وهل كان مُنتظراً أن يكون لـ “التحالف الوطنيّ” بيان في شأن أحداث الجمعة الأخيرة في بغداد غير البيان الذي أصدره أمس؟ ببيان غير هذا لا يكون التحالف الوطني هو التحالف الوطني الذي عرفناه وخبِرنا مواقفه وسياساته واكتوينا ولم نزل بإدارته الفاشلة للدولة منذ 2005 حتى اليوم وبإصراره على الفشل رغم أنف الشعب والوطن.
بيان التحالف الوطني الصادر بعد اجتماع قياداته الليلة قبل الماضية جاء، كما كان متوقعاً، في صورة بيانات نظام صدام حسين في أوقات أزماته وحروبه.. اللغة نفسها، والآيات القرآنية المستشهد بها عينها تقريباً، وروحية الهروب إلى الأمام ذاتها ..!
التحالف الوطنيّ هو الحاكم الفعلي للبلاد منذ 2005 حتى اللحظة .. له الأغلبية في مجلس النواب وفي الحكومة وفي الهيئات “المستقلّة” التي جعلها جميعاً منحازة له ومسخّرة في خدمته، وله اليد الطولى في القضاء والسيطرة على إدارات الدولة كافة عبر الجيش الجرّار من وكلاء الوزارات ورؤساء المؤسسات والمدراء العامين والمستشارين والسفراء والمحافظين ورؤساء الوحدات الإدارية، وكذلك عبر وسطاء الصفقات الفاسدة والتوظيف المنفلت غير الأصولي والمأجور، فضلاً عن الميليشيات المسلّحة وجماعات الضغط السرّية (الحق إنَّ للتحالف الوطنيّ شريكاً أصغر يوازيه ويباريه ويقتفي آثاره في كل عمل سيئ داخل الدولة، وبخاصة على صعيد الفساد الإداري والمالي والمحاصصة وخطاب الكراهية الطائفيّ، هو اتحاد القوى، الوجه الآخر للعملة الطائفية والمذهبية الرديئة).
التحالف الوطني هذا، عوضاً عن أن يتفحص مليّاً مجريات الأمور ويتأمل جيداً عواقب سياساته الكارثية التي انتهت إلى وضع ثلث مساحة البلاد في أيدي داعش وموت عشرات الآلاف وسبي واعتقال عشرات الآلاف ونزوح الملايين داخل البلاد وخارجها، وإلى نهب ثروة الشعب وتهريبها إلى الخارج وتدمير الاقتصاد الوطنيّ وانهيار نظام الخدمات العامة وغياب سلطة القانون والنظام العام، وإلى غضب الشعب …عوضاً عن أن يتفحّص ويتأمل ويتحلّى بفضيلة الاعتراف بالخطأ والعودة إلى الطريق القويمة ومخاطبة الناس بكلمة سواء، اختارت قياداته أن تشتم الشعب العراقي بخطاب بذيء ينطوي على اتهامه بأنه صار حواضن لـ ” جُيُوب النفاق البعثيّة” ولـ “خناجر الغدر المسمومة في خواصر العمل الوطنيِّ الشريف، ومُحاوَلة دفع العراق باتجاه العودة اليائسة إلى سابق عهد الدكتاتوريّة البعثيّة البغيضة”! والحال ان التحالف الوطني، وإلى جانبه اتحاد القوى، هما مَن أوصل البلاد إلى الحال التي تكابدها الآن، وجزء من هذا يرجع إلى تنافسه مع شريكه الأصغر، اتحاد القوى، في الاعتماد على فلول النظام السابق وتوليتهم مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وإبعاد الكفاءات الوطنية النزيهة عن كلّ مركزِ قرارٍ وفعلٍ فيها، لضمان التنعُّم بالسُّحْت، أموالاً وعقاراتٍ وامتيازاتٍ لم يحضَ بمثلها إلّا صدام وحاشيته التي صار لكلّ زعيم من زعماء التحالف الوطني ما يتجاوزها عدّة وعدداً.
التحالف الوطني، في بيانه، يتّهم المتظاهرين المطالبين منذ سنوات بحقوقهم المكفولة دستورياً وتضمّنتها برامج الحكومات التي شكّلها التحالف الوطني، بأنّهم مندسّون بعثيون ودواعش، فيما هو في الواقع، ومعه اتحاد القوى، الحاضنة الحقيقية للبعثيين والدواعش المنبثّين والمندسّين في صفوف أحزابه وقواه قاطبة وفي مفاصل الدولة كلها، وهو الذي كان عوناً وأداة للبعثيين والدواعش في عدم معافاة الدولة والمجتمع.
كان الأولى بقيادات التحالف الوطني، إذ هي لا تريد أن تتحلّى بفضيلة الاعتراف بما ارتكبته من أخطاء وخطايا لما يزيد على عشر سنوات، أن تُمسك لسانها وتُكرمنا بسكوتها بدل استخدام لغة صدام حسين في بيانها الشوارعيّ الأخير.
عدنان حسين
موقع المدى