برقاب مَنْ كلّ هذه الأرواح والدماء؟

برقاب مَنْ كلّ هذه الأرواح والدماء؟

BAGHDAD, IRAQ - JUNE 14:  A car burns at the scene of a car bomb, on June 14, 2004 in Baghdad, Iraq. A car bomb exploded at rush hour as three civilian sport utility vehicles - the kind favored by Western contractors - passed by one of Baghdad's most heavily trafficked square. Dozens have been wounded in the blast.  (Photo by Wathiq Khuzaie/Getty Images)

كم عدد ضحايا الإرهاب والعنف في العراق من القتلى والمصابين بحروح بدنية ونفسية وعقلية والمُدمّرة أملاكهم ومصادر رزقهم منذ العام 2010 حتى اليوم؟ وما هي قيمة الممتلكات والآليات العسكرية والمدنية التي تدمّرت بالكامل أو جزئياً منذ 2010 حتى اليوم أيضا؟

أشكّ في أنّ المؤسسات الحكومية العراقية تتوفر فيها المعلومات موضع التساؤل هنا. وحتى إذا توفّرت لها فأشكّ أيضاً في أنها تكون قد أعلنتها أو يُمكن أن تُعلن عنها بالتمام والكمال.

بعثة الأمم المتحدة في العراق (UNAMI) تُعلن شهرياً عن إحصائية بعدد القتلى والجرحى. ومع أنها إحصائيات غير دقيقة تماماً إلّا انها معوّل عليها الى حدٍّ كبير. وفي مطلع العام الحالي أعلنت هذه البعثة أنّ حصيلة ضحايا أعمال العنف والإرهاب في العام الماضي وحده (2015) هي 7515 قتيلاً و 14855 جريحاً من العراقيين. والعام الماضي لم يكن أسوأ الأعوام، بل إنه شهد تراجعاً ملموساً في العمليات الإرهابية وأعمال العنف في بغداد والمدن الأخرى.

وإذا اعتمدنا هذه الحصيلة معياراً لتقدير عدد القتلى والجرحى في الفترة بين 2010 حتى الآن (ست سنوات) يكون العدد المحتمل للقتلى أكثر من 45 ألفاً والجرحى أكثر من 90 ألفاً. وبالطبع فإن هذه الارقام المحتملة لا تدخل في قوامها الأرقام الخاصة بضحايا عملية احتلال داعش لثلث مساحة البلاد والسيطرة على مدن مهمة كالموصل والرمادي والفلوجة وتكريت وسواها وأعداد السبايا والمعتقلين والنازحين، وهم بالملايين، ولا قيمة ما دمّره داعش من ممتلكات ومن صروح أثرية لا يمكن تقديرها بثمن.

لكن لماذا أحصر سؤالي هنا بالفترة منذ 2010 حتى الآن ولا أمدّها إلى ما قبلها؟

الجواب نجده في ما نشره النائب ووزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علّاوي في موقعه الإلكتروني وصفحته الفيسبوكية بعنوان “هل يمكن أيقاف هذه التفجيرات وإيقاف نهر الدماء الزكيّة للآلاف من الشهداء الأبرياء؟”.

علّاوي المشهود له بالنزاهة والاستقامة والوطنية كتب يقول:

“في كلّ عملية تفجير تستهدف أرواح العشرات من الأبرياء أتمزّقُ ألماً، ليس على أرواح الشهداء فحسب، بل لتوقّف المشروع الأمني الذي كان بإمكانه إيقاف كلّ هذه التفجيرات وكلّ هذا العدد المخيف من الشهداء وهذه الدماء الزكيّة لأبناء شعبنا البررة من شيوخ وشباب ونساء وأطفال منذ عام 2010 حتى يومنا الحالي.

“في بداية عام 2007 عندما كنت وزيراً للاتصالات طرحتُ على مجلس الوزراء مشروعين، الأول حماية بغداد بالطرق الإلكترونية بحيث تكون بغداد كمدينة دبي أو مدينة بوسطن ويمكن كشف أي عملية إرهابية خلال ساعات من ارتكابها، والمشروع الثاني حماية الحدود السورية العراقية بحيث تعمل بشكل آلي كالحدود الروسية الفلندية زمن الحرب الباردة، فكل من يقترب من المنطقة المُحرّمة يُقتل فوراً بشكل آلي حتى من دون تدخّل الإنسان، فوافق مجلس الوزراء بالإجماع على المشروعين وصوّتَ على تشكيل لجنة أمنية تقنية برئاستي وعضوية وزراء الدفاع والداخلية والأمن الوطني والعلوم والتكنولوجيا. كان من المقرر أن يتم اختيار شركة استشارية عالمية متخصصة في المجال الأمني التقني ووضع مواصفات المشروع في نهاية 2007، ثم يتم إنجاز المشروع الذي يستغرق سنتين في نهاية 2009، ومعنى ذلك كان بكل سهولة تقليص عدد الشهداء بنسبة تفوق الـ 90% في مدينة بغداد، وكان من الاستحالة احتلال الموصل من قبل داعش لو تمّ مشروع حماية الحدود العراقية السورية.

“بدأت عمليات الفساد بعد أن تركتُ الوزارة بحدود نهاية 2007، فاشترطتْ وزارة الداخلية أن تترأس المشروع، فوافق المالكي على ذلك بعد تركي الوزارة، ثم حوّلتْ وزارة الداخلية اللجنة المشرفة على المشروع من الوزارات الخمس والمخابرات وأمانة بغداد وقوة حماية بغداد إلى لجنة استشارية تجتمع عندما يُطلب منها ذلك، لكي تتم السرقات من دون حسيب أو رقيب، ثم تمّ إلغاء منظومة الرادار من مشروع الحدود ،لأنّ الشركة التي اتفقوا معها (خلافاً للتعليمات) لا تعرف كيفية إنشاء منظومة رادارات، مع العلم أنّ الرادار في هذه المنظومة هو أكثر من ضروري، حيث لا تنفع الكامرات في المناطق الصحراوية والرياح الترابية. كما ألغوا الطائرات المُسيّرة بحجّة عدم امتلاك وزارة الداخلية مدارج لهذه الطائرات!

تنبّه العاملون في مكتب المالكي إلى هذه العمولات الكبيرة، فلماذا يستفيد المفسدون في وزارة الداخلية، وهم في دائرة رئيس الوزراء وبيده القرار النهائي، ولا أريد أن أتهمه بأي فساد، ولكن بالتأكيد الكثير ممن هم في مكتبه كانوا وراء إصدار أمر ديواني رقم 28 بتاريخ 24/1/2012 بإحالة المشروع خلافاً لجميع الضوابط لشركة هواوي الصينية، وهي شركة اتصالات جيدة ،ولكن لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالقضايا الأمنية، وأُهمِل المشروع بسبب الصراع بين المفسدين من جميع الأطراف، وإلى حدّ الآن لم يتم وضع مواصفات المشروع بعد حوالي ثماني سنوات من الاتفاق مع الشركة الاستشارية الأمنية، في حين أنّ وضع المواصفات لا يستغرق أكثر من ستة أشهر.

“بعد رجوعي للعراق في نهاية 2014 أرسلتُ رسالة للأخ حيدر العبادي لمحادثته بشأن المشروع الأمني ،ولكنّ كثرة انشغالاته لم تجعله يحدّد موعداً ثابتاً لهذا اللقاء، فلم يتّخذ أي إجراء فعلي لتفعيل هذا المشروع المهم والحيوي، ولكن ما زال المجال موجوداً للدكتور حيدر العبادي لإعادة الحياة لهذا المشروع الحيوي للحفاظ على حياة المواطنين وإيقاف نهر الدماء”.

مشروع السيد علّاوي كان سيمنع قتل وإصابة 90% ممن قُتلوا وأُصيبوا ويوفّر 90% من الأضرار المادية التي حدثت، وكان سيحول دون دخول داعش واحتلالها ثلث مساحة البلاد وكلّ المآسي المرافقة.

بربّكم، برقاب مَنْ أرواح ودماء عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ودمار الممتلكات؟.. وبرقاب مَنْ كلّ الآثار الكارثية للاحتلال الداعشي؟

عدنان حسين

صحيفة المدى