانت سورية قد أعلنت كل شيء (عن الأسلحة الكيميائية) أو أنها ما تزال تمتلك بعض هذه الأسلحة أو بعض الذخائر”. وأشار أوزومكو أيضاً إلى وجود مؤشرات “مقلقة للغاية” على أن مجموعة “الدولة الإسلامية” قد استخدمت غاز الخردل في سورية والعراق.
كما يعرب مسؤولون في إدارة أوباما عن قلقهم بشأن استخدام سورية المستمر للأسلحة الكيميائية، ولكنهم يرون فروقاً ذات دلالة إحصائية مهمة بين الحوادث المبلغ عنها مؤخراً وبين حجم ونطاق هجمات العام 2013 باستخدام غاز السارين و”في إكس”، والتي يعتقد أنها أسفرت عن مقتل أكثر من 1.400 من المدنيين السوريين.
ما تزال الدبلوماسية هي محل تركيز الإدارة الأميركية في سورية –ويبدو أن الشراكة مع روسيا تتوسع ولا تنكمش بشكل عام، على الرغم مما يصيبها من نكسات. ومن أجل تعزيز وقف إطلاق النار، كان المسؤولون الأميركيون والروس يناقشون مواقع تواجد جماعات المعارضة السورية “المحمية”. ويقال أن مسؤولين من كلا البلدين يتحادثون يومياً في جنيف وعبر الهاتف حول سورية، ويتجادلون حول أي المناطق هي التي تعتبر أهدافاً متطرفة مشروعة، وأي المناطق ينبغي تجنبها. ويُظهر هذا “الوعي بالنطاقات” بشكل مشترك، كما يصفه أحد المسؤولين، مدى التعاون الروسي الأميركي الهادئ.
لكن سورية تُظهر أيضاً محددات هذه الدبلوماسية السائدة بين القوى العظمى. ولا يبدو أن روسيا تسيطر على الأسد، حتى عندما تحاول ذلك. كما عجزت الولايات المتحدة عن إجبار مقاتلي المعارضة على النأي بأنفسهم عن “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية”. وأثبت الأسد، الذي كان ينظر إليه ذات مرة على أنه طبيب عيون دمث، أنه زعيم وحشي عنيد، والذي فرَّخ نهجه مجموعة “الدولة الإسلامية” الشرسة بنفس المقدار.
وأخيراً، ما تزال هناك فجوة تزيد اتساعاً في استراتيجية الولايات المتحدة الخاصة باستعادة معاقل “الدولة الإسلامية” في الرقة ومنبج في شرق سورية. وتريد واشنطن أن يكون العرب السنة هم الذين يقودون هذه المعركة. لكن المقاتلين الموثوقين الوحيدين الذي وجدتهم الولايات المتحدة هم الأكراد السوريون من ميليشيا وحدات حماية الشعب –التي تنظر إليها تركيا (عضو حلف الناتو)، وفيما يزيد الأمور تعقيداً- على أنها جماعة إرهابية.
من هو الذي سيضطلع بالمهمة المنطوية على المخاطر في سورية؟ هل يكون أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعدين حقاً للتسامح مع وضع يُنظر فيه إلى استخدام الأسلحة الكيميائية على أنه “الطبيعي”، على الرغم من الاتفاق الروسي-الأميركي على أنها ينبغي أن تكون محظورة؟
ديفيد إغناتيوس
ترجمة:علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد